رانيا هاشم سلطان/ هلوسات طفلة بليلة الميلاد 
ثقافة
رانيا هاشم سلطان/ هلوسات طفلة بليلة الميلاد 
24 كانون الأول 2020 , 22:58 م
وتساقطت الأقنعة عن وجوه إدعت يوماً العروبة ، فأمست ملامح العمالة تظهرُ جهراً وعلانية، وبعيونٍ وقحة أمسوا يتاجرون بالأوطان  ،  وبأيدي تقطرُ دماً -يوم إنغرز في ظهر الأخ والشقيق على غفلة -  توضؤوا وأعلنوا صلواتهم بمباركة سيدهم ورعايته  ،  يوم تكشفت عوراتهم وأعلنوا للملأ أنهم آغوات الحرملك لحضرة السلطان و تنابل  في مجالس السلطان !

 

 

في مثل هذه الايام المباركة( عيد مولد سيدنا المسيح ) ، إعتاد إخوتنا المسيحيون ، وشركاؤنا بالوطن  إستقبال شخصية (بابا نويل) المُحملة بالهدايا …
هذه الشخصية الخارقة التي كانت تستفزني بطفولتي ، وتستفز فضولي ، وبرائتي ، وتساؤلاتي !


كانت هذه الشخصية الخارقة بذلك الوقت تجوب شوارع المدينة، وكان هذا العجوز حاملاً جرسه الذي كان لصوته رنين بنكهة من الحب والبهجة _رنين تَطرب له أذناي_ وباليد الاخرى كيس من القماش الابيض ؛ 
أخبروني أنه كيس ساحر فيه كل ما هو خارج حدود الخيال والسحر .


وصادف أننا كنا بذلك الوقت نسكن بالقرب من الكنيسة (ج. الاشرفية /عمان ) حيث أشجار عيد الميلاد تقف بكبرياء مرتدية أجمل حُلتها ، كانت أجواء أقرب لقصص الخيال ؛ كرنفالية ساحرة .

يوماً ما زارنا هذا الضيف ورأيته يمر من على عتبة البيت مُتجهاً لبيت الجيران( المسيحيين) برداءه الأحمر ولحيته البيضاء ، وكرشُه المتدلي ، يقرع الجرس بيمينه ويحمل الكيس الابيض - المليء بكل ما هو خارج حدود الخيال والحلم واليقظة- بيساره ؛ وانا ما بين اليمين واليسار أترقب بعيونٍ مليئة بالفضول والرهبه ، كل هذه التفاصيل.

هل سيعطيني هذا العجوز الطيب أي اهتمام ؟ هل سيحضني مثلما يفعل مع بقية الاطفال ؟ هل سيهديني هدية؟ هل سيعيرني أي انتباه؟ هل سيحقق لي أمنية ساذجة هنا…وأمنية بريئة هناك ؟ وتزاحمت الاسئلة بعقلي الصغير ماذا سأطلب منه وأنا أنتظر بلهفة …؟!
أسئلة وأسئلة وأنا أنتظر وأترقب ؟! 
ليمر من أمامي كالحلم….كالخيال….كالسحر ....وأنا انتظر ما بين الحلم واليقظة..! 


مر سريعاً دون أي هدايا ، دون أي إلتفات أو إنتباه ، لم يعلم أن هناك على عتبةٍ ما ؛  في ركن ما ،  كان هنالك طفلة تنتظر وتنظر بلهفة، ..تنتظر وما زالت؟ ؟!!!

كبرتُ ومرت السنين ، وما زالت تلك الطفلة بداخلي ترفض أن تعترف بقياسات الزمن وأرقامه ؟!

وما زالت تنتظر وتحلم ، بهذا العجوز المشاكس اللامبالي ، الذي سيَحطُ رحاله يوماً على عتبة العمر حاملاً ذلك الكيس الابيض الساحر !!!

هذه الطفلة سمعت يوماً  بغبي إدعى المشيخة والتَأسلم ….يصيح (فضيلته) بخطبةٍ ما :
تهنئة المسيحين حرام!!!!
مشاركتهم فرحتهم حرام!!!
التسامح حرام!!!!
التعايش حرام!!!
المحبة حرام!!!

ألا يعلم هذا الأحمق أنني أنتظر منذ زمن ؟! وأن فتاويه الحمقاء تدمر أحلامي بلحظة اللقاء ، وتقتل في وجداني ؛ حلماً عاش في ذاكرتي منذ زمن ؟!!
هل يعلم أنني لن أبالي والطفلة المسكونه بداخلي لن تبالي ؟!!!

هذا الأحمق هو ذاته الذي أفتى يوماً بأن سفك دم الأخوة حلال ، يوم سمحنا لذئاب الليل أن تتسلل لأوطاننا ، يوم سمحنا لخفافيش الظلام أن تتسلل لأفكارنا وعقولنا وإنحرفت بوصلتنا العروبية والقومية إلى بوصلة مذهبية وطائفية ، يوم أن قررنا أن نكون دمى بأيدي قذرة تربصت بنا وبأوطاننا وبحماة الديار وجنودها البواسل ، فرسمنا لهم  -بجهلنا وغبائنا- خارطة طريق تزيد في تمزيقنا ، وتزيد في تقسيم المُقسم ، فحصدنا الكثير من الدمار والتشتت ، والكثير من اليتامى والأمهات الثُكالى ، يوم تساقطت الأقنعة عن وجوه إدعت يوماً العروبة ، فأمست ملامح العمالة تظهرُ جهراً وعلانية، وبعيونٍ وقحة أمسوا يتاجرون بالأوطان  ،  وبأيدي الخيانة التي  تقطرُ دماً -يوم إنغرز في ظهر الأخ والشقيق على غفلة -  توضؤوا وأعلنوا صلواتهم بمباركة سيدهم ورعايته  ،  يوم تكشفت عوراتهم وأعلنوا للملأ أنهم آغوات الحرملك لحضرة السلطان و تنابل  في مجالس السلطان !
أيها العجوز ذو اللحية البيضاء والرداء الاحمر…..
يا صاحب الجرس والهدايا والأمنيات ،
أعلم أنكَ  يوما ما ستزور تلك الطفلة وستمنحها الهدايا وتحقق الأمنيات ، فلا تبالي بهذا الغبي !!
أيها العجوز الطيب الذي أحبه وأعشق ،
كن سخياً بهداياك معي ولا تبالي بظلامِيتُهم وُعقولهم العفنة ،
إهديني قلباً بحجم الكون ، وأنا كفيلة بالظلاميين والخونة المتآمرين…!
إهديني عشقاً يذوبني شوقاً ولهفة ، وأنا كفيلة بالحمقى الكارهين !


إهديني وطنا بلا غربة وبلا بؤس و بلا خونة فاسدين .
إهديني محبة وسلام وسكينة ، في هذا الزمن الدموي و الفوضوي المجنون وأنا كفيلة بدمويتهم العفنة وفتاويهم الكاذبة
إهديني…وإهديني….وإهديني…
وأنا كفيلة بكل شيء!!!


وإلى ذلك الوقت الذي ستُقرر فيه أن تدق بابي ، ستبقى تلك الطفلة تنتظر بلهفة وشوق وعطش على عتبة الزمن ، إلى أن تزورها يوماً ،  فلا تطيل إنتظارها ولا تطيل الغياب .
وأعياد مجيدة للجميع !

 

رانيا هاشم سلطان

المصدر: وكالات+إضاءات