كتب الكاتب حليم خاتون:
لحوالي عقدين أو أكثر من الزمن، حاول الحزب الشيوعي الصيني التكلم بهدوء مع الأحزاب الوطنية الصينية الأخرى، وعلى رأسها حزب الكومينتانغ.
كانت معظم هذه الأحزاب الوطنية الصينية تمثل الطبقات العليا والوسطى، وما بين الوسطى والدنيا من المجتمع، بينما كانت تركيبة الحزب الشيوعي الصيني تعتمد، بشكل أساسي، على طبقة الفلاحين وفقراء المزارعين والعمال الزراعيين، في بلد زراعي متخلف مشابه كثيراً لكل بلدان العالم الثالث في أفريقيا، وآسيا وأميركا اللاتينية...
ظل الحزب الشيوعي الصيني لسنين طويلة، يعتقد أن الأحزاب الوطنية الأخرى تحتاج إلى من يرفع نسبة الوعي لديها، لترى أنّ الغرب الاستعماري هو العدوّ، وأنّ مصلحة الصين الوطنية هي في التحرر من هذا الغرب.
هذا بالضبط ما فعله وآمن به الشيخ نعيم قاسم أمس على المنار، في جوابه على سؤال الأستاذ عماد مرمل، حول موقف قسم من اللبنانيين يُمثلهم، أو يشترك في تمثيلهم، "النائب" المستقيل سامي الجميل.
أمس، وبهدوء، دعا الشيخ قاسم إلى أن يكون سامي الجميل مع المقاومة من أجل مصالح لبنان...
وكما تنازل الحزب الشيوعي الصيني لسنين طويلة من أجل مصلحة الوطن، وترك زعيم الكومينتانغ، تشان كاي تشيك يحكم الصين، ويقود البلاد بالتحالف مع الغرب، تحت وهم "وطنية" أتباع الغرب،كذلك بدا أمس الشيخ قاسم، عندما ترك انطباعا واهماً، مهما صَغُر هذا الوهم، بأنّ سامي الجميل أو أياً من أمثال ابن الجميل، يُمكن للحظةٍ، أن يخرج من تحت العباءة الأميركية، في سبيل المصلحة الوطنية والقومية.
وكما أن الأحزاب الوطنية الصينية المرتبطة بالنظام العالمي الخاضع للغرب لم تستطع الخروج من تبعيتها لهذا النظام، كذلك سامي الجميل، وأمثال سامي الجميل، لم ولا ولن يستطيعوا خيانة ارتباطهم وتبعيتهم للنظام العالمي الخاضع لهيمنة الإمبريالية الأميركية، حتى ولو أعطاهم الشيخ قاسم، وأعطاهم حزب الله لبن العصفور..
إن المصالح الطبقيّة التحتيّة، تُنتج لنفسها ثقافةً، وعالماً فوقياً لا يمكن أن ينفك عن أساساته؛ بل يستمر في علاقة تأثير متبادلة في الاتجاهين، إلى ما شاء الله...
المصالح الطبقيّة تؤثر في البناء الفكري والثقافي، والفكر يؤثر ويحمي هذه المصالح الطبقيّة.. من هنا نشوء ثقافة "بدنا نعيش" وشعارات ال١٥٥٩, هذه ليست تعاليم ماركسية، هذا قانون علمي من أهم أسس علم الاجتماع، منذ مقدمة ابن خلدون.
وكما أن تشان كاي تشيك لم يستطع خيانة مصالح وفكر المرتبطين بالإمبريالية، كذلك سامي الجميل وأمثاله، لا يمكن أن يخونوا المصالح الطبقية والفكرية الناتجة عن الارتباط والتبعية للإمبريالية.
في حديث طويل وهادئ، حاول الشيخ قاسم تناول الأوضاع في الداخل اللبناني وفي الإقليم وفي العالم.
في الوضع الداخلي اللبناني، لم يخرج الشيخ نعيم عن تلك الفكرة التي تحاول جاهدة إقناع الأطراف الأخرى بالخروج عن طاعة الغرب الأميركي, هل كان مُحقا في محاولته تلك؟
الكثيرون يقولون ويؤيدون هذه المحاولات التوفيقية.. الكثيرون يريدون رؤية وحدة وطنية يعتقدون أنه لا بدّ منها، لإخراج البلد من أزماته, من الجميل جدًّا الحلم بالحبّ والألفة والموقف الوطني الجامع, لكن الأحلام شيء، والواقع شيء آخر تماما.
من المؤذي جداً بث أوهامٍ، هي بالتأكيد غير مقصودة، بإمكانية عودة "الابن" الضال إلى الرشد, خاصة إذا كان هذا الابن الضال هو سامي الجميل، أو ميّ شدياق أو أياً كان من جماعة ال١٥٥٩.
إن هؤلاء سوف يقفون إلى جانب الوطن في حالة واحدة فقط، حين ينتصر هذا الوطن وتنتصر هذه المقاومة.
هذا بالضبط ما يفعلونه حين يتحدثون عن التفافهم، في زمن ما حول المقاومة, هم في الحقيقة لم يتوقفوا يوماً واحداً عن محاربتها ومحاولة طعنها في الظهر.
لكنهم، ومع انتصار التحرير سنة ٢٠٠٠، لم يستطيعوا الوقوف في وجه هذا المدّ الجارف.. لم يكن موقفهم وطنيّاً على الإطلاق, كان موقفاً انتهازياً بكل مافي الكلمة من معنى؛ موقفَ الوقوف مع الرابح؛ موقفَ الخضوع لأمر حصل رغمًا عنهم.
تمامًا كما كان يفعل أعداء النبي بعد انتصاره، حين كانوا يمشون مع الجموع الفرحة علناً ويساندون أعداء النبي سرّا.
قد يتوهم أحدهم أنّ الشيخ أخطأ، لا سمح الله, لا والله, لقد كان الشيخ نعيم قاسم قويَّ المنطق في كل ما قال, لقد فنّد كل الادعاءات التي يبثها أعداء المقاومة، وهذا شيء جداً جيد.
المشكلة ليست على الإطلاق في الحوار الهادئ والمنطقي للشيخ وللحزب, المشكلة، هي في الفهم الخاطئ الذي قد ينشأ عند بعض المشاهدين، في وهم قد يصل إلى حدّ الاعتقاد بأن جماعة ال١٥٥٩، لديهم حسٌّ، ولو بسيطٌ من الوطنية, هؤلاء ليسوا سوى أتباع لأميركا أولا، وعند الحاجة لإسرائيل.
وما حدث في الإقليم، وفي العالم، من تطبيع وتتبيع، له نفس القواعد والقوانين في الداخل, سعد حدّاد وأنطوان لحد وعقل هاشم وغيرهم، كانوا أساسا من المعجبين بالإمبراطورية الأميركية، بالعظمة الأميركية، قبل الانزلاق إلى التبعية بالكامل لإسرائيل.
على الشعب اللبناني أن يعرف ليس فقط منطق الأمور التي حصلت، بل ومنطق الأمور الخفيّة والتي لا بدّ سوف تحصل.
الشيخ قاسم يستطيع مواجهة الرأي العام بالمنطق, ولكنّ المنطق التاريخيَّ للأمور ينبئنا بأنه، كما توجّب على الحزب الشيوعي الصيني، وبعد صبرٍ طويل، مواجهة ومحاربة الكومينتانغ وتحرير الصين من التبعية للغرب؛ سوف يتوجب على المقاومة يوماً، محاربة جماعة ال١٥٥٩، وتحرير لبنان من التبعية للغرب.
وكما حرر الخميني إيران من التبعية على كل أصعدتها، كذلك على إيران اليوم أن لا تتوهم للحظة بإمكانية جنوح هذا الغرب إلى السلم، إلا إذا ملكت إيران إمكانات وإرادة القتال والحرب.
أمّا المُطبّعون، من عّبّاد هُبَلَ في العصر الحديث، فلتكن لهم خيبرُ خيرُ مُذكِّر، إن نفع التذكير.