كتب الشاعر مصطفى سبيتي:
( ولا حب بلا سبب )
السبب الأول :
أنالم أكن متعاطفا مع الحزب أومع حركة أمل لأنني كنت شيوعياً متعصبا.
وقررت افتتاح مدرسة خاصة في كفرصير، وهذه مغامرة في زمن القبضة الحسينية، قبضة داوود داوود . فقررت أن أتقي ببعض الِانتهازية لمصلحة مدرستي، فأعلنت عن ٣٠ منحة لأبناء الش هداء: ١٥ للمقا...ومة الإسلامية، و١٠ لحركة أمل، و ٥ لشهداء جمول .
ولكن ما حصل كان أنّ جمّول لم تتقدم بأي ط لب منحة،لأنها كانت مضطهدة وملاحقة،
وأمل تقدمت ب ١٠ طلبات ليس فيها ابن لشهيد، بل أولاد مسؤولين محليين أحياء .
المفاجأة أنّ ح. ز.ب الل.ه . تقدم ب ١٥ طلباً دقّقتُ فيها، كانت كلها لأبناء شهداء . والملفت أن بينهم عدداً من الشهداء الشيوعيين . وما أذهلني أنّ بين هؤلاء الشيوعيين رفيقي في منظمة العمل الشي وعي:أبو بسام ترحيني، يطلب الحزب مُنَحاً لأولاده الثلاثة.
أنا حزنت وأحسست بضآلتي .
إذ كيف ننسى شُهداءنا ويتبناهم حزبٌ خصم لنا . .
الراعي لأبناء الشهداء كان الحاج عبدالرؤوف مشيمش والد الشهيد رائف.
بعد عامٍ توفي، فرثيته بقصيدة حضره ا وأنصت إليها السيّد حسن؛ وهوذكّرني بعد فترة أنه أُعجِبَ بالقصي دة، ولكن صدقوني يا أخوتي أنني حين ألقيتها لم أكترث بالمشايخ ولا بالسيّاد ولا برجال السياسة الحاضرين، اِكترثت فقط بمشاعري تجاه من أرثيه الصادق المخلص المؤمن المجاهد الحاج أبي رائف، وبالشهداء الذين رعى أطفالهم.
هذا كان أول تماسٍ وجداني،لا عقائديٍ ولا ديني مع ح.ز.ب.ال.ل. ه.
أما كيف تعمق هذا التماسُّ،فهذا ماسترونه لاحقاً .
(ولا حب بلا سبب)
السبب الثاني:
في عدوان عناقيد الغضب، نيسان ١٩٩٦.
تهجرنا جميعنا، فاختار بعض مجاهدي المقاومة، الِاحتماءَ في بيوتنا.
دخلوا إلى بيتي فوجدوا فيه خمراً فتركوه، رغم أنه كان مليئاً بالمؤن . واستقروا في بيوت أخي وأهلي وأختي المليئة بالتموين، ولكن بلا خمور .
كانت أختي تشكو أن ذهبها وماسها
وجواهرها منثورة في خزائنها، وأنا أواسيها:
يا أختي، جنوبنا يتدمر، المسألة ليست عند أساورك، وإن شاء الله ستجدينها سالمة.
إنتهت الحرب، وعدنا الى الضيعة، وأول ما تفقدناه كان بيت أختي.
فتحنا الدرفة الأولى من الخزانة، ثم الدرفة الثانية ولم نجد شيئاً . فتحنا الثالثة فرأينا الأساور والعقود والسلاسل والخواتم مع عقد الماس مرصوفة وموضبة . وإلى جانبها ورقة كُتِبَ عليها:
لقداستهلكنا كذا..وكذا من مؤونتكم.شكراًلكم وسنعيدها قريباً، إن شاء الله.
بربكم. هؤلاء شرفاء أم لا ؟
(ولا حب بلا سبب).
السبب الثالث:
قارنت بين حدَثين وتساءلت، وهذا هو الحدث الأوّل:
كيف استطاع حزب واحد لا شريك له في المقا.. ومة أن يمنع الصها..ينة من احتلال قريةٍ واحدة على حدودنا في عدوان تموز ٢٠٠٦، على الرغم من جبروت "اسرائيل" واستخدامها كل ما تملك من آلات القتل والتدمير ، ومن جسور جوية مع USA ؟!!
والحدث الثاني: كيف استطاعت "اسرائيل" أن تعبر الحدود وصولاً إلى صيدا، في يوم واحد في ٦حزيران عام ١٩٨٢، على الرغم من وجود ١٥ حزباً لبنانياً مسلحاً، و ١٥ فصيلاً فلسطينياً مدججين بالسلاح؟ وكنا يومها أكثر عدداً وأقوى عدّة من الحز..ب، ونحظى بدعم الكثيرمن الدول، بينما الحزب تدعمه دولة واحدة.
ألا يحق لذاكرتي استخلاص العِبَرَ من هذه المقارنة ؟؟؟؟؟
(ولا حبٌّ بل سببِ).
الجزء الرابع:
كان الحاج رضا ياسين فلاحاً بسيطاً زاهداً، يعتاش من نبات أرضه خصوصا زراعة التبغ المُرَّة.
أهالي بلدته عدشيت لا يعرفون عنه إلا تلك الصفات، إضافة الى إيمانه وطيبته، وهو لا يتفاعل بالسياسة إلا مع قلّة نادرة؛ وبقي على هذا الحال حتى دوىّ الخبر اليقين عن هويته:
طائرة أباتشي صهيونية تقصف سيارة مدنية على طريق طيرفلسَيه، جنوب الليطاني ١٩٩٥، ويتبنى جيش العدو الغارة، معلناً قتل أحدِ القادة الميدانيين في الم.قا..ومة،اسمه رضا ياسين.
لم أكن أعرفه، إنما قصدت منزله لتعزية صهره الأستاذ مصطفى صالح، مدرس مادة الدين في مدرستي الخاصة. دخلت منزل الشهيد فاعتراني الذهول من حالة الفقر المدقع السائدة في المنزل.. ومن المسامير المشكوكة في جدران الغرفة يعلق عليها ثيابه .
وراح فكري شارداً متذكراً نمط حياة بعض القيادات السياسية الوطنية . وأنا أكنُّ الِاحترام لبعض رفاقنا العسكريين المخلصين.
وأثناء الجلسة، أُخبِرتُ أن الحاج رضا كان يدير عملية عسكرية ضد الصهاينة، وبعد نجاحها أمَر الشبابَ أن ينسحبوا، فأبلغوه أن ابنه استشهد في العملية وهم يعملون على سحب جثمانه.
فقال لهم: اتركوه وانسحبوا .
وقد تمت استعادة جثمان ابن الحاج رضا في عملية تبادل، بعد استشهاد الحاج.
وبعد مراقبتي لظروف شهداء منطقتنا،علمت أن الحاج رضا كان نموذجاً عنهم جميعا .
فما رأيكم ؟؟