محمد محفوظ جابر
شكل صمود الشعب الفلسطيني في المنطقة المحتلة عام ١٩٤٨ حالة نوعية من النضال، أكدت أن هذا الشعب يمتلك القدرة على مقاومة الاحتلال والحفاظ على هويته العربية، تماما كما اثبت ذلك على مر التاريخ ضد الاحتلال والغزو من الأشوريين والبابليين مرورا بالفرس واليونان والرومان وانتهاء بالأتراك والانجليز وصولا إلى الاحتلال الصهيوني.
بعد النكبة عام ١٩٤٨ وهزيمة الجيوش العربية وإقامة الهدنة على الحدود العربية وانقطاع شعبنا في المنطقة المحتلة عام ٤٨ عن العالم، تغلب بصموده على ممارسات الاحتلال الصهيوني العنصرية بأوجهها المختلفة في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومعاناة العمال والمرأة والطلاب والمزارعين في الحقول، ورغم حدوث مذبحة كفر قاسم عام ١٩٥٦والتي قتل فيها ٤٣ فلسطينيا عائدا من العمل إلى القرية، بسبب قوانين الحكم العسكري نجح الفلسطينيون بإلغائه عام ١٩٦٦.
إن الشعر المقاوم والأدب المقاوم الذي انطلق من هناك نجح في رفع معنويات هذا الشعب الذي اشتد ساعده المقاوم بعد هزيمة ١٩٦٧، وشارك في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني.
وأثبت قوته الجماهيرية الشعبية في يوم الأرض ٣٠آذار ١٩٧٦، وكذلك في الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧والثانية عام ٢٠٠٠. وادار صراع القرى المهجرة، وقرية العراقيب التي هدمها العدو الصهيوني ١٨٣مرة حتى ١٧/٢/٢٠٢١ ، لأن أهلها يعيدون بنائها من جديد في تحد وصمود لا مثيل له في دول العالم دليل آخر.
لقد أصبح شعبنا يشكل ٢٠٪ من عدد السكان رغم التهجير، وهذه قوة لا يستهان بها حتى أن رئيس وزراء العدو بنيامين ناتنياهو أخذ يستجدي أصواتهم لتصب في انتخابات الكنيست لصالحه وهو الذي لا يخفى عدائه للشعب الفلسطيني لأنه يعرقل المشروع الصهيوني طالما بقى موجودا.
أي أن العربي الفلسطيني يشكل قوة سياسية واجتماعية لها تأثيرها وفعاليتها إذا توحدت وناضلت. لكن هذا الصمود شابه انحراف خطير من القيادات، تمثل في المشاركة في الانتخابات لأخطر مؤسسة صهيونية، هي "الكنيست" التي تصدر القوانين والتشريعات للسيادة على الأرض والسيطرة على الشعب الفلسطيني.
هل يعقل أن يشارك عربي فلسطيني في قائمة الليكود أو أي حزب صهيوني مرشحا لانتخابات "الكنيست" إلا إذا كان صهيوني مثلهم. كيف يمكن فهم وجود كتل عربية تشارك في تلك الانتخابات وهي ليست صهيونية، بينما إذا نجح أحدهم عليه أن يقسم يمين الولاء للدولة اليهودية العنصرية المناقضة للمشروع الوطني الفلسطيني.
هل حققت الخطابات الحماسية الملتهبة لتلك الكتل داخل "الكنيست" غير فرصة إلقاء الخطب.
إن مطالبتهم بالمساواة تعني الجمع بين الحقوق والواجبات وعلى العربي الفلسطيني أن يقوم بواجبه ضمن المساواة بالخدمة في الجيش الإسرائيلي العنصري في ظل العلم الإسرائيلي، فهل هذا ما يطلبه الشعب الفلسطيني في المنطقة المحتلة عام ١٩٤٨من ممثليه في تلك الكتل؟ على الشعب الفلسطيني في المنطقة المحتلة عام ١٩٤٨أن ينتخب قيادة سياسية تعبر عنه وتمثله في إدارة ذاتية لمشروع النضال الوطني البديل المتناقض مع المشروع الصهيوني.
إن المشروع الوطني الفلسطيني لا يكون من خلال "الكنيست" بل خارجه، لأن الكتل الانتخابية لا تخوض الانتخابات إلا إذا اعترفت بيهودية الدولة وكل عضو ينجح يقسم يمين الولاء للدولة اليهودية، ومن يقسم لا يعمل على إنجاح المشروع الوطني الفلسطيني.
إن الدولة اليهودية ليست دولة فلسطين و"الكنيست" هو مجلس نواب اليهود الصهاينة، وليس مجلس نواب فلسطين والمشاركين فيه ليسوا إلا ديكورا لإضفاء الصبغة الديمقراطية على الدولة العنصرية الصهيونية للحفاظ عليها "واحة الديمقراطية" في المنطقة رغم أنها دولة احتلال استيطاني، قامت على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام ١٩٤٨.
إن المشاركة في انتخابات "الكنيست" هي استكمال لدور منظمة التحرير الفلسطينية التي قامت بالاعتراف "بإسرائيل" ضمن اتفاقية أوسلو وأعطتها شرعية الوجود على أرض فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨، وهذا يتناقض مع الحق التاريخي والشرعي للشعب الفلسطيني والمشروع الوطني الفلسطيني