كتب الاستاذ حليم خاتون:
عادة، وفي كل بلدان العالم، السلطة هي من يدعو إلى العقلانية والتروّي والحكمة والصبر، وهي من يحذّر من شعبوية المعارضة والفوضى.
في هذا البلد "الجميل"
لبنان، حيث يختلط الحابل بالنابل، فلا نعود نعرف من هي السلطة فعلا، ولا من هي المعارضة...تماما كما أننا لم نعد نعرف من هو رجل الدين المؤمن، ومن هو رجل الدين المُنظّر لما يطلبه الأسياد الدنيويون منه... حتى إذا ما وصلنا الى رجال المال والأعمال والسياسة والاقتصاد، نجد مغارة، أين منها ألف مغارة من مثل مغارة علي بابا وأصحابه الاربعين.
أساسا، في بلد العجائب لبنان، من الصعوبة شبه المستحيلة، أن تجد تقيّا،
مكانه محجوز في الجنّة مع الصالحين.
ألم يقل السيد المسيح أن إدخال جَمَل في "خرم الإبرة" أسهل من دخول غنيّ إلى الجنّة.
هذه ليست مبالغة على الإطلاق، هذا هو الواقع الذي أجبر اللبنانيين على العيش في الفساد، فلم يعد هناك من مفرٍّ أمام هذا اللبناني، سوى الإنخراط في هذه الدوامة والعيش فيها بقوانينها.
اللبناني، إما فاسد وإما مُفسد إلى حين، ولا يلبث أن يستسهل اللعبة، فيأخذ الدورين معا ويصبح مُفسدا حينا وفاسدا حينا آخر... والعكس صحيح.
هذا الوضع ليس جديدًا تماما في لبنان.
هكذا كانت الأوضاع حتى قبل تأسيس لبنان الكبير.
كل ما حصل، هو أننا تخصّصنا في الاحتيال، وأسميناه شطارة.
ولبسنا البدلة و"عِدّة النَصْب"، وأسمينا أنفسنا تجارا... لعن الله هذه التجارة رغم مباركة الله لها أيّام الرسول.
كل يوم يخرج كاتب ما، يهاجم أصحاب الأفران وغلاء الخبز ويرفض أن تكون ربطة الخبز ب2500 ليرة أو كما يبدو أنها سوف تصبح قريبا ب3000ليرة وربما أكثر.
ليس دفاعا عن أصحاب الأفران، وبينهم الكثيرون من المحتالين الذين يستفيدون من الدعم لمراكمة مال الحرام في وقت، تجاوز عدد اللبنانيين تحت خط الفقر،
عتبة الخمسين في المئة من الشعب اللبناني، الذي بالكاد يتناول سندويتش من الخبز مع الحامض والملح، لتغيير الطعم، كما وصل على التواصل الاجتماعي.
لا، ليس دفاعا عن الأفران،
لكن، هل المشكلة هنا فعلا؟
نفس الأمر يحدث مع سائق السرفيس أو الڤان..
سوف ترتفع تعرفة النقل الى 5000 ليرة للراكب،
يطالب أصحاب سيارات الأجرة، فيبدأ الهجوم من كل النواحي رفضا لهذا "الاستغلال"، وكأن هذا
السائق هو من نهب البلد.
وكأن هذا السائق هو من أخرج الدولارات إلى سويسرا وباريس ولندن وليشنستاين ولوكسيمبورغ.
أمثال كثيرة من هذا الكلام الشعبوي، حيث يرفض بعضهم مثلا أن يباع كيلو البندورة ب5000ليرة
بحجة أن هذا انتاج محلّي، وليس مستوردا بالدولار الاميركي.
حتى لو افترضنا جدلا أن دعم البذار، والأسمدة والمعدّات الزراعية وغيرها، يصل فعلا إلى هذا المزارع المسكين، وهو قطعا لا يصل، ويضيع في زواريب مافيات الإستيراد
والتصدير؛ حتى لو افترضنا كل ذلك، فهل هذا يعني أنه لا يحقّ لهذا المزارع أن يشتري ألبسة لأولاده، أو أن يشتري كتبا مدرسية أو أن لا يمتلك سيارة، صار ثمن دولابها أكثر من 800000ليرة.
وينضم إلى هذه القافلة صاحب البسطة أو عربة الخضار والفواكه.
قد نجد هنا أو هناك محتالا من هذه الفئات، يستعمل "شطارته اللبنانية" لاقتناص لقمة الفقير... كل هذا ممكن،
لكن المشكلة أكيد، ليست هنا.
ليسوا هؤلاء من سبّب الأزمة، وليسوا هم من نهب البلد وساقها إلى الإنهيار.
ألا يرى الجميع أن هناك إصرارا على دعم لا يصل إلى المُستحقًين؟
ألا يرى الجميع أن الفتات الذي يصل، إنما يصل فقط لتخدير هذا الشعب المُخدّر اصلا.
يُخدًرون الفقراء بربطة الخبز، أو بما يشابهها، في الوقت الذي يستمر فيه النهب بكل السبل المتاحة؛
واللبناني "شاطر"، ويجد دوما السبيل إلى الشر والحرام.
يُخدّرون الفقراء باللُّقاح المجاني، ولا أحد يعرف لماذا يكون مجانيا لسعد الحريري أو ميشال عون أو نبيه بري أو وليد جنبلاط أو سمير جعجع....
واللائحة تطول...
حالتنا في لبنان، هي حالة تعبئة المياه في السلّة، أو في برميل من مئات الثقب.
كلما سددنا ثقبا، نجد المياه تتدفق من ثقب أخرى.
الكل في لبنان يعرف أين العلّة، والكل يغمض الأعين.
الكل في لبنان يعرف الحلّ، وأن لا حل غير هذا، والكل لا يريد تطبيق هذا الحل خوفا من اللصوص وما يملكونه من قدرات.
حتى سيء الذكر رياض سلامة، يعرف أن لا حل غير هذا الحل، ولذلك أصدر مراسيم جزئية لا تُسمن ولا تغني من جوع، لكنها تؤجل الانفجار.
رياض سلامة الذي فرض على المصارف زيادة ال3٪ على ودائع ما، وزيادة الرساميل، والذي فرض
على من هرّبوا الودائع منذ 2017 بإعادة 15٪ منها وعلى المسائيل،
والمقاولين بإعادة 30٪ وتجميدها في البلد لمدة خمس سنوات على الأقل.
رياض سلامة يحاول إقناع اللصوص بقليل من ""التضحية!!!!!!"".
يطالبهم ليس بإرجاع كل ما هرّبوه، فقط 30٪.
هؤلاء اللصوص لا يرضون حتى بهذا النزر القليل الذي يطلبه سلامة لكسب الوقت.
في هذا الوقت يسرح نواب ومسؤولون في تنظيرات لا تقترب من الحل الحقيقي.
الحل الحقيقي، هو الذهاب الى الأخير بما ذهب إليه رياض سلامة.
الحل هو باعتقال كل من هرّب، وكل من نهب، وكل من تعامل، وكل من تناول، ولو شيئا بسيطا من غنائم السلطة..
اعتقالهم جميعا دون استثناء، وكبارهم لا يزيد عددهم عن 2-1٪ من الشعب اللبناني؛ أي أقل من 100 ألف مع اولادهم وقططهم.
اعتقال 100 ألف وتخييرهم بين الحرية والحياة وبين المال المُكدّس في الخارج.
السؤال الحقيقي هو من يجرؤ على هكذا فعل؟
حسّان دياب عجز عن ذلك
حزب الله عاجز عن ذلك.
الأوادم!! إذا وُجدوا، عاجزون عن ذلك.
لم يبق لنا سوى ديكتاتور عادل، حتى ولو كان ازعر
ابن ازعر.
لم يبق لنا سوى "حدا"،
شرب وشبع من حليب أمّه
لأنه يبدو أن شعب لبنان كان بين الوقت والآخر يرضع من الكلبة في الدار،
لذلك بقي مطيعا، ومطيعا سوف يبقى أمام عصا الزعيم، أو المعلم، أو القبضاي أو ابن الكلب...