كتب حليم خاتون: جدار الصواريخ، وحجارة تل أبيب..
"تتعهد الولايات المتحدة الأميركية بتأمين التفوّق النوعي لإسرائيل على كافة جيرانها",.هذا ليس سوى واحد من التصريحات الأميركية أوالإسرائيلية التي تُذكًر من به "صمم"، حين يتعلق الأمر بولي نعمته من بلاد العم سام.
قبل، وخلال، وبعد نكبة ال ٤٨، كانت الإمبريالية تحرص دوما على إضعاف العرب بأكثر من وسيلة.. جيوش يقودها ضُبّاط بريطانيون مباشرة كما كان حال الأردن، أو ضباط تابعون لبريطانيا وفرنسا، كما كان حال مصر ولبنان.
بعد ثورة يوليو المصرية، اتخذ جمال عبدالناصر قرار تحرير الإرادة المصرية عبر تحرير إرادة ذراعها العسكرية كخطوة أولى, صحيح أن الغرب بأضلاعه الثلاثة، أميركا بريطانيا وفرنسا، حرص على إبقاء هذا التفوق؛ إلا أن الفجوة ضاقت الى الحدود القصوى مع النهضة الكبرى التي عرفتها مصر أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي, كان لا بد من ضرب قائد هذه النهضة,.
وكما تحالفت بريطانيا وروسيا القيصرية وبروسيا( المانيا)، والنمسا والإمبراطورية العثمانية، وأرسلت أساطيلها وجيوشها لمنع ملك مصر والسودان في القرن التاسع عشر، محمد علي باشا، من إعلان قيام دولة واحدة على كامل بلاد العرب، بعد أن حرّرت الجيوش المصرية كامل بلاد الحجاز ونجد وبلاد الشام بما فيها لبنان., كذلك فعلت بريطانيا وفرنسا، حين هاجمتا، مع إسرائيل، مصر، سنة ٥٦..
كان لانتصار عبد الناصر يومها وقعه في دفع حركة التحرر العربية خطوات جبّارة إلى الأمام, لذا كان لا بد من إيقاف هذا الموج الهادر من القوميين العرب سواء كانوا ناصريين أو بعثيين أو غيرهم., خُطًط لحرب حزيران ٦٧ بدقة.. كان يجب ضرب الحركة القومية عبر نشر الخلافات بين الناصريين والبعثيين خصوصا، إضافة إلى الشيوعيين الرسميين.
كان يجب إنهاك الجيش المصري واستنزافه في اليمن, لا بل وصلت المؤامرة إلى داخل التركيبة السوفياتية التي قامت، بعد إزاحة خروتشيف من أمانة الحزب الشيوعي السوفياتي، بفرملة الكثير من المساهمات السوفياتية في بناء صناعة حربية مصرية، حيث كانت مصر أول من فكر في هذا الشرق، بصناعة الصواريخ
كسلاح رادع للتفوق الغربي، فخرج إلى السطح صاروخ القاهر والظافر، قبل أن يتم اغتيال المهندسين الألمان الشرقيين... في القاهرة., تماماً كما فعلوا مع إيران, ( أخبرني أحد متعهدي إرسال موتى المسلمين، من ألمانيا لدفنهم في بلادهم، أنّ الإيرانيين كانوا يخسرون سنويا عشرات الشهداء، من الطلبة الذين كانوا يموتون في ظروف غامضة، قبل أن تنتبه المخابرات الإيرانية وتقوم بإرسال هؤلاء الطلبة تحت أسماء وجوازات مزورة لإخفاء هويتهم الإيرانية).
حتى مشروع الطائرة المقاتلة المشتركة، المصرية /الهندية، جرى وأده في مهده.. بعد نكسة ٦٧، وسيطرة الصهاينة على الأجواء العربية وهجومهم اليومي، ليس فقط على ما تبقى من جيوش برية وبحرية، بل وأيضا تدمير المؤسسات الاقتصادية والإجتماعية،لمنع عودة النمو والنهوض.
غارات يومية على مدن السويس كلها، وعلى الداخل، على المصانع(ابو زعبل)، وعلى المدارس(مدرسة بحر البقر), قرّر يومها عبد الناصر إقامة جدار من الصواريخ المضادة للطائرات, وبرغم السيطرة الجوية للكيان، أعلن عبدالناصر حرب استنزاف لا هوادة فيها، بما ملكت يداه من سلاح، كان دائما، أقل فعالية مما يملكه العدو.
كان الجيش المصري يُغطِّي الفرق في النوعية بزيادة الكمية، حيث وصل عدد الطائرات المصرية في أحد الغارات إلى حوالي مئة طائرة.
كما جرى القيام بعمليات نوعية، كإغراق المُدمرة "إيلات", حتى مبادرة روجرز للهدنة، وافق عليها عبد الناصر للوصول بجدار الصواريخ يومها إلى منطقة القنال من أجل تعطيل التفوق الجوي يوم العبور...
ما بناه عبد الناصر، كان السبب في النجاحات الأولى للجيشين المصري والسوري في بدايات حرب تشرين ٧٣، قبل أن يُجهضها أنور السادات،عبر خضوعه للتدخل الأميركي المباشر في هذه الحرب، ومن ثم تسليمه كافة أوراقه إلى هذا ""الوسيط"" الأميركي( تماماً كما فعل ويفعل المطبًعون ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية).
بعد كامب ديفيد، ورغم الخلافات بين جناحي البعث في العراق وسوريا، خرج حافظ الأسد بشعار التعادل الإستراتيجي مع العدو, كان يجب على الجبهة الشرقية أن تصل إلى هذا التعادل، قبل أن يقع صدّام حسين في الفخ الأميركي الخليجي، ويقرر مهاجمة الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد أن هادنها طيلة زمن الشاه، حليف إسرائيل.
ورغم هزيمة الجيش السوري في لبنان سنة ٨٢، لم يتوقف حافظ الأسد عن محاولة تطبيق شعار التعادل الإستراتيجي مع الكيان لتحييد القوة النووية الإسرائيلية، قامت سوريا ببناء ترسانة سلاح كيميائي قوي جدا، بسبب رخص كلفته وإمكانية الوصول إليه بجهود محلية في ظل حظر عالمي على أي إمكانية نووية لأي كان باستثناء إسرائيل.
القوة الثانية، خارج السلاح الكيميائي، كان في يد فصائل المقاومة, كان يجب تقوية المقاومة لإبقاء جذوة الصراع من جهة، واستنزاف العدو من جهة ثانية في الطريق الى التحرير.لكن النظام السوري المتعدد الأجنحة، لم يقم بأكثر من المحافظة على نفس العقلية من دعم محدود لمقاومة محدودة، يمكن استعمالها في التفاوض مع العدو.
وكان من مآسي هذا النظام، إرساله إلى لبنان رجالاً من الجناح التسووي اليميني داخل حزب البعث، من أتباع الخليج وأميركا، وعلى رأسهم، عبد الحليم خدّام, لقد وصل الأمر بهذا الجناح إلى حد محاولة تصفية المقاومة الإسلامية في لبنان عبر افتعال حربين بين الٱخوة.
الأولى، حرب المخيمات بين المقاومة الفلسطينية وحركة أمل.
والثانية، حرب الشياح/ بئر العبد، بين حركة أمل، ولكن هذه المرة ضد حزب الله.
كان عبدالحليم خدّام "المُنسًق" غير المباشر لهاتين الحربين بالتعاون مع رجل السعودية في لبنان، رفيق الحريري, كان للتدخل الإيراني أكبر الأثر في إفشال جهود السعودية والجناح اليميني في حزب البعث.
وبالرغم من أن حافظ الأسد حافظ على رجال أميركا والسعودية من البعثيين، لحاجته إليهم في الإمساك بكل خيوط السلطة داخل سوريا من جهة، ولعدم إغلاق نافذة التفاوض عبر الأميركان من جهة ثانية.
إلّاأن الأسد الأب، سمح للإيرانيين بتقوية المقاومة الإسلامية إلى أقصى حدّ ممكن، كجزء من أذرعة التعادل الاستراتيجي مع الكيان.
كان لحربي ٩٣ و٩٦ أبلغ الأثر في رؤية حافظ الأسد، أنّ هذه الأذرع تُعطي سوريا إمكانيات هائلة، تمثلت في لقاء الأسد كلينتون، رغم ضمور الدور الروسي في تلك الأيام.
تتعدالأسباب والموت واحد, سوف تخرج مُجلدات؛ ربما آلاف التحاليل لدراسةالحرب الكونية التي جرت ضد سوريا.
الغاز، النفط، طريق الحرير الصيني، الخط القطري لإيصال الغاز إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ووضع حدّ لسيطرة روسيا على سوق الطاقة الأوروبية, لكنّ الأكيد أنّ أحد أهم الأسباب هو فلسطين.
في إحدى المقابلات مع وزير خارجية فرنسا أيام شيراك، في برنامج ٧/٧، رولان دوما، قال الرجل، بالحرف الواحد:إنّ البريطانيين اتصلوا به، وفي اجتماع مُغلق جرى في بريطانيا، بحضور مندوب عن إسرائيل سنة ٢٠٠٤، جرى طرح وجوب تخريب الوضع في سوريا, وحين سأله أحد المحاورين،في المقابلة:
"لأجل ماذا يفعلون ذلك؟"
أجاب بالحرف: "من أجل عيون إسرائيل".
وعندما اعترض أحدهم على هذا الجواب، اكمل الوزير الفرنسي قائلا، وبالحرف:
"المنطقة كلها خاضعة وتريد إجراء تسوية تناسب النظرة الأميركية الإسرائيلية. يجب إجبار النظام السوري على السير بهذا".
جرى اغتيال رفيق الحريري سنة ٢٠٠٥، وأصرّت السعودية ومعها عائلة الحريري التابعة للمملكة على إجراء تحقيق دولي، ومحكمة دولية خارج إطار القوانين اللبنانية بهدف النيل من سوريا.. تبين أنّ لسوريا في لبنان مخالب قوية, أوعزوا لإسرائيل بالتهيّؤ ومهاجمة لبنان، والقضاء على المقاومة عند أول مناسبة.
انتهت حرب ٢٠٠٦ بأكبر فشل جعل المحكمة الدولية تُغير وُجهة اتهامها من سوريا والقيادة العامة، الى حزب الله.. استخدمواكل الوسائل ضد الحزب، بما في ذلك استعمال عملائهم في الداخل اللبناني: جنبلاط، السنيورة، وبقية الصغار.
عرف الغرب أن قوة سوريا تُستمد أيضا من قوة الحزب.
أجّلوا النظام السوري الى ما بعد القضاء على الحزب.
في ٧ أيار، أيقن الغرب أن الحزب أكبر من أن يُضرب.
عادوا مجددا إلى البحث في تخريب سوريا...
كانت فكرة الثورات الملوّنة، فكرة مُغرية.
إذا سقط النظام في الشام ،تسقط المقاومة في لبنان، من تلقاء نفسها كما اعتقدوا.
لكن يجب الاحتيال على محور المقاومة.
يجب استفراد النظام اولًا، عبر وضع قيود على تدخل الحزب (سياسةالنأي بالنفس).
وكذلك فعلوا مع إيران والروس.
يجب شق الجيش السوري، ومن ثم اقتلاع أسنانه، عبر حرمانه من الردع الكيميائي.
جرى تفجير منظومة الرادارات من قبل المسلحين(الثوار!!!).
لا أحد يعرف كيف يمكن لمنظومة الرادارات لتعقب الطائرات الإسرائيلية، كيف من الممكن أن تخدم النظام ضد "الثوار" المزعومين.
الآن، وكل يوم تخرج سوريا من دائرة الخطر الذي يمثّله التكفيريون.لكن هل انتهى الخطر على سوريا؟
الأتراك الموجودون في الشمال، إلى أي مدى هم لا يتماهون مع الأميركيين المنتشرين في مناطق الإنفصاليين الأكراد وعلى الخط الفاصل بين سوريا والعراق؟
كل الدلائل تشير إلى أن الأميركيين إما باقون هناك، وإماأنهم يبنون أوضاعاًح لاستمرارية زعزعة الحياة في سوريا.
الطرف الثالث في هذه المعادلة هم الصهاينة..هم يقومون مرة أو أكثر في الاسبوع بمحاولة تدمير كل ما تقوم المقاومة أو الإيرانيون ببنائه.
نفس ما كان يحصل على خط القنال، قبل بناء جدار الصواريخ أثناء حرب الإستنزاف.
الروس كما يبدو لن يحركوا ساكناً، لأكثر من سبب.
فبالإضافة إلى صداقات تربطهم بإسرائيل (كانت موجودة منذ أيام الإتحاد السوفياتي)،
فإن الروس لا يُضيرهم أن تُضرب القواعد الإيرانيةأ وحلفاء إيران، والحزب أهم هؤلاء الحلفاء على الإطلاق.
إذاً ما العمل؟
لماذا لا يمتد الردع الذي يفرضه حزب الله في لبنان إلى سوريا؟
ولماذا يجب تلقي الضربات دون فعل شيء؟
عبد الناصر بنى جدار الصواريخ وهو يقاتل في حرب الاستنزاف، فأعطته الشعوب العربية كل دعمها.
سؤال وجيه آخر إلى القيادة الإيرانية:لماذا لا يجري بناء جدار صاروخي إيراني يبدأ على مقربة من المناطق الروسية، لحماية دمشق، ومن ثم يتم التقدم شيئا فشيئا حتى تغطية
أجواء لبنان والجولان؟
إنّ الإسرائيليين لم يبدأوا يوم أمس بغاراتهم.
ماذا كان يفعل الإيرانيون طيلة هذه الفترة؟
ماذا عن الجيش السوري؟
هل سوف يستمر في إحصاء عدد الصواريخ التي أطلقها العدو، ونسبة ما أسقطه هو من هذه الصواريخ؟
إذا كنتم فعلا بالقوة التي تدّعون، آن الأوان أن نرى ولو ضربة كفّ.
وإذا كنتم أضعف مما تدّعون، فإن قوة الجيش السوري الصاروخية تفوق قوة الجهاد الإسلامي بمئات وآلاف المرات فكيف تستطيع الجهاد أن تقصف تل أبيب، وتعجزون انتم؟
تخافون من ردة الفعل؟
ردة فعل من؟
ردة فعل من يقف، ومنذ أشهر،"على رِجْل ونصف"على الحدود اللبنانية الفلسطينية؟
نموت واقفين ولا نركع: أحد شعارات ثوار العالم.
وماذا إذا ردّت إسرائيل، بتدمير مطار الشام؟
نُدمر مطار الكيان... وبدل المطار ندمًر إثنين.
ليس من المعقول أن يكون بمقدور حزب الله تدمير مطار الكيان الرئيسي، ردّاً على تدمير مطار بيروت، ويعجز الجيش السوري عن فعل ما هو أكثر من ذلك؟
الإدانة هنا موجّهة للأطراف الثلاثة على نفس المقدار:
الجيش والحكومة السورية.
إيران.
وحزب الله.
إذا كان أمثال ديما صادق يخرجون "للتنكيت" عن مكان وزمان المعركة، فأنتم الثلاثة مسؤولون عن السماح بهذا، لأنكم لا تفعلون شيئا.
نحن لا نحتاج إلى تعبئة.
شعبنا لا يحتاج إلى تعبئة.
جمهور المقاومة وشعب سوريا لا يحتاجان إلى تعبئة.
نحن معبّأون إلى درجة الانفجار.
عدم ردكم يُسقمُنا.
القائد الذكي؛ القائد الفعلي،هو من يندفع إلى المعركة حين يصل حماس القوات إلى الذروة، فينتصر.
نحن الآن في الذروة.
القائد المتردّد الخائف يسمح، بتردّده، لهذا الخوف أن يصل الى جنوده وجمهوره.
لا تُسئمونا بإسطوانة اقتصار الخسائر على المادّيات.
إذا هدموا حجراً في الشام، نريد أن لا نرى حجراً على حجر في تل أبيب.