كتب الاستاذ حليم خاتون:
العقلانية الواقعية والتفكير الثوري..الجزء 2
إذا، التعامل بالعقلانية والواقعية، إذا وُجد، يجب أن يقتصر على أعلى رتب القيادة؛ في حالة لبنان، السيد حسن.
كما يجب أن يكون هذا التعامل مرحليا،
ومقرونا بالعمل الدؤوب لتخطًيه.
هذا ما حصل في التاريخ.
"هو شي منه"، زعيم الثورة الفيتنامية، تعامل بواقعية وعقلانية حين فاوض الغزاة الأميريكيين، لكنه، وبخلاف قيادة منظمة التحرير، كان يهيئ للهجوم الأخير على سايغون وطرد هؤلاء الغزاة، وتحرير فيتنام.
إن مهمة بيئة المقاومة وكوادرها هي الحرص على عدم الوقوع في الخطأ؛ عدم الوقوع في المحظور.
لا أحد يشك لحظة بأمانة وصلابة ونظافة الأخ محمد فنيش حين استلم وزارة الطاقة.
الذي استلم هذه الوزارة يومها، هي المقاومة.
فشل الأخ محمد، هو فشل للمقاومة.
ماذا حقّق الأخ محمد في الوزارة؟
كُنا بلا كهرباء، وهكذا بقينا.
لو كان لدى بيئة المقاومة ثقافة النقد البنّاء، لما كُنا وصلنا الى الفشل، ولكان من الأفضل للأخ محمد الإستقالة والإنتقال إلى نضال الشارع لفرض برنامجه بدل القبول بواقع مافيا الكهرباء.
مَثَلُ الأخ محمد ليس سوى نقطة في جدول من الواقعية السياسية التي تسببت بخسائر معنوية للمقاومة لا يمكن تعويضها.
مثل آخر.
منذ إندلاع الأزمة، والناشطون من بيئة المقاومة، يُحذًرون من السياسة الشعبوية في مسألة الدعم، ويطالبون بإلغاء الدعم غير المباشر عبر دعم السلع، والإنتقال إلى الدعم المباشر للعائلات الفقيرة. وقد تم تبيان الهدر واستفادة التجار والأغنياء من هذا الدعم بالمسطرة والقلم.
ماذا فعل نواب ووزراء المقاومة؟
وقفوا، رجل في البور، والرجل الأخرى في "الفلاحة"، حتى ضاعت الطاسة وتبخّرت خلال سنة واحدة فقط، مليارات من الدولارات ذهبت من أمام الفقراء لتستقر في خزائن التجار والأغنياء.
منذ سنين والناشطون يُظهرون بالأرقام أن الضرائب غير المباشرة مثل الTVA، وغير ال TVA، هي وضع للثقل الضريبي على الفقراء والطبقات الدنيا، وإن العدل يفرض وجوب تطبيق ضرائب تصاعدية مباشرة على الدخل من أجل العدالة الإجتماعية.
ماذا فعل نواب ووزراء المقاومة؟
مرة أخرى وقفوا رجل إلى الأمام، ورجل إلى الوراء.
كل مطالب الحزب اقتصرت على رفض زيادة الTVA نقطة أو نقطتين، بدل الحديث عن جوهر هذه الضريبة غير العادلة اجتماعيا، والمُقوًضة بكل المقاييس، للإنتاج والإقتصاد المحلي.
ما فعلته المقاومة في أمور مكافحة الفساد، هو في أحسن الأحوال، اللجوء إلى القضاء... كمن يستعين من الرمضاء بالماء.
أن يلجأ النائب السابق نجاح واكيم إلى القضاء، وهو لم يفعل، وهو لا حول له ولا قوة مقارنة بالمقاومة، شيء، وأن تلجأ المقاومة إلى هذا القضاء الفاسد، شيء آخر.
حتى صوت الأستاذ نجاح واكيم طيلة ثلاثين عاما من قرف الحريرية السياسية، كان أعلى بكثير من صوت نواب ووزراء المقاومة الذين يحرصون على اجتماعات الإربعاء التي غالبا، لا معنى لها، ولم تخرج ولو بخطوة واحدة في سبيل إنصاف مُستضعفي هذا الوطن.
مشكلة حزب الله أنه غاطس في الواقعية والعقلانية أكثر بكثير مما ينبغي، وهذا على الارجح، عائد لموروثات من تفكير الوسطية المرتبط بارتباط معظم أعضائه اقتصاديا واجتماعيا بالطبقة الوسطى.
تصوروا فقط لو أن النبي المُرسل، وقف يومها في مكة، وقرر التعامل مع سادة مكة بالعقلانية والواقعية ولم يخرج داعيا إلى هزّ كل أركان النظام الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
هل كانت انتصرت الدعوة؟
تصوروا لو أن الحسين بن علي، تعامل مع يزيد بالواقعية والعقلانية.
هل كانت وصلت رسالة الحسين إلى يومنا هذا؟
في اللحظات التاريخية، أية دعوة إلى الواقعية السياسية، هي شكل من أشكال الخيانة للمظلومين والمُستصعفين ليس إلا.