كتب حليم حاتون: لو كنتَ مكان حزب الله.. ماذا تفعل؟
بعد مقالة،
لبنان... إلى الفوضى،
والثوريون أكبر المُذنبين...
هذا ما سألني إياه أحد الإخوة الذين لا شكّ عندي، ولو للحظة، بأنه ليس فقط من المؤمنين بالمقاومة، وفلسطين والشعب والعيش بكرامة، بل أيضا، هو يتساءل مثلي، ومثل كل حر أبيّ،عما يجب أن يُفعل اليوم.
السؤال في الحقيقة يجب أن يُوجّه إلى حزب الله الذي لا حبّة غبار مهما خفّ وزنها، على كل ما قام به في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، وفلسطين هي الأساس...
هذا الحزب المقاوم، الشريف الذي حمل الرايات الى اعلى مراتب المجد والعلى والتي لم تصلها مقاومة في عصرنا الحديث، منذ غُرس الكيان العنصري الصهيوني في فلسطين..
إلى هذا الحزب الشريف، سؤال واحد جوهري وحاسم...
لو عاد بك الزمن ثلاثة عقود إلى الوراء، وانت تعرف إلى أي تهلكة اوصلتنا السلطة بسياساتها الحمقاء من قبل البعض، والمقصودة من قبل البعض الآخر، والمسمومة المغلّفة بورق برّاق تُقدم إلينا، والى الشعب وإلى الحزب... هل كنت سوف تقبل بما قبلت به، أو تقوم بما قمت به؟
آسف يا دكتور، وأنا أيضا، أقرأ ما تكتبه انت، لكني عندما اتكلم بهذه الحرقة فذلك لأن الحزب، في الوضع الداخلي، ارتكب من الأخطاء الكثير... وجلّ من لا يخطئ...
لكن الحزب الذي يضع نصب عينيه بناء الدولة القويّة العادلة لكل ابنائها؛هذاالحزب كان يجب أن يرى ما رآه الكثير من الاقتصاديين والسياسيين منذ أن جاءنا رفيق الحريري بمشروع إلحاق لبنان بالركب السعودي...
الأميركي...الصهيوني..
اسأل حزب الله لماذا لم يستطع أن يرى ما رآه نجاح واكيم، وزاهر الخطيب، والدكتور الحص، والدكتور جورج قرم، والدكتور الياس سابا، والدكتور شربل نحاس، رغم اختلافي مع بعض استنتاجاتهم،واللائحة طويلة، وطويلة جدا...
بكلّ أسف، حزب الله الذي بدأ حزباً ثورياً، تصرف في الوضع الداخلي بلا أية روح، أو رؤية ثورية...
أن تسعى إيران إلى الكلام مع السعودية وتغضّ الطرف عن كل انتهاكات بني سعود وعمالتهم للمحور الصهيوني،رغم رفضي لكلّ هذا، لأن واجب إيران أن تبقى وتكون ثورة دائمة لا تتوقف وإلّا فما جدوى انتقاد أحمدي نجاد؛ إلا أن المرء قد يقول: إنها سياسة الدول ومحاولة التعايش بين الخصوم والأنظمة المختلفة...
لكن حزب الله، ليس إيران... حزب الله ليس دولة... حزب الله وُلد من أجل التحرير، وقد برع في مهمّته....
لكن حزب الله، كحركة تحرير، هو أيضا حركة تحرّر،وحركات التحرّر، تضع نصب عينيها إسقاط السلطات العميلة، وليس التعايش معها، بل حتّى التودّد إليها...
لا تستطيع أن تكون مع شعب اليمن، وتتعايش مع عبيد محمد بن سلمان في لبنان...
وعبيد محمد بن سلمان، ليس فقط سعد الحريري، بل حتّى صلاح سلام، ضيف المنار كل بضعة أسابيع، وتمام سلام، خادم السعودية أبا عن جد..
لا تستطيع أن تكون ضدّ الصهاينة في فلسطين وتتعايش مع عبيد وعملاء الإمبريالية في لبنان...
عملاء الإمبريالية ليس فقط سمير جعجع وفؤادالسنيورة ووليد جنبلاط ،بل أيضاً شاشات ومصارف، وشركات... وحتّى دول ورؤساء دول كماكرون مثلا...
مشكلة حزب الله أنه لا يريد أن يكون دولة، ويتصرّف بنهج مساومات
الدولة وانتهازيتها وتكاذبها وكذباتها...
مشكلة حزب الله أنه لم يتعلم، مشكلة حزب الله أنه لا يتعلم... عندما يُخطئ في الداخل...
لست فيلسوفا، لكنها فلسفة الثورة... والدولة.
حزب الله ضائع بين الدولة والثورة، يتصرف كدولة غير نظيفة، حين يجب أن يكون ثورة كاملة النقاء، ولا يتصرف كثورة، يجب أن يكون هدفها إقامة الدولة القوية العادلة...
الدولة القوية العادلة تُقام بالقوة الثورية، وليس بالطلب والِاستجداء من السلطة الفاسدة...
لا يمكن أن تبني دولة قوية وعادلة وانت تعمل مُصلحاً ووسيطا بين أطراف سلطة فاسدة حتى العظم.
لم يطلب أحد من حزب الله أن يخاصم حركة أمل، أو ميشال عون...
لكن ليس من حق الحزب أن يتشابه مع حركة أمل ومع ميشال عون...
هذان الحليفان، هما حزبا سلطة، هما جزء من السلطة القائمة...
فيما مضى كانت حركة أمل، حركة ثورة، وكذلك العونيون... ربّما...
لكنهما دخلا السلطة، ومن يحضر السوق، يبيع ويشتري...هذه كلمات الرئيس بري، وهذا ما يفعله جبران باسيل، هو يبيع ويشتري، هو يساوم ويناور...
لا أحد يتهم حركة أمل أو ميشال عون بالعمالة أو الخيانة، لكنهما تجاوزا مرحلة الثورة، وهذه سُنّة الحياة.... هكذا تجري الأمور... دخلوا السلطة وصاروا جزءاً من جهازها البيروقراطي النفعي...
حتى أمس، يمكن القول: إن حزب الله، لم يصل إلى هذا الموقع...
عدم تخليه عن السلاح المُقاوم، المُقاوم تحديدا، منعه من الانزلاق إلى أن يُصبح حزب سلطة...
حتى الأمس القريب، حافظ حزب الله على ثوريته كنتيجة حتمية لاستمرارية الصراع الوطني والقومي...
لكنه،منذأن بدأسياسة المُختار التوافقي والمُصلح
الِاجتماعي بين أطراف السلطة، بدأ ينزلق في فخ السلطوية البيروقراطية غير الثورية والتي لن يطول الوقت قبل أن يصبح هو نفسه جزءاً منها ومن هذه السلطة الفاسدة..
إذا عاد الزمن بحزب الله، عليه هو أن يعرف أين أخطأ، وأن يقوم بتصحيح أخطائه التي أدّت به أن يكون أحد الشاهدين على الِانهيارالعظيم الحاصل اليوم....
هو عاجز اليوم، كنتيجة حتميّة لكل السياسات التي اتبعها منذ اليوم الأول لمجالسته أهل الفساد السلطوي...
هل يمكن إصلاح الوضع؟
كل يوم يمرّ، يجعل المهمّة أصعب.
البقاء داخل الغيتو الشيعي، ليس هو الحلّ.
عندما يخرج شعب لبنان الى الشارع، على حزب الله أن يخرج معه....
عندما تقيم الشاشات المُباعة والمؤُجرة، ستاندات وبث مباشر وحفلات تحريض في الشوارع والساحات، وتعتزل المنار داخل ستوديو، داخل الغيتو الشيعي، تتكلّم في العموميّات قبل أن يفرض عليها الشارع بصعوبة، البحث في المشكلة...
عندها يكون حزب الله في موقع، ليس فقط تغطية وتجهيل آثام السلطة، بل في موقع الدفاع عن هذه الآثام... وعن مرتكبيها...
ما حصل قد حصل.
ماذا يجب على حزب الله فعله؟
أوّلاً،أن يعود بقواعده الى الحالة الثوريّة، وليس حالة "الزربة" في الغيتو..
ثانيا يقطع علاقته بكلّ الفاسدين سواء داخل السلطة أو خارجها.. ويتوقف عن التمسّك بسعد الحريري ووليد جنبلاط ضمن ميثاقية خرقاء لا تبني وطنا...
ينزل هو بنفسه إلى وسط البلد ليقود الناس والشعب الغاضب، بدل تركه فريسة الNGOs... وبولا وسامي ونديم والهبلة...
في حزب الله، وفي المنار، الكثير من الكوادر الثورية، التي تلجمها القيادة وتمنعها عن التفاعل والنزول إلى الشارع خوفا من الفتنة...
أعطوهم الحرية للنزول والدفاع في الساحات عن حقوق الناس والأمّة...
يا أخي، لم يذكر التاريخ ثورة نظيفة مئة في المئة...
إذا أنزل اشرف ريفي أو بهاء الحريري كم أزعر، نُهرَعُ إلى بيوتنا خوفاً من الفتنة...
أين الإقدام؟
أين الصدامية؟
إذا فرض الأمر ضرورة مواجهة العملاء، فليكن...
في النهاية، ماذا نريد؟
ما يقوم به الحزب اليوم، له معنىً واحد،
يقول: إنه يريد استمرار أهل الفساد في السلطة..
يرجو أهل الفساد التوبة، وهم أساساً لا يستطيعون التوبة.
هم ليسوا أهل الفساد فقط،هم الفساد بعينه...
في دولة اللاقانون، يريد حزب الله الشكوى إلى قضاء يفوق الفاسدين فسادا...
يلجأ إلى القضاء لمعاقبة ديما الهبلة والMTV، هؤلاء يحتاجون إلى تأديب ثوري وليس إلى قضاء يماثلهم فساداً وعمالة...
في إحدى زياراته إلى لبنان، حاول الرئيس الأميريكي الأسبق، ومنظًر كامب ديفيد، جيمي كارتر؛ حاول التواصل مع حزب الله، فرفضت قيادة الحزب.
هل تعرف لماذا؟
لأن شيطان كامب ديفيد لا يمكن أن يصير ملاكا.
ألا ينطبق هذا على شياطين الداخل؟
السيد نصرالله قالها،
نحن لن نجوع، "حنقتلك"...
لقد آن الأوان، فليبدأ القتال ولنقتل من يجب قتله...
أحدٌ لا يطلب من الحزب التخلي عن مبادئه، ولكن آن الأوان للحزب أن يؤسّس جبهة وطنية عريضة عابرة لكل المذاهب والمناطق، خالية من كل الفاسدين، ومهمتها الوصول إلى السلطة.
أجل، لماذا الخوف من أخذ السلطة؟
الدولة القوية العادلة، يبنيها الحزب وأنصار الدولة المدنية،وليس عملاءأمريكا،ولافرنساولا السعودية، ولا الخليج... والذي يفكر عكس ذلك، هو يريد فقط العودة إلى نظام التبعيّة والفساد، والتسوّل على حساب المبادئ والكرامة الوطنية...
حفاة اليمن، هم أحد الأمثلة على الكرامة الوطنية.
نحن لسنا شحّادين...
نحن لسنا مفلسين...
نحن فقط تنقصنا العزيمة الثوريّة والقرار....
حتى محمد بن سلمان، كان اذكى منّا وفعلها، لكن هو فعلها لانه لص وخائن..
أفلا نفعلها نحن باسم الوطن ومن أجل الوطن؟