الميادين تسقط مرة أخرى..وتنعي شاعر النفط والبلاط مريد البرغوثي
أخبار وتقارير
الميادين تسقط مرة أخرى..وتنعي شاعر النفط والبلاط مريد البرغوثي
18 شباط 2021 , 23:23 م
كتب نارام سرجون. لاأعرف من هو مريد البرغوثي ولكني سمعت خبر وفاته في محطة الميادين التي شقت الثوب عليه وأعلنت الحداد .. ولما سألت عنه قالوا لي انه من الشعراء الفلسطينيين فخطر ببالي أنه من أولئك الذي

كتب نارام سرجون.

لاأعرف من هو مريد البرغوثي ولكني سمعت خبر وفاته في محطة الميادين التي شقت الثوب عليه وأعلنت الحداد .. ولما سألت عنه قالوا لي انه من الشعراء الفلسطينيين فخطر ببالي أنه من أولئك الذين تعودنا عليهم ممن في أقلامهم لايوجد حبر بل نار .. واوراقهم هي قطع الارض وقطع السماء ..يفوح شعرهم عطرا ويقطر أدبهم زيتا كما تقطر عيون العذراء المباركة زيتا في مخيلات البسطاء .. وظننت أنني سأسمع عن شاعر بمثابة جدول فلسطيني يتدفق ليسقى الشجر الذي بقي في فلسطين ويزيد اخضرار البيوت القديمة في القدس ..

ولكني سمعت عنه ما اقشعر بدني له .. فهو من اولئك الذين يرون ان تحرير القدس لايتم الا بتحرير دمشق بالناتو .. وأنه كان يزغرد كلما هاجمتنا داعش وكلما سقطت قذائف الهاون على مدارسنا .. ثم عرفت انه والد تميم البرغوثي شاعر الزيت الاسود وآبار النفط .. الشاعر الذي يتغرغر بالغاز ويغتسل بأبوال الأمراء ويتكسب مثل شعراء التكسب والمديح والهجاء .. فقلت في نفسي إن ذلك البرميل هو من ذلك البئر .. الأب هو بئر النفط والابن برميل ملء منه .. ولولا ذلك لما هرع الإبن إلى الصحراء وإلى حيث الأمراء والملوك الذين يسميهم ضمير العربي النقي منذ قصيدة مظفر النواب الشهيرة (القدس اخت عروبتكم) يسميهم أبناء القحبة بسبب أنهم هم من ترك فلسطين تغتصب ووقفوا خلف الأبواب يستمعون الى صوت “فض بكارتها “.. فكيف يدخل شاعر بلاط من بلاطات “أبناء القحبة” الذين لاتزال فلسطين تلعنهم .. كيف يدخل شاعر من فلسطين قصور أبناء القحبة إلا إذا كان من هواة الاستحمام في النفط .. وثمنه وثمن شعره وأدبه يتغير كل يوم حسب أسعار النفط .. وحسب مزاج أبناء القحبة .. وعشيقاتهم من القحبات ..

 

ولكن يبدو مؤكدا أن الابن عمل بوصية أبيه مريد .. فهو ابن أبيه .. ولم يكن انحيازه لرائحة النفط ضد قوارير الورد وعواصف العطر التي تهاجمنا كلما اقتربنا من بساتين الليمون وبساتين الدراق ومزارع الحبق .. لم يكن انحيازا أو خيارا بقدر ماكان وراثة وفطرة .. الإبن تميم يعمل مداحا في بلاط تميم .. وهجّاء في بلاط أي تميم خليجي .. إنه مثل أي تحفة أو لعبة ناطقة صنعت في فلسطين .. ولكن من يدير المفتاح في الخلف هو الأب ذاته .. مريد ..

 

حتى هذه اللحظة لا أعرف كيف يمكن أن يقترب إنسان من فلسطين وهو في بلاط أميرنفطي؟؟ وكيف يكتب لفلسطين فيما تحرسه حراب الجنود الأمريكان في قاعدة العيديد أو في مستعمرات الخليج المحتل وبين قطع الأسطول السادس؟؟ وحتى هذه اللحظة لا أعرف ماهو الفرق بين أي مستعمرة خليجية وبين أي مستوطنة اسرائيلية؟؟ الإسرائيليون يتجولون في الخليج بطوله وعرضه كما يفعلون في تل أبيب .. والشركات الإسرائيلية الأمنية وغير الأمنية في كل قصر خليجي وكل مؤسسة .. وفي كل كومبيوتر وتحت كل سرير .. وفي أسنان كل أمير .. وفي حلمات كل أميرة يغني لها الشعراء العرب ..

 

كان مريد البرغوثي من أشد المؤيدين لما سمي بالثورة السورية .. وكان يهلل ويصلي ويزغرد للثوار .. ويقبل كل قذيفة هاون وقذيفة جهنم تسقط على رؤوس الناس وتقطف أعمارهم .. ويرقص على أنغام نشيج الأمهات والعذابات .. ويعتبر أن أعذب موسيقا هي موسيقا قصف الناتو لسورية وقصف الطيران الإسرائيلي للجيش السوري .. ومات مريد على هذا اليقين وعلى هذا الإيمان .. كمن مات على دين اللات والعزة .. لأن دين الثورة السورية هو الناتو والسي أي ايه وكتاب برنار ليفي المقدس عن الثورات والحريات الهوجاء المجنونة ..

 

هذا النموذج من العرب ومن الفلسطينيين المثقفين للأسف يكون وجوده بيننا مثل وجود بئر ماء تسرب اليه النفط واختلط بمائه .. وصار من يشرب منه يصاب بالدوار والقيء .. ويتسمم جسده ويموت كبده .. وتصبح سقاية الأشجار والبساتين كارثة لأن الماء مخلوط بالنفط وتموت أشجار الزيتون بالتدريج .. ومن قلب كل ليمونة لا يخرج عصير براق كالكهرمان بل يخرج زيت أسود ثقيل .. وبدل أن يكون الحرف مليئا بالعطر مثل قارورة عطر .. فإنه يتحول إلى عبوة محروقات صغيرة .. وولاعة سجائر ..

 

هذه الآبار التي تلوثت بالنفط ستقتل بساتيننا وفاكهتنا وزيتوننا وتربتنا إذا بقيت دون ردم .. لذلك من الأفضل أن نردمها وأن نحفر آبارنا بعيدا عنها كي نشرب الماء الزلال .. ونسقي أرضنا وقدسنا الماء الزلال ..

 

لاأملك في حضرة الموت إلا أن أتمنى الرحمة والمغفرة لمريد البرغوثي .. وسأصلي كي يسامحه الرب على كل مافعل بقضيته .. وعلى مااقترفته يداه ولسانه من موبقات وآثام وعلى الخطايا التي اقترفها قلمه ..

 

ولكن هل تسامحه فلسطين إذا سامحه الرب؟؟ هل يسامحه زيتون فلسطين وهو يرى أنه كان مع الصحراء ضد الزيتون .. ومع النفط ضد الماء .. ومع الرمال ضد الحضارة والرخام .. ومع الإبل والخنازير ضد الخيول والأيائل .. ومع كل شيء ضد القدس ..

رحل مريد البرغوثي وترك تركة ثقيلة من الخيبة .. ولاشك سترثيه آبار النفط التي شرب منها وأخلص لها .. وسيحمل أبخرتها معه إلى قبره بدل ورودنا ..

 

وترك لنا برميل نفط سيبقى من بعده يلوث الماء والآبار العذبة .. وسيبقى هذا البرميل ينشر بقع الزيت الأسود في أرضنا .. ويلوث أنظارنا بدخانه الأسود كلما احترق شعرا .. وسيلوث بيئتنا وينشر رائحة الإحتراق .. وثقافة الإحتراق ..

 

ولكن مهلا .. إن الأرض تقول لنا إن  ردم هذه الابار هو أفضل طريقة لتبقى طاهرة .. وكي تردموا هذه الأبار الملوثة فالوصية هي ألا تقرأوا شعرا سقاه النفط .. أو اقترب منه النفط ..

أيها المؤمنون بقضيتكم .. لاتقربوا صلاة للوطن وأنتم منفوطون .. ولاتسمعوا القرآن من فم منفوط ..

 

ويا أيها الأحرار لاتدقوا باب الحرية الحمراء بأيد مضرجة بدماء أخوانكم .. ولاتشربوا النبيذ إذا سكبه لكم شاعر متكسب في حانات تسقي الأمراء .. إنه لن يسكب لكم إلا الرذيلة والخطيئة والعار ولن تشمُّوا في أشعاره إلا رائحة الإبل ..

المصدر: موقع اضاءات الاخباري