كتب حليم خاتون:
العمالة الموضوعية،
بين الخطيئة والخيانة..
كلمة عميل يعرفها الكثيرون؛ وهي كثيراً ما تعني التبعية المباشرة لجهاز مخابرات، أو لجهاز أمني أجنبي يقوم بتجنيد هذا العميل، لصالح جهة أو جهات أجنبية، وضد مصلحة بلد هذا العميل وقومه.
في هذه الحالة، في حالة عمله ضد مصلحة بلده الأم، يوصف العميل بالخيانة.
طبعاً، وفي المقابل، يوجد أيضاً عميل وطني؛ وهو ذلك الذي يرسله أو يزرعه جهاز أمن دولة ما في بلد آخر، كإجراءٍ حمائي استباقي، كما كان الحال مع العميل المصري الشهير
رفعت الجمّال الذي زرعته المخابرات المصرية في فلسطين المحتلة بعد أن
كوّنت له هوية مزيفة على أساس أنه يهودي مصري.
عندما قرر حبيب الشرتوني تنفيذ حكم الإعدام في بشير الجميل،
انطلق من مسلّمة تعامل بشير مع الصهاينة، غداة وأثناء غزو لبنان سنة 1982.
تُصرّ القوات التي أسسها بشير الجميل، أن عمل بشير وطني.. لأنه استعان، حسب زعمها، بقوة أجنبية للتخلص من قوة أجنبية أخرى، هي الجيش السوري.
قبل حتى مناقشة عمالة بشير من عدمها، يجدر التذكير أن الدخول السوري إلى لبنان جاء بطلب من الجبهة اللبنانية التي كان بشير جزءاً منها.
الجبهة اللبنانية طلبت الدخول السوري للتخلص مما سمته الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان.
بمعنى آخر، حتى دون الخوض في أخوّة شعوب بلاد الشام، كل شعوب بلاد الشام، وفقط إذا انطلقنا من نفس منطلقات بشير الجميل الفكرية، نجد أنفسنا في استسهال التعامل (العمالة) مع جهة أجنبية من أجل أهداف، وضعها بشير لنفسه وافترض أن الجهة التي يتعامل معها، جمعية خيرية، أو كاريتاس، سوف تخدمه لوجه الله.
بشير الجميل ليس مجرد قائد ميليشيا يمينية ذات بنية فاشية (لكن بالمقياس الشرقي).
بشير الجميل هو نهج يؤمن به حتى بعض حلفاء المقاومة في لبنان، وهذا ما يدعو فعلاً إلى الخوف والتحسّب دوماً.
يصرّ بعض المؤمنين ببشير، أنه، براغماتي وأنه كما انقلب على السوريين كان سوف ينقلب على الصهاينة في سبيل مصلحة لبنان.
لم يعش بشير ليثبت خطأ هذا الِافتراض وطوباويته.
ولكنّ أتباع بشير، التابعين اليوم لأمريكا وأتباع أمريكا، هل لا زالوا اليوم على نفس النظرية؟
هل تعاملوا مع إسرائيل سنة 2006 للتخلص من حزب الله؟
طبعاً، لا ضرورة للإصرار على لبنانية الحزب، فهم ليل نهار يصرُّون على أن حزب الله رأس حربة للمشروع الإيراني.
هم سلفا يقنعون أنفسهم بأن الخصم في البلد"أجنبي".
تماماً، كما فعل بشير والجبهة اللبنانية، حين لم يروا أمامهم لا كمال جنبلاط ولا جورج حاوي ولا كل "الحركة الوطنية".
يجب دوماًربط الخصم السياسي بخارجٍ ما، لتبرير العمالة لخارج آخر.
بشير الجميل قضى ضحية عقيدته الهوجاء العوجاء غير المنطقية.
لكن لبنان لم ينهَرْ ولم يختفِ عن الخريطة يومها.
وُلد من رحم هذا الشعب من قام بتنظيف لبنان من الوسخ الذي جلبه بشير.
الصهاينة الذين استعان بهم بشير، ظلّوا يحتلون ويعربدون في لبنان، لحوالي العقدين من الزمن.
والذي أخرج الصهاينة من لبنان، ابن لهذه الأرض.
صحيح أنه تلقى من إيران ما رفضت أمريكا وفرنسا وكل الغرب إعطاءه للجيش، كي يطرد هو الصهاينة.
المقاومة في لبنان، لم تلجأ إلى"عدوٍّ" للبنان، وطامعٍ بأرضه ومائه، وحديثاً بنفطه وغازه، لطلب العون.
لذلك، فإنّ المقارنة بين علاقة حزب الله، أو المقاومة الإسلامية مع الحليف الإيراني، وعلاقة بشير مع الصهاينة قبلاً، وعلاقة القوات مع آباء ومربي الصهيونية في الغرب، هي قطعاً، في غير محلها.
المقاومة تحالفت مع أعتى أعداء عدوها الوجودي؛ مع من يرفض وجود هذا العدو أصلاً.
بينما تحالف بشير مع أصحاب نظرية إسرائيل الكبرى، الذين يقولون: أرض إسرائيل، من الفرات إلى النيل.
أي أن لبنان هو أيضاً لإسرائيل.
والقوات، وأتباع فكر بشير وعقيدته يقعون في نفس الجحر... متناسين أن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.
إذا كان بشير والقوات ومن يحمل هذه الأفكار، يعرفون هذه الحقائق، فهم ليسوا شركاء في الوطن؛ هم عملاء خونة.
وإذا كان بشير والقوات وأصحابهم لا يعرفون حقيقة الأمر، وغير واعين لسواد أفق علاقتهم بحلفائهم الذين يشكلون خطراً وجودياً على لبنان،
فهم عملاء موضوعيون.
هم ينفذون أجندة عدو لبنان دون دراية؛ هم لا زالوا في مرحلة الخطيئة، لكنهم قريبون، وقريبون جداً من الخيانة؛والخيانة دواؤها سفك دم الخائن.
وكما جاء حبيب الشرتوني، سوف يأتي أكثرمن حبيب، ليقضي على أكثر من بشير.
ما ينطبق على أتباع بشير في لبنان، ينطبق على أمثال بشير في كل مكان.
أمس أتحفنا وزير خارجية بن سلمان، بعودته إلى مبادرة فهد بوجوب إنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس "الشرقية".
هلّل بعض أزلام العرب وبينهم بعض الفلسطينيين.
يقول هؤلاء: إن "مملكة" بني سعود عادت لتقود العرب.
يقولون إن هذا الموقف يُنهي"صفقة" سرقة القرن.
ما أعاد إلى بني سعود بعضاً من العقل وليس العقل كله، هو شعب مغوار، شعب يُعتقل أطفاله عشرات المرات ،قبل أن ينتهوا في الأسر الإداري؛ شعب يسكن بيتاً يخلع الصهيونيُّ بابه في أي وقت يشاء، ليلاً نهارا؛
شعب أعزل يقاوم بالدم الحي؛شعب تخلى عنه، أول من تخلى، إخوانه في المذهب؛ شعب يُحاصره في غزة إخوانه في المذهب والقومية، جنباً إلى جنب مع الصهاينة.
شعب لم يرسل له الأعراب
سكيناً، بينما أرسلوا لتدمير الشام أسلحةً بعشرات المليارات من الدولارات.
يقول وزير بني سعود القدس "الشرقية"، وكأن غرب القدس، وكأن فلسطين، ملك لأبيه والذين خلّفوه حتى يتركها لبني صهيون.
هؤلاء، أمثال بشير؛ أغبياء، حُمق، يتنقلون من "تحت الدّلفة إلى تحت المزراب".
هؤلاء أنهوا مرحلة الخطيئة منذ زمن بعيد ودخلوا في بيت الخيانة وتركوا الباب مفتوحاً.
إذا سكتت الأمة....وفي قلب الأمة، شعب الجبارين في فلسطين، ينامون في سرير الخيانة بلا خجل؛ وإذا هبّت الأمة، يُهرَعون صوب الباب المفتوح، وكأنّ شيئاً لم يكن.
وكيف يكون شيئٌ لم يكن، ودم بكارة العذراء لا زال يلطّخ ثوبها.