كتب الأستاذ حليم خاتون:
إذا أردتم حكومة فعلا، واردتم البدء بالخروج من الأزمة، ما عليكم إلا الصلاة أن يزداد حزب الله قوة.
هذا الكلام لن يعجب صغار الإقليم كمحمد ابن سلمان، وبالتأكيد لن ينال إعجاب صعاليك لبنان، بدءاً بديما الهبلة، و(نديم مرتو)، وصولا الى أشرف ريفي وبهاء، مروراً طبعاً بنوفل ضو وفارس سعيد ربيب المخابرات يومها...
سنة 1982، قررشارون وبيغن: أنّ الأوان قد حان للإنتهاء من منظمة التحرير الفلسطينية.
كانت المنظمة قد استطاعت التلوث بكل الوحل اللبناني ومراكمة الفساد اللبناني فوق فساد المنظمة والإسهام بشكل "عبقري" على دق إسفين بين فصائل المقاومة الفلسطينية والجماهير اللبنانية وصل حدّ الكفر بالقضية عند الكثير من الشرائح.
لم يكن بالإمكان إيجاد هكذا ظروف عداء لمنظمة التحرير كتلك التي أوجدها سقوط بندقية المقاومة في الفساد والمذهبية والتنمّر على الجماهير.
خرجت منظمة التحرير، بعد معارك قليلة جدا مع مناضلين قليلين جدا في قلعة الشقيف ومحور خلدة وجامع عبدالناصر.
قاتل المجاهدون الفعليون احيانا حتى آخر رصاصة في الوقت الذي كان أبو عمار يقبل بالتفاوض للخروج من بيروت ويرفض اقتراح حكيم الثورة الفلسطينية جورج حبش بتحويل بيروت الى ستالينغراد العرب.
لم تكن احوال الحركة الوطنية افضل من حال فصائل منظمة التحرير...
كان "رئيس" الحركة الوطنية وليد جنبلاط يستقبل في قصره شيمون بيريز في نفس الوقت الذي كان شارون يحتسي النبيذ على شرفة بيت آل الجميل في بكفيا.
كثيرون من "مقاتلي" الفصائل وأحزاب الحركة الوطنية رموا أسلحتهم وخلعوا بدلاتهم العسكرية وانزووا في زوايا الهزيمة والصعلكة.
حتى جيبات الدوشكا، تُركت على المزابل في شوارع بيروت الغربية.
انتصر شارون، وإقتلع أبو عمار من بيروت وشرّد منظمة التحرير في البلاد العربية البعيدة جدا عن حدود فلسطين.
لكن التاريخ أبى إلا أن يقول كلمته.
كل ظلم سوف يستولد ثورة، وكل احتلال سوف يستولد مقاومة.
وكما حدث في إيران، حصل أيضا في لبنان.
الإستعمار الغبي يضرب ويظن أنه انتصر، ولكن كل ما يفعله هو استيلاد من هم أكثر صلابة وأكثر جذرية من أولئك الذين هُزموا.
في الخمسينيات تآمرت أميريكا وبريطانيا على مُصدّق في إيران.
اختلقوا أزمة اقتصادية ودبروا مظاهرات مُصطنعة
أدّت إلى انقلاب عسكري أطاح بمُصدق الذي مات في السجن، بينما عاد الشاه ليعطي الإمبريالية كل الإمبراطورية الإيرانية على طبق من فضة.
خلال أقل من ثلاثة عقود كانت الجماهير الإيرانية قد استوعبت الدرس وقامت بثورة لا زالت حتى اليوم تهز اركان الإمبريالية وصنيعاتها.
كذلك في لبنان، أنهى شارون عصر أبو عمار المتذبذب في بيروت، ليفاجأ هو وحلف الأطلسي
بانفجار المارينز والكتيبة الفرنسية، قبل أن يرسل الشهيد أحمد قصير عشرات العسكريين الصهاينة الى الجحيم معلنا نهاية عصر الذل العربي من مدينة صور.
الحرب اللبنانية، الأزمة اللبنانية... لم يكن لا الغرب
ولا بقية العرب يبالون بها.
لكن بيروت كانت تنهض من سباتها بعد عملية الويمبي وسقوط 17 أيار.
تم طرد العملاء سريعا من المناطق...
لكن ما هو أهم، كان بداية نشوء مقاومة أكثر جذرية من منظمة التحرير.
كل سنة، كل يوم، كان يفقد الصهاينة ليس فقط جنودا وضباطا وعملاء، بل كانوا يفقدون الأرض تحت أرجلهم.
أجل، فقد الصهاينة الأرض بسرعة أكبر مما كانوا يتصورون.
كان هناك عامل جديد على الساحة لم يستفد منه أبو عمار....الثورة الإيرانية.
ما لم تره منظمة التحرير، أحسّ بنتائجه الكيان.
بضعة سنوات كانت كافية ليجن مناحيم بيغن ويعتزل في صومعة الخوف من نهاية مملكة إسرائيل حسب النبوءات التلمودية.
غياب الدولة في لبنان، والذي استمر حوالي الخمسة عشر عاما، والذي كانت الفوضى تنتشر على حسابه وتخرب كل أركان الوطن اللبناني الصغير؛ هذا الغياب، وهذه الفوضى، بدءا يصطدمان بنشوء سلطة جديدة أكثر تصميما من كل ما كانت تخشاه إسرائيل... إنها مقاومة من نوع جديد.
هرعت إسرائيل إلى أميريكا تستجديها إيجاد حل ضد هؤلاء المقاومين المختلفين عن طينة من سبقهم... صحيح أن بعض أصولهم تعود إلى الثورة الفلسطينية، لكنهم أكثر جذرية وأكثر خطرا... يجب عمل شيء.
كان يجب إعادة بناء سلطة جديدة على نسق لبنان القوي في ضعفه.
اجتمع الأميريكي والسعودي وقررا إعطاء النظام السوري بعض المكتسبات مقابل ضبط هذه المقاومة.
هكذا وُلد اتفاق الطائف سيء الذكر، وهكذا أُرسل رفيق الحريري ليكون عرّاب هذا النظام الجديد.
في البدء كان يجب أن يتم القضاء على حزب الله.
أتذكرون ثكنة الشيخ عبدالله، ومجزرة طريق المطار، والأوامر التي أصدرها الحريري مع كل أركان السلطة في لبنان والتي رفضها إميل لحوّد، قائد الجيش يومها.
كم من الأموال تدفق على لبنان...
في الكونغو، البلد المنتج للنفط، والذي لا تزيد ديونه على عشرة مليارات دولار، والذي وصل مستوى الدين عنده إلى حوالي 120٪، إلى الناتج، رفض الغرب والبنك الدولي إعطاءه أكثر من حوالى 35 مليون دولار سنويا، على أربعة سنوات... بينما ظلّت المليارات تتدفق على لبنان غير المنتج لأي شيء غير البشر، والذي كانت ديونه تزداد باضطراد بالمليارات كل بضعة أشهر والذي فاق مستوى الدين إلى الناتج القومي ال150٪... رغم كل ذلك تدفقت المليارات.
في بداية التسعينيات، كان يجب القضاء على حزب الله.
شارك في هذا كل أركان الحكم في لبنان بدعم اميريكي سعودي، مع ازلامهم من النظام السوري.
بعد الفشل، تغيرت الخطة.
حفيَ الرئيس الحريري حتى يُقنع الحزب بلدخول في منظومة الحكم.
أرادوا للحزب أن يسير على طريق ابو عمار، طريق السلطة.
السلطة كفيلة بتخريب المناضلين.
التجارب خير دليل.
انظروا سلطة محمود عباس...
حركة أمل التي أسقطت 17أيار، بدأت تراعي رفيق الحريري وتسير وتستفيد من سوليدير...
المال الذي تدفق على المهجّرين كان هدفه تحويل المناضلين إلى مرتزقة.
بقية القصة يعرفها الجميع.
أميريكا والغرب، عندما ينظرون إلى لبنان، لا يرون لا سمير جعجع، ولا سعد الحريري ولا غيرهم من أركان النظام.
أميريكا والغرب، يحاولون أن لا يروا المقاومة وحزب الله.... دون جدوى.
كيفما دارت عيونهم، يرون عملاقا، اسمه المقاومة الإسلامية.
هم يعرفون أن الإنهيار، لن يطال المقاومة.
هم بدأوا يخافون أن تملأ المقاومة فراغ السلطة.
اكيد...هم يعوًلون على تخريب أخلاقية المناضلين.
في النهاية، ليس كل منتم إلى الحزب قدًيس.
في المقاومة، كما في كل المجتمعات، يوجد... ويوجد.
كلما ازدادت قوة حزب الله، ازداد الضغط على ابن سلمان لينضب، قبل أن تصبح المقاومة هي كل السلطة.
هم يريدون إضعافها، تارة بالحياد، وتارة أخرى بالتدويل، وتارات أخرى بالإفساد السلطوي.
لذا، المعادلة بسيطة، كلما ازدادت قوة حزب الله، ازداد الدعم للدولة اللبنانية بغض النظر عن كل الموبقات.
كلما ازدادت قوة محور المقاومة وفشل الوكيل والاصيل، سوف يدفعون المال، ليس فقط لمنع الهجرة إلى اوروبا، بل أيضا للحرص على أن لا تصبح هذه الارض، دولة حزب الله، التي لن تخضع لهم.