كتب الأستاذ حليم خاتون:
في لبنان، باستثناء حزب الله والقليل القليل من اليسار وبعض القوميين، كل القوى والتيارات تابعة بشكل من الأشكال للنظام الرأسمالي العالمي.
كل جماعة ١٤ آذار، تابعون بالمصلحة الطبقية والفكر التابع لما يُسمى عالم الاقتصاد "الحر"، حيث هذه الحرية لا تحمل من المعاني السامية غير الأحرف، بينما هي في واقع الحال نظام النهب المنظّم الذي تقوم به الطبقات العليا للطبقة الفقيرة والمُعدَمة من المجتمع.
وحتى أكثر "مفكري" هذه الجماعة موضوعية، من أمثال الكاتب سركيس نعوم، ممن لا يخفون علاقتهم وزياراتهم لمراكزالقرارالأميركي، وإن حاولوا إخفاء عواطفهم الميّالة الى بلاد العم سام؛ حتى هؤلاء في النهاية، يبقون قصة حب من طرف واحد فقط.
أميركا لديها عشيقة واحدة فقط في المنطقة هي إسرائيل.
وكل العلاقات الباقية هي في خدمة هذه العشيقة.
أما جماعة ٨ آذار، فهم تابعون بغير رضىً إلى السيد الأميركي.
أمل والمردة، وحتى القوميون وبعض الناصريين وبقية الشلة، قد لا يُحبون أميركا؛ لكنهم يحبون الدولار الأميركي.
عن قصد، أو عن غير قصد، وقعوا في المصيدة الأميركية.
إنه النظام الرأسمالي العالمي.
ما أن يدخله المرء، حتى يقع في حبائل سيده؛ وسيده هو سيد مطبعة الدولار؛
المطبعة الوحيدة التي تطبع العملة دون حساب؛ ليس لأن الاقتصاد الأمريكي قوي بعناصره، لكن لأن الاقتصاد الأميركي قوي بسطوة القوة العسكرية التي تستطيع بشطحة قلم إجبار ابن سلمان أو أبناء زايد أو ابن خليفة بحمل أكياس الذهب على ظهورهم والإتيان بها إلى أميركا.
جماعة ٨ هؤلاء، مُكرهون على التبعية لهذا النظام العالمي الذي قد يكونوا دخلوه غصبا، لكنهم لا يريدون الخروج منه، لأنهم اعتادوا رغد العيش وما عادوا يطيقون حياة النضال.
وبين ١٤ و ٨، هناك بعض المستقلين والتيار الوطني "الحر".
هؤلاء، من صلب النظام الرأسمالي العالمي، ولا يتوقفون عن التغزل بالاقتصاد "الحر"، وأن لبنان أعجوبة الكون.
مالهم، حلاله وغير حلاله، في قبضة السيد الأميريكي.
لقد فاجأهم ترامب بوقاحة الاعتراف أن حبه لهم لا يساوي فجلة أمام عشقه لإسرائيل.
ما طلبه ترامب منهم، هو عمليا، خيانة لبنان وتسليمه لقمة سائغة لإسرائيل.
كل هذه الأطراف الثلاثة،عاشت على وهم أن لبنان له منة خاصة.
وأنهم هم أيضا لهم منة خاصة عند الغرب وأميركا.
كانت كافة الإدارات الأميركية السابقة ترقًدهم على حرير، بينما كل همها كان تأمين مصالح إسرائيل.
الحقيقة، حاول الاميركيون دائما الإحتفاظ بكل العشيقات وإخفاء العلاقة الخاصة جدا بإسرائيل.
استعمل الاميركيون كل الوسائل لشراء حزب الله،
أو على الأقل، إدخاله في اللعبة.
ورغم أنه دخل اللعبة بتأن شديد، إلا أنه لم ينغمس فيها، لم يرتكب الخطيئة.
ربما غض الطرف عن بعض الموبقات، لكنه رفض ارتكاب الفحشاء دون ضجة، ودون صراخ.
فقد الأميركيون الأمل في جر الحزب إلى مستنقع الفساد وبالتالي، التبعية.
جربوا الحروب، فانهزموا شر هزيمة.
بالنسبة إلى الاميركيين،
لبنان إما أن يكون لهم بالكامل أو فليذهب الى الجحيم.
على الأقل، هذه نظرية ترامب.
لقد كان لبنان دوما طيًعا لهم.
جاء حزب الله وقلب كل الأحوال.
صار هذا البلد الصغير عملاقا.
قرر ترامب هدم البلد على رؤوس الجميع.
حتى لو مات كل عملاء أميركا. لا يهم.
المهم إلحاق الأذية بحزب الله.
جماعة أميركا هائمون على وجوههم، ينتظرون مجيء بايدن، علّ أميركا ترأف بحال عملائها وأتباعها.
قد يحصل هذا.
لكن ما فعله ترامب في المنطقة مؤخرا، لم يترك للعملاء العرب من خيار،
إما العبودية الكاملة وإما الموت.
ولأنهم لم يعتادوا الحرية والشرف والكرامة، لم يقاوموا، واختاروا ذل العبودية.
أما الأتباع في لبنان، ومن موقع التذلل، لا زالوا يأملون أن يعاملهم بايدن بغير ما عاملهم ترامب.
بايدن قد يفعل، وإن كانت المنطقة مُطوّبة الآن لإسرائيل.
حتى خراف العربان لن يقبلوا بأية معاملة خاصة لعملاء واتباع أميركا في لبنان.
هناك حل واحد لا غير أمام حزب الله، والحزب ينتظر منذ وقت طويل.
ربما يوجد بعض الأوهام عند الإيرانيين، على الأقل عند التيار الإصلاحي.
لكن منطق الأمور يقول: إن ترامب لم يكن أكثر سوءاً بكثير من أوباما وبايدن.
بايدن قد يتنازل في حالة واحدة فقط،
عندما يتأكد أن إيران والحزب مصمًمان على الذهاب الى الأخير، وفي الأخير سوف تهزم أميريكا.
في هذه الحالة نكون انتصرنا بدون حرب.
أمنية البعض، المهم عدم التراخي.
ولكن في الحالة المعاكسة،
وفي حال استمر التجويع والإفقار، وتجاوزت التأثيرات العملاء لتصل إلى بيئة المقاومة، عندها لا بد من فعل شيء.
مصالح أميركا في المنطقة لا زالت كبيرة.
ضرب عبيد أميريكا في المنطقة لا زال في متناول اليد.
ضرب الكيان مباشرة أو غير مباشرة يجب أن يُؤخذ في الحسبان.
ضرب الأميركيين في العراق وفي سوريا، لا يحتاج إلى أكثر من قرار.
على أميركا أن تعرف أن بالإمكان تدفيعها أثمان ما تفعله في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن والعراق.
ومرة أخرى وأخرى وأخرى:
نحن لسنا أقل من فيتنام، وأميركا نمر من ورق.