كتب حليم خاتون:  البابا، الكاردينال، انور الخليل.. ما بعد العرض\ الجزء الثاني
دراسات و أبحاث
كتب حليم خاتون: البابا، الكاردينال، انور الخليل.. ما بعد العرض\ الجزء الثاني
حليم خاتون
12 شباط 2021 , 05:17 ص
كتب الاستاذ حليم خاتون:   لبنان، وهو جزء من عالم عربي متأزم، لا يمكن أن يكون بعيدا عن التأثر بهذه الأزمات.   ولبنان الذي يشكل جزءا من الجزء الشامي لهذا العالم العربي، والمُركّب من فسيفساء

كتب الاستاذ حليم خاتون:

 

لبنان، وهو جزء من عالم عربي متأزم، لا يمكن أن يكون بعيدا عن التأثر بهذه الأزمات.

 

ولبنان الذي يشكل جزءا من الجزء الشامي لهذا العالم العربي، والمُركّب من فسيفساء دينية وحضارية،

لا بد أن تظهر عليه عوارض أمراض المنطقة بشكل أكثر حدّة، بسبب هذه الفسيفساء التعددية.

 

هذه الفسيفساء قد تشكل غنى حضاريا منقطع النظير في حال التحضّر، وقد تكون وبالا ومصائب، وهي كذلك، في حالة العصبيات القبَليّة والدينيّة.

 

لقد حرصت الإمبريالية على زرع شرطي يحمي مصالحها في كل منطقة من مناطق هذا العالم العربي الكبير.

 

ولأن بلاد الشام وما بين النهرين ومصر، شكّلت على مدى التاريخ حضارات كانت تحكم العالم القديم في عصور ما قبل ميلاد السيد المسيح وما بعده، فقد توصل الإستعمار القديم الى وجوب زرع الكيان الصهيوني في فلسطين للتحكّم بنا عن بعد، ومنع أية إمكانية للتطوّر والإرتقاء.

 

حدث هذا ضد الثورة المصرية مع جمال عبد الناصر، وحدث أكثر من مرّة ضد العراق وسوريا.

 

وإذا كان الإستعمار شجّع النزعة القومية العربية أيام الخلافة العثمانية لزعزعة هذه الخلافة، والتي كان روّادها من المسيحيين بشكل خاص،

فإن تأسيس دولة "لبنان الكبير"، كان يهدف إلى قتل هذه النزعة القوميّة عبر تتبيع مسيحيي لبنان وإلحاقهم بهذا الإستعمار ثقافيا ولغويا، بعدما انتفت الحاجة إلى بثّ الشعور القومي العربي.

 

نجح الإستعمار فعلا في مراده، حيث رأينا نوعا من الإنشقاق الثقافي بين مسيحيي بلاد الشام العروبيين عموما، وبين مسيحيي لبنان الذين ما لبث أن سيطر عليهم الفكر الغربي الذي ينظر بازدراء  وتميّز إلى إخوانه من بقية المكونات الشامية.

 

عندما يطالب الكاردينال الراعي بمؤتمر دولي من أجل لبنان، فهو إنما يريد الإستناد إلى الإمبريالية والإستعمار لموازنة قوّة المقاومة الصاعدة والتي يخشى أن تفرض على لبنان نوعًا من الحكم لا يرضى هو، ولا يرضى الغرب بها.

 

في لبنان، أناس يفضًلون الموت تحت الجزمة الصهيونية، على أن يجدوا شخصا كالسيد حسن يقوم بالبلد.

 

من يتابع الأوضاع، يرى أن الناس تنتظر  تأليف حكومة.

يعتقدون أن تأليف هذه الحكومة سوف يأتي بعصا سحرية تُنهي كلّ الأزمات والمشاكل.

 

حتى لو تألّفت هذه الحكومة أو غيرها، لن تعمل لا هي ولا غيرها، أكثر مما عملت حكومة حسّان دياب.

 

لقد وصل النظام في لبنان إلى آخر الطريق.

 

في حديثه على ال OTV،

انتقد الكاتب والمحلّل السياسي داوود رمّال حزب الله لأنه لم يقف مع الجنرال عون كما يجب من أجل الإصلاح في البلد.

 

يستند رمّال في تحليله إلى وسطية حزب الله ( مرة أخرى، نعود الى شخصية مختار الضيعة، وتبويس اللحى).

 

الأستاذ داوود رأى القشّة في عين حزب الله ولم يرى أكوام الخشب في عيون التيار العوني.

 

أساسا لم يكن ميشال عون يشكل أيّة إمكانية للإصلاح لسبب بسيط، هو أن الرأسمالية المتخلًفة في لبنان كانت قد وصلت مع فؤاد شهاب الى أقصى إمكانيات الإصلاح.

 

التيار الوطني الحرّ لم يكن يختلف بشيء عن تيار المستقبل من ناحية الإيمان بما يحبّون تسميته

"النظام الحر" أو المبادرة الفردية.

 

في هكذا نظام مُشبع بعمليات النهب المُقونن،

 

كل ما سعى إليه التيار الوطني الحرّ هو إعادة اقتسام الغنائم بين لصوص جميع الطوائف بعد أن استأثر لصوص المسلمين بهذه الغنائم وحدهم عبر رفيق الحريري وشركائه.

 

صحيح أن حزب الله، بوسطيته وسيطرة فكر المصالحات العشائرية على نهجه، عمل كل ما في وسعه لمنع انفجار الخلافات حفاظا، من وجهة نظره، على البلد والسلم الأهلي.

 

لذلك حين اندلع الإشتباك في الحكومة بين الوزير شربل نحّاس من جهة وتيار المستقبل وحركة أمل من جهة أخرى، استغلّ التيار الوطني هذا، للحصول على مكاسب مقابل رمي شربل نحّاس وإصلاحاته خارج السلطة.

أمّا مهندس تبويس اللحى بين العونيين والحريريين والأمليين يومها؛ فقد كان وزراء حزب الله بامتياز.

 

الذي كان يحتاج للدعم فعلا يومها، كان شربل نحّاس وليس ميشال عون.

لذلك يخطئ الأستاذ داوود حين يرى في التيار العوني قيمة إصلاحيّة، ويُخطئ أكثر حين يقول إن الحزب لم يقف مع ميشال عون.

الحزب وقف بقوة مع ميشال عون.

لكن ميشال عون السلطة كان قد افترس ميشال عون الإصلاح بعدما فرمه فرما.

حزب الله ساند ميشال عون ليس على الإصلاح، بل على اقتسام المغانم.

 

هل هناك أمل في إعادة بناء الدولة في لبنان؟

 

المسألة أصعب بكثير مما يتصوّر الكثيرون.

 

كل القوى الكبيرة في لبنان

فاسدة إلى هذا الحدّ أو ذاك.

كلّ منظمات الNGO's،

تابعة للخارج، وأكثر فسادا من الأحزاب نفسها.

 

حتى السلطة الرابعة عندنا، ليست أبدا بعيدا عن سياسة الفساد والإفساد.

 

في كتابه، انتقد تشي غيفارا، العقليًة القبليّة الإفريقيّة استنادا إلى تجربته حين أراد مساعدة ثوار الكونغو على التحرّر.

 

كان ما يُسمى الثوار، ليسوا سوى متمرّدين على وضع يقوم غيرهم بالسرقة والنهب فيه، بينما هم عاجزون عن ذلك.

 

ما إن تسنح لهم الفرصة، كانوا هم، أي هؤلاء الثوار ينصرفون الى النهب والسرقة والخمر والنساء والميسر بنفس طريقة السلطة القائمة.

 

قد يرفض بعضهم تشبيه الوضع اللبناني بالوضع الإفريقي.

لكنّها الحقيقة المرّة.

 

العقلية القبلية اللبنانية لا تختلف عن الأفارقة بشيء.

 

الأحزاب والتيارات اللبنانية تمثل طوائف وقبائل.

 

هذه الأحزاب والتيارات تقوم بالنهب لمصلحتها اولا، ثم تعود لتوزيع الفُتات على الأنصار للمحافظة على هيكلية زبائنية تحميها من الخصوم ومن الشارع في آن معا عبر الإختباء وراء عصبيات تعود إلى القرون الوسطى.

 

كان الأمل كبيرا بأن تفرز الأوضاع تيارا ثوريا من اليسار ومن المقاومة، يكون فعلا جذريا ولاطائفيا...

 

لكن قرون من الجاهلية والفكر النهبوي لا زالت تسيطر على كل شرائح المجتمع اللبناني.

 

الأمل الوحيد ربما هو ارتباط المسألة القوميّة الوطنيّة بالمسألة الإصلاحية.

 

لقد خابت كل الآمال.

 

لقد فوجئت منذ أيام حين حدثني بعض رجال الأعمال الذين كانوا هربوا، وهرّبوا اموالهم إلى تركيا،

عن عودة الإزدهار خلال سنتين او ثلاثة إلى لبنان بعدما كانوا يصرّون سابقا على أن البلد "خلص، فرط".

 

إن الأزمة السياسية التي تضرب الإقليم سوف تزداد سوءا وحدّة.

 

ما يجري الحديث عنه من تسويات في اليمن أو غيرها لن يأتي بسهولة.

 

إن قبول الإمبريالية بالتسوية يعني أنها هُزمت.

لذلك سوف تجرّنا  المساومات إلى التبعيّة اللاحقة لأمريكا بسبب فقدان الفكر الثوري الحصين.

 

هذا له معنى واحد، الحرية ليست في الأفق.

فلسطين ليست في الأفق.

طالما السعودية والإمارات وغيرهما، هم الأمل، فهذا الأمل سوف يؤدي إلى الخيبة.

 

والتأزم السياسي سوف ينتج أزمات اقتصادية؛ أزمات لن تجد قوى ثورية جذرية تحولها إلى نظام جديد ودولة قانون وعدالة.

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري