كتب الاستاذ حليم خاتون:
منذ ما بعد الدوحة، جرت تسوية، بين قوي عادل مُتسامح أكثر من اللزوم من جهة، وضعيف مهزوم متخاذل وخائن عميل إلى حدّ بعيد من جهة ثانية.. على أن يتضمّن البيان الوزاري هذه العبارة: جيش وشعب ومقاومة.
أشرف ريفي ونوفل ضو وسامي الجميل ومن لفّ لفّهم، لا تعجبهم هذه العبارة.
حزب الله يكتفي بالإصرار الهادئ، الذي يُحسَد عليه، على تضمين البيان هذه العبارة، ويكتفي بهذا المكسب البخس أمام ما قدّمه وما يقدّمه.
حزب الله يرى فيها عبارة ذهبية، في حين يرى ميشال سليمان أنه آن الأوان للتخلّص من اللغة الخشبية التي تمنعه من العيش وحبّ الحياة، بغضّ النظر عن ثمن هذا من كرامة الوطن وسيادته.
عبارة ثلاثية لن تلبث أن تُشغل بال اللبنانيين حين تقرّر الطبقة الحاكمة المُختلفة اليوم على قرص الجبنة اللبنانية على قسمة ترضي الداخل والخارج، فيتمّ تشكيل حكومة لن تجلب إلى اللبنانيين سوى مزيد من النهب والسرقة والِاختلاس، والتخفّي خلف ڤيتوات خارجيّة من ال Big Boss، لا نعرف لماذا علينا الخضوع لها، ولماذا
يسجد أولياء الأمر من المتحكّمين بمصيرنا لها.
هل كان إنشاء الكيان اللبناني نتيجة التوازنات الإقليمية، والعالمية؟
هل كان إنشاء الكيان اللبناني استجابة لطموحات وأماني أهل المنطقة وسكانها الأصليين؟
هذه أسئلة بحثيّة لا تغيّر من الواقع الحالي الكثير؛ لكنّها تستطيع بالتأكيد، الإضاءة على تطوّر تبعيّة هذا الكيان تجاه الخارج.
في زمن الإنتداب، خضع لبنان بالكامل لنفوذ ومشيئة فرنسا، حتى إذا ما انتهت الحرب العالميّة الثانية بانتصارالحلفاء وهيمنة أمريكا الكبرى على أوروبا، صار لبنان ذا ولاءين؛ فرنسا تقليدياً، وأمريكا التي استطاعت فرض كميل شمعون رئيساً للدولة.
مع بروز الشعور القومي العربي الذي أفرزه انتصار ثورة يوليو الناصرية في مصر، تمّ فرض تسوية مصرية أمريكية بموافقة فرنسية جلبت قائد الجيش يومها، فؤاد شهاب رئيسا.
مع وفاة جمال عبد الناصر، وتمدّد منظمّة التحرير الفلسطينية، واندلاع الحرب الأهلية، دخلت سورية الى نادي أولياء أمر هذا البلد.
للحفاظ على مصالح الكيان الصهيوني جرى توافق أمريكي سوري سعودي، فأصبحنا نحن أيتام اتفاق غير قابل للحياة جرى في مدينة الطائف السعودية.
كان المطلوب من الطائف سيطرةسورية على "المُشاغبين" الذين يريدون تحرير لبنان من احتلالٍ صهيونيٍّ لم يستطع فعل ما فعله في فلسطين على أرض لبنان.
كل ذلك نتيجة مقاومة دعمتها الجمهورية الإسلامية في إيران.
جاء رفيق الحريري ليكرّس دولة تابعة بالكامل للثلاثي الأمريكي السعودي السوري.
حاولت دولة هذا الثلاثي القضاء على المقاومة التي قويَ عودها، رغم كل المضايقات والتضييق الذي شارك جناح عبدالحليم خدّام وغازي كنعان في تطبيقه... أيضاً دون جدوى.
صار للبنان صوت فَرَض التحرير، وفرضَ نفسه.
كانت سورية التي تسعى إلى توازن استراتيجي مع الكيان الصهيوني قد فقدت دعامتها الدولية بانهيار الإتحاد السوفياتي.
ما لبثت الدولة السورية أن وجدت هذا التوازن في مقاومةٍ تقارع "إسرائيل" وتفرض تفاهم نيسان سنة 1996، ومن بعدها، تحرير معظم الأراضي اللبنانية المحتلّة، وصفعة على وجه الكيان وداعميه، حيث كان أول انسحاب صهيوني تحت النار، ودون أي قيد أو شرط سنة 2000.
السلطة اللبنانية التي تبدّل ولاؤها للخارج وفقاً لقوة هذا الخارج، لم تعد تستطيع الِارتهان بالمطلق بفضل وجود مقاومة عجزت أمامها إسرائيل.
جرى اغتيال رجل الغرب، رفيق الحريري لعدّةأسباب، لعلّ أهمها فشله في التخلّص من هذه المقاومة، ونمو نفوذه العالمي الذي بدأ يعمل على تقييد يد الصهاينة عن التحرّك في لبنان وفي المنطقة، كما يشاؤون.
(رأس المافيا يُصفِّي أزلامه في حال الفشل).
لم يعد لبنان بلداًسائباً مع جيش لا يملك أكثر من أسلحة بالكاد تكفي للصيد!!
اجتمع أرباب بازل وسايكس بيكو وكامبل وقرروا أن الطريق الأمثل هو في نزاع سنّي شيعي يحتاج اندلاعه لاغتيال الحريري الأبّ.
/(راجع مقابلة وزير خارجية فرنسا الأسبق، رولان دوما على 7/7، على أحد الأقنية الفرنسية).
رغم كل المؤامرات، صمدت المقاومة وزادت قوّة في وقت بدا أن جماعة أمريكا في لبنان عاجزين.
دخل شرطي المنطقة (إسرائيل) مرّةجديدة، لكن بغطاء عربي دولي هذه المرّة.
مباركة سعوديّة مصريّة مع الدول العظمى، في شرم الشيخ.
ذُهل الكيان، وذُهل العالم.
مقاومة من عدّة آلاف من المجاهدين توجّه صفعة جديدة إلى أقوى جيش في الشرق الأوسط، فُتحت له مخازن سلاح حلف الناتو في أوروبا والمنطقة.
خرج حزب الله منتصراً، ومعه حليفاه سورية وإيران.
بكلّ طيبة، عفَت المقاومة عن خصوم الداخل،وشارك مروان حمادة وفؤادالسنيورة في شرف انتصار كانوا يُصلّون ليل نهارليكون هزيمة ساحقة.
العميل عميل.
العمالة لا دواء لها إلا الإعدام.
لكن السيد نصرالله خالف كل القوانين والشرائع، وسمح لهؤلاء العملاء للمرّة الثانية بالنفاذ.
جرت مؤامرة 5 أيار.
مرّة أخرى، أجابت المقاومة بحزم في السابع منه.
ذهب الجميع إلى الدوحة لإيجاد "تسوية" تُعفي المقاومة من القيام بما يجب القيام به، وتسمح للعملاء بالنفاذ للمرّة الثالثة.
قبِل حزب الله، المنتصر والقادر على أخذ السلطة وفرض مايريد؛ قبِل الحزب أن يكون ضلعا واحداً في مثلث من ثلاثةأضلع:
جيش..شعب..مقاومة.
هكذا، وعن طريق الجيش الخاضع للوصاية الأمريكية، بقي عملاء الداخل في السلطة.
وبدل أن يكون الضلع الثالث، أي الشعب، معبِّراً فعلا عن سلطة في مصلحة الشعب، صارت السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعيةوالقضائية، بكل فسادهاوتبعيّتها للغرب هي المعبّر عن هذاالشعب المُغتصبة أبسط حقوقه الوطنيّة والمعيشيّة.
ما زال حزب الله مصرًّا على المسامحة وعلى إمكانيّة توبة عملاء لم يتوبوا بعد ثلاث صفعات مدويّة خلال ثلاثين سنة.
حتّى صرنا نتخيّل أنّ أيوب النبي، لا يزال يفكّر ليل نهار كيف يستعيد من الحزب المكان الأوّل في لائحة الصابرين.
سوف تصلني التعليقات من الإخوة بلغة أقرب إلى المواعظ.
الرجل الذي تخونه زوجته، هل يسامحها كرمى لأيّ شيء على الإطلاق؟
فما بال الحزب يسامح مرّة واثنتين وثلاث، ولا زال.... على الخيانات والسرقات.
مواعظ "ابو ملحم"، اتركوها للرجل.
هذا من إرثه وهذا من حقوق الطّبع والتطبّع.
ارحموا مَن في الارض، يرحمكم مَن في السماء.
توقفوا عن تقييد أيادي الشعب المسكين الذي يريد تعليق المشانق.
قيادة الحزب لا تريد الثورة باسم السلم الأهلي.
حسناً، لكن لا تحرموا الثورة من شعبها.
تقولون: إنه شعب المقاومة.
صحيح، لكنه أيضاً شعب الثورة التي لا بد منها إذا كنّا نريد
الخلاص
لا تكونوا درعاً لِلّصوص من المساءلة كما كنتم درعاً، حين أهديتم نصر المجاهدين إلى الأرذال من العملاء.
هؤلاء العملاء هم أنفسهم، مع بعض الإضافة من صفوف الدجّالين في بيئة المقاومة، هم اللصوص الذين نهبوا البلد وما زالوا.
يقول المثل الشعبي: إنّ ذنب الكلب لن "يجلس"،حتى لو وُضع في قالبٍ لأربعين سنة.
أن يؤمن أبو جهل ويتوب المشركون بحق، هو والله، أسهل من أن يتوب كلاب الداخل عن عمالتهم ولصوصيتهم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.