بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
يصارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على البقاء في سدة الحكم رئيساً للحكومة، ويلجأ إلى كل السبل الممكنة، المشروعة والمحرمة، والمتاحة والخبيثة، المستقيمة والملتوية، التي من شأنها أن تضمن احتفاظه بمركزه رئيساً للحكومة، أو تسهل إعادة تكليفه بتشكيلها، فهي قشة نجاته ووسيلته لتجاوز أزماته.
ولا يستنكف أن يلجأ في سبيل تحقيق هدفه والوصول إلى مبتغاه، إلى استجداء البعض واسترضائهم، والتوسل إليهم وإغرائهم، أو تهديدهم والضغط عليهم، وابتزازهم وسحب امتيازاتهم.
ولا يتردد أيضاً في خداع خصومه والكذب عليهم، ومراوغة شريكه والاحتيال عليه، وتوجيه المزيد من الضربات القاتلة له، التي من شأنها أن تزيد إفلاسه وتفاقم ضعفه، بعض أن فقد مريديه وتخلى عنه محبوه، ورفض شركاؤه القدامى العودة إليه والتحالف معه، إذ يصفونه بالوضيع القذر، الذليل المهان، التابع الضعيف، ولعل استطلاعات الرأي الأخيرة تكشفه وتفضحه، إذ تشير أنه قد لا يحصل على ستة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي في حال أجريت الانتخابات اليوم.
لكن نتنياهو ليس هو اللاعب الوحيد في الساحة السياسية الإسرائيلية، كما أن حزبه "الليكود" لم يعد محصناً من التشظي والانقسام، وائتلافه اليميني المشكل من الأحزاب الدينية المتطرفة والقومية المتشددة، لم يعد يدين له بالولاء، أو يخلص له ويصدق معه، بل باتوا جميعاً ينافسونه ويتحدونه، ويأخذون من حصته ويأكلون من نصيبه.
فهذا جدعون ساعر منافسه على رئاسة حزب الليكود ينوي الانشقاق مع مؤيديه، وتشكيل حزبٍ يميني آخر، تشير أغلب استطلاعات الرأي أنه سيحظى بعددٍ من المقاعد في الكنيست القادمة، تساوي عدد مقاعد الليكود الأم وربما أكثر، الأمر الذي من شأنه أن يحرم نتنياهو من الأغلبية البرلمانية، ما لم يخضع لشروط ساعر المذلة بالنسبة إليه، والتي لا تقل سوءاً عن شروط ليبرمان الذي لا يمل تكرارها، ولا ييأس من طرحها، ولا يتنازل عنها ولو أدت إلى إجراء انتخاباتٍ للمرة العاشرة.
كما أن الأوراق التي يملكها نتنياهو ويظن أنها رابحة أخذت تنفذ وتنتهي، أو تفقد فائدتها وتخسر قيمتها، وهناك جهاتٌ دوليةٌ إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، تضمن المكتسبات الإسرائيلية الجديدة على مستوى الدبلوماسية الخارجية والعلاقات العربية الرسمية وترعاها وتكفلها، فلن يخسر الإسرائيليون أياً منها إن ذهب نتنياهو وجاء غيره، فالدول العربية التي اعترفت بالكيان الصهيوني عواصمها، وطبعت معه علاقاتها، وفتحت أجواءها أمام الملاحة الإسرائيلية، ستستمر على مواقفها، ولن تتراجع عن اعترافها، وستلتزم الإدارة الأمريكية أياً كانت هويتها بالحفاظ على الاتفاقيات الموقعة، ودفء العلاقات المشتركة.
أما ربيب نتنياهو الذي يكرهه، والذي جاء به معه في ائتلافه الأول مطيةً سياسيةً، ليزيد به رصيده، ويثبت به حكومته، فعينه وزيراً للحرب وورطه، واستخف به وصادر صلاحيته، وحمله ما لا يقوى عليه بنفسه، وطلب منه تنفيذ ما يرى أنه سيعجزه ويضعفه، ثم طرده وأحرجه، بدأ يوسع إطاره مع شريكته في تكتل يمينا ايليت شاكيد، التي ترى في نفتالي بينت زعيماً قوياً لليمين الإسرائيلي، وخير من يقود الدولة العبرية ويحقق أحلام الشعب اليهودي، خاصةً أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أنه قد يضاعف عدد مقاعده في الكنيست إلى 17 مقعداً، وهذا يعني أنه سيتساوى مع حزب الليكود في حال تعرضه لانشقاقٍ على يد جدعون ساعر، الذي قد يحوز على نفس العدد من المقاعد أيضاً.
وفي الجانب الآخر تماماً يقف يائير لبيد الذي يرى نفسه قطب المعارضة وصوتها الأعلى، والأكثر قبولاً لدى الشارع الإسرائيلي بالنظر إلى صراحته ووضوحه، وثباته على مواقفه وعدم تقلبه وانقلابه، وقد بدأ فعلاً يمد الحبال وينسج الخيوط بينه وبين زعيم حزب تيلم موشيه يعالون، الذي يبدي تبرماً وضيقاً من سياسة بيني غانتس الذي غدر بهم وانقلب عليهم.
كما بدأ لبيد يخاطب رئيس أركان جيش الاحتلال السابق جابي أشكنازي، بعد المعلومات التي انتشرت عن نيته تشكيل حزبٍ سياسيٍ جديد، يخوض على رأسه الانتخابات البرلمانية القادمة، حيث يصنف أشكنازي بأنه ينتمي سياسياً إلى تيار يسار الوسط، وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة أنه في حال تشكيله حزباً جديداً، وخوضه الانتخابات القادمة، فإنه سيحصل على عددٍ من المقاعد تفوق تلك التي حصل عليها زملاؤه السابقون في قيادة الأركان.
لكن نتنياهو لا يعدم وسيلةً ولا يستسلم بسهولةٍ، ويبقى يقاوم ويصر على البقاء، فهو يريد حل الكنيست وإجراء انتخاباتٍ مبكرةٍ عندما تكون الرياح لصالحه، ولكنه يعيق حل الكنيست ويحافظ عليها في حال شعر أن البساط من تحت قدميه يسحب لصالح لغيره.
وعلى كل الأحوال فقد أوعز إلى بعض مناصريه من المختصين وأصحاب الكفاءات المهنية والشهادات العلمية، بتشكيل حزبٍ جديدٍ من "التكنوقراط"، يضم في صفوفه المهنيين والاختصاصيين في جميع المجالات، إذ يعتقد أن هذا الحزب في حال تشكل، فإنه سيأخذ من حصص جميع الأحزاب، وسيصب في النهاية في صالحه، إذ سيكون وقيادته من ضمن أي تحالفٍ قادمٍ قد يشكله، وبهذا يقوي تياره ويضعف الآخرين، ويسحب الكفاءات من صفوفهم.
أصبحت الحياة الحزبية الإسرائيلية، تعج بالعديد من الأحزاب القديمة المتوثبة، والجديدة الواعدة، وأغلبهم بات يعارض نتنياهو ويتطلع إلى إسقاطه وإنهاء عهده، والانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ لا يكون فيها حاضراً أو ممثلاً، ولكنه يبقى مكابراً معانداً، يحاول البقاء والاستمرار، والصمود والثبات في وجه كل المنافسين له والمعارضين لسياسته، وقد لا يكون مفاجئاً للجميع انتصاره وبقاؤه، وفوزه واكتساحه للأصوات الشعبية، إذ باتت أنظمة عربيةٌ تؤيده وتدعمه، وحكوماتٌ تخشى على نفسها من سقوطه وخسارته، فتدعو له وتشجع عليه، إذ هو شرعية وجودها وضمان استقرارها وكفيل استمرارها.
بيروت في 11/12/2020