كتب الأستاذ حليم خاتون:
دَبَّ الرُّعب في موسكو مع مجيء رجل ال KGB يوري اندروبوف إلى السلطة بعد مرحلة من الشيخوخة العُمُرية والسياسية، في آن معاً، داخل الِاتحاد السوفياتي.
كان ليونيد بريجنيف بالكاد يمشي على رجليه، وكذلك كان الأمر مع الدولة السوفياتية.
في كتابه:"عشرة أيام هزّت العالم"، سرد الكاتب مرحلة عشية الثورة، والثورة نفسها حتى استتباب الأمور للجيش الأحمر.
كاد انتصار البلاشفة يؤدي إلى اندلاع الثورة في ألمانيا الخارجة بهزيمة مروِّعة في الحرب العالمية الأولى.
مضت عدة سنوات قبل أن تبدأ الروح الثورية بالخمود، بالأخص بعد وفاة جوزيف ستالين الذي كان يتحكم بكل مفاصل الدولة.
لقد تأجّل ظهور البيروقراطية، بفضل الرعب الذي فرضه ستالين،والذي أراد تحقيق الِاشتراكية بالرعب "الثوري"، إذا صحّ التعبير.
لكنّ هذه البيروقراطية ما لبثت أن قَويَ عودها، بعد عدة سنوات من إزاحة خروتشيف عن أمانة الحزب الشيوعي، على يد المكتب السياسي بزعامة بريجنيف.
كانت الدولة السوفياتية قوة نووية عظمى من الخارج، مع كثير من الخواء في الداخل.
كل شيء كان مفقوداً.
أبسط الحاجات كان يجري تأمينها عن طريق السوق السوداء.
ما كاد اندروبوف يصل إلى الأمانة العامة حتى بدأ بضرب الفاسدين، وعلى رأسهم إبنة بريجنيف نفسها.
جرى تنظيف البيت السوفياتي من الداخل والخارج في آن معاً.
تسرّب يومها فحوى لقاء طويل جرى بين الزعيم الجديد والرئيس الراحل حافظ الأسد.
اشتكى الرئيس السوري من العلاقة غيرالسوية، ومن رفض السوفيات تزويد سورية بسلاح متكافىء مع ما تعطيه أمريكا للكيان الصهيوني.
غضب اندروبوف وأعطى الأوامر بتلبية كل ما يطلبه الأسد.
وافق اندروبوف على مساعدة سورية لتحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل داحضاً بذلك كل الإشاعات عن خضوعه للُّوبي اليهودي السوفياتي، الذي كان فعلاً يتمتع بنفوذ قوي جداً عبر أخطبوط البيروقراطية.
لكنّ فترة حكم اندروبوف الذهبية في الِاتحاد السوفياتي لم تكمل السنة، ورغم الحديث رسمياً عن ميتة طبيعية له، تداول السوفيات كثيراً من الهمَسات عن هذا الموت المفاجىء،
ما لبث الحاجات أن بدأت بالِاختفاء من المتاجر.
بكل أسف، لم تَحظَ سورية باكتمال الِاتفاق مع اندروبوف، وكان عليها الوصول إلى التوازن الاستراتيجي مع العدو، عبر دعم المقاومة الإسلامية في لبنان، وهذا ما تحقق فعلاً، بعد مخاض عسير كان يغذِّيه فاسدو سورية ولبنان وعلى رأسهم عبدالحليم خدام وجماعة الحريرية.
تجلّى هذا التوازن عبر تدفق الغربيين لزيارة سورية حتى أن اجتماع الأسد مع كلينتون جرى في سويسرا على أرض محايدة لأنّ حافظ الأسد رفض أن يكون طرطوراً، مثل باقي "الزعماء العرب" الذين ما كانوا يجرأون على عدم الهرولة إلى واشنطن عند اي استدعاء.
وإذا كان تفاهم نيسان، قد وضع لَبِنَة التوازن بين حزب الله وإسرائيل، فقد كانت حرب عام 2006 هي الصورة الأكثر تجلِّجياً في هذا المضمار.
كان حافظ الأسد يفاوض الأمريكيين من موقع قوة مؤثِّرة، تمتد من لبنان مروراً بالشام فالعراق فإيران.
مرةً أخرى، هي المؤامرة.
لأكثر من سبب، كان من أولويات الإمبرياليات الغربية تدمير هذا البلد، الذي يُشكل تهديداً صريحاً لشرطي المنطقة"إسرائيل".
لذلك، من غير المُستغرب أن يقوم تحالف شيطاني من أكثر من ثمانين دولة،
على رأسها أميريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وإسرائيل وأعراب الذل، لإسقاط الدولة الشامية الفتية.
أن تقوم قطر والسعودية بشراء الولاءات لشق الجيش السوري،وتتم مهاجمة القواعد الجوية والرادارات من قِبَلِ جحافلَ وهّابيّةٍ همجية، كل هذا خدمةً لإسرائيل، كما صرّح الوزير الفرنسي رولاند دوما، علناً وبكل وضوح في برنامج 7/7 على التلفزيون الفرنسي.
حسناً فعل المحور، حين رفض استفراد سوريا وعمل على إعادة شيءٍ من التوازن.
لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه:إلى متى يُمكن السكوت عن العربدة الإسرائيلية؟
هل هو ضغط روسي؟
هل هو خضوع للأميريكي؟
كيف يستطيع حزب الله إجبار الكيان على الوقوف على رجل ونصف، وتعجِزُ عن ذلك دولةٌ قاتلت، ولا تزال تقاتل منذ أكثر من عشر سنوات تحالفاً دولياً جهنميا؟
بل كيف تستطيع حماس والجهاد فَرْضَ توازنِ رُعْبٍ مع الِاحتلال، ويعجز مصدرُ قوتهما، سورية، عن هذاالفعل نفسه؟
هل هو خوف من التدمير في الداخل السوري؟
البلد كلها مدمّرة، وكما يقول المثل،
أنا الغريق، فما خوفي من البلل.
هل هو خوف من تفلّت تركيا وكلاب تركيا؟
من يعود إلى الثورة البلشفية، يجد الجيش الأبيض وحكومة كيرينسكي والبريطانيين والأميركيين، وعصابات من كل حدب وصوب.
دُمرت بلدات ومدن بشكل شبه كامل.
الخراب كان يعم كل روسيا، حيث كان يتم حرق المحاصيل وقتل الثروة الحيوانية لتعمّ المجاعة.
إذا كان النظام السوري ينتظر توازناً نظيفاً دون قتلٍ وتدمير، ف"على الوعد ياكمّون".
من الواجب مواجهة الروس بموقف صارم.
كما أنّ سوريّة بحاجة لروسيا، كذلك تحتاج روسيا لسوريّة، لتبقى وتستمر دولة عظمى.
هل يخاف النظام من انشقاقٍ داخل الجيش السوري، بسبب تبعية بعض القادة لروسيا.؟..
يجب إفهام الروس بوجوب الإقلاع عن هذا التخاذل وهذه الِانتهازية.
ثم ما هي حجة الروس لِعدم تأمين الأجواء السورية، كما أعلنوا هم أنفسهم، وما سر هذه الحميمية في العلاقة بين الروس والصهاينة؟
أين الإيرانيون من كل هذا؟
أين المحور؟
أين الردع الصاروخي؟
كل مرة يُتحفنا المتحدث العسكري بعدد صواريخ العدو التي أُسقِطت........ يا فرحتي.
عدة صواريخ على
تل أبيب كفيلة بإجبار الصهاينة على التفكير مراتٍ، قبل التجرؤ مرة جديدة على الاعتداء، فيما هم الآن يجرأون كل يوم.
ماذا سوف يحصل؟
سوف ترد إسرائيل على الرّد.
فليكن، وليكن هناك ردٌّ على الرّد.
ما لهذا المحور النائم في سورية؟
كل الأعذارغيرمقبولة.
الغريب أن الخوف يجب أن يكون في الكيان، وليس عندنا.
ليس في الكيان من خراب.
فإن هو ضرب في سورية، يزيد الخراب خرابا.
أما إذا ضربناه نحن، فنحيل عمرانه خرابا.
من يجب أن يردع من؟
سئمنا أكل الكفوف.
فلتخرب المنطقة بأكملها.
فليذهب الشرق الأوسط إلى الجحيم.
عليّ وعلى أعدائي.
مش كثير صعبة المعادلة.
والذي قال في أشباه الرجال ما قاله، عليه أن يكون "سيد الرجّالة"