عودة الأحادية القطبية.. وانتهاء سباق التسلح.. وتحكم الأنظمة بالشعوب رقميا.. ومواجهة الصين وروسيا.. ومصير حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط ..... في هذه القراءة لوثيقة الأمن القومي الأميركية المؤقتة
أخبار وتقارير
عودة الأحادية القطبية.. وانتهاء سباق التسلح.. وتحكم الأنظمة بالشعوب رقميا.. ومواجهة الصين وروسيا.. ومصير حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط ..... في هذه القراءة لوثيقة الأمن القومي الأميركية المؤقتة
8 آذار 2021 , 16:43 م
أصدر البيت الأبيض دليلاً مؤقتاً للأمن القوميّ كمقدمةٍ لإعداد استراتيجيةٍ شاملةٍ للأمن القوميّ، بديلاً عن استراتيجية الأمن القوميّ الأميركية التي صدرت في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تحت اسم

أصدر البيت الأبيض دليلاً مؤقتاً للأمن القوميّ كمقدمةٍ لإعداد استراتيجيةٍ شاملةٍ للأمن القوميّ، بديلاً عن استراتيجية الأمن القوميّ الأميركية التي صدرت في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تحت اسم (أميركا أولاً)، الوثيقة الجديدة حملت عنوان (تجديد مزايا أمريكا/التوجيه الاستراتيجي للأمن القومي المؤقت)، ركزت فيه على قضايا الأمن القوميّ والاقتصاديّ والسيبراني، وتجديد الثقة بالديموقراطية الأميركية، وجاءت الوثيقة مطابقةً للشعارات الانتخابية الأميركية بما يخص مجمل القضايا الداخلية والخارجية

وفي دراسة أصدرها مركز بارادايم الدولي للدراسات الإستراتيجية(ايبكس) قدم من خلالها قراءة لهذه الوثيقة شددت على أن هذه الوثيقة حملت جملةٌ من المتغيرات تتعلق بمستقبل العلاقات الدولية وشكل النظام الدولي، فالواضح تماماً من ثنايا هذه الوثيقة والتي وقعت في 24 صفحة أنّها تركز على استعادة الأحادية القطبية الأميركية، والتخلي تماماً عن مفردات "أميركا أولاً" التي حملتها وثيقة الأمن القومي السابقة، العودة إلى الأحادية القطبية (القيادة والحفاظ على نظامٍ دوليٍّ مستقرٍ ومنفتحٍ ، تدعمه تحالفاتٌ ديمقراطيةٌ قويةٌ وشراكاتٌ ومؤسساتٌ وقواعد متعددة الأطراف)، ومسألة استعادة الأحادية القطبية وقيادة النظام الدولي.

واعتبر المركز أن مثل هذه المتغيرات تعني إعلان المواجهة الاستراتيجية مع خصوم واشنطن الاستراتيجيين الدوليين والإقليميين، وهنا بدا لافتاً تغيرٌ مهمٌ ولافتٌ في تصنيف خصوم واشنطن الاستراتيجيين ، فبخلاف استراتيجية أميركا أولاً التي حددت روسيا كمصدر تهديدٍ رئيسٍ للولايات المتحدة وبدرجةٍ ثانية الصين، وثيقة الأمن القومي المؤقتة وضعت الصين كمصدر تهديدٍ للنظام الدولي برمته، فالصين بحسب الوثيقة هيّ المنافس الوحيد القادر على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكيل تحدٍّ مستدامٍ لنظامٍ دوليٍّ مستقرٍ، بينما وصفّت روسيا كدور (مزعزع للاستقرار وتخريبي)، وهو يتفق مع رؤية لويد اوستين وزير الدفاع الأميركيّ التي وصّف فيها روسيا أنهّا في حالة انحدار استراتيجيّ.

 

من جهةٍ أخرى ظهر إصرارٌ شديدٌ في متن الوثيقة على أدلجة الصراع بين الولايات المتحدة وخصومها الاستراتيجيين بين عالمٍ ديموقراطيّ، وعالمٍ مستبدٍ، وهذا الأمر ليس فقط بشقه السياسي الأيديولوجي بين الليبرالية والنظم المركزية بل يتعداه إلى الحيز السيبراني، الذي أفردت له الوثيقة حيزاً مهماً، وهو برأينا تهيئة الرأي العام العالمي نحو فكرة (الاستبداد الرقميّ)، فمع الثورة الصناعية الرابعة والجيل الخامس من الأنترنت تستطيع الأنظمة السياسية التحكم التام بمواطنيها، بأرائهم وأنماط استهلاكم وتوقع ردود أفعالهم والتحكم فيها، وهذا النمط من السياسة الرقمية الآخذ بالانتشار دولياً، يُنبئ مستقبلاً بانقسام العالم إلى دولٍ تتبع ليبراليةً رقميةً، ودولٌ تتبع الرقابة المركزية على الفضاء الرقميّ، وبالتالي العالم يسير واقعاً باتجاه انقسامٍ أيديولوجيّ جديد عنوانه السيطرة الرقمية المركزية والديموقراطية الرقمية في نموذجٍ لا يبتعد عن الانقسام في الحرب الباردة بين الليبرالية والشمولية المركزية، وهو ما تعززه الولايات المتحدة بإصرارها على إفراد مساحات واسعةٍ للذكاء الاصطناعيّ والثورة الصناعية الرابعة، مع تركيزها على النمط الاستبداديّ للصين، محاولةً بذلك النيل من موقع التقنيات الرقمية الصينية ومكانتها العالمية.

وبخلاف كلّ الاستراتيجيات الرسمية للأمن القومي الأميركيّ لأول مرة يتراجع مركز الشرق الأوسط كمركز ثقل للاستراتيجية الأميركية على حساب منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا ونصف الكرة الغربي، كما أظهرت الوثيقة اتجاها واضحاً للتعاون مع تكتل دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الذي يتنامى بشكلٍ كبير، وذلك بعد توقيع اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة أواخر العام الماضي(2020) خلال قمةٍ إقليميةٍ في هانوي، الذي شكّل ضربةً جديدةً للمجموعة التي كان يساندها الرئيس الأسبق باراك أوباما، وانسحب منها خلفه ترامب في العام 2017، وهذا ما تريد العمل على ترميمه إدارة بايدن، لأنّها لا تريد خسارة سوقاٍ حرةٍ تُشكّل حوالي  2.2 مليار مستهلك، أيّ ما يوازي 30% من سكان العالم، خاصة بعد انضمام الصين واليابان وكوريا الجنوبية لهذا السوق، وهذا ما أكد عليه الدليل في اأكثر من صفحة بالنسبة لإعادة صياغة التحالفات والعلاقات الخارجية الدولية بما يخدم مصالح أميركا بعيداً عن التوتر.

وحددت الوثيقة استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بأربع نقاطٍ أساسية هيّ: الالتزام الصارم بأمن إسرائيل، وتعزيز تكامل إسرائيل مع الدول التي عقدت معها اتفاقياتٍ إبراهيمية، وعدم إعطاء شركاء واشنطن في الشرق الأوسط شيكًا على بياض لمتابعة سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأمريكية، إضافةً إلى مواجهة إيران، لذلك ستقوم واشنطن وفق الوثيقة بتصحيح حجم الوجود العسكري الأميركيّ إلى المستوى المطلوب لتنفيذ هذه النقاط الأربع فقط.

كذلك الأمر، شرحت الوثيقة بعض الخطوات الأميركية لاستعادة الأحادية القطبية، وشرحت رؤية أميركا لنفسها كدورٍ قياديّ جديد، فالوثيقة في مقدمتها أكدت أنه لا يمكن الرجوع إلى الوراء في التفكير، بل ينبغي وضع رؤيةٍ جديدةٍ للأحادية القطبية مختلفةٍ عن شكل الأحادية القطبية بعد العام (1991)، تتضمن الرؤية الجديدة، التحرك العاجل لاستعادة مكانة الولايات المتحدة القيادية في المؤسسات الدولية، خصوصاً منظمة الصحة العالمية، والعمل على إصلاح المنظمة وتقويتها، وضمان أن تضع أمريكا، وليس الصين، جدول الأعمال الدوليّ ، خصوصاً المفاوضات المتعددة الأطراف في إشارة إلى الاتفاقيتين الصينيتين (الشراكة الإقليمية الشاملة في أسيا، والشراكة الاستثمارية الصينية الأوربية)،  والعمل أن تكون الدبلوماسية الأميركية والتنمية وفن الحكم الاقتصادي الأدوات الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، إضافةً إلى بناء بنيةٍ تحتيةٍ رقميةٍ للقرن الحادي والعشرين، بما في ذلك الوصول إلى الإنترنت عاليّ السرعة الشامل والميسور التكلفة وشبكات الجيل الخامس الآمنة، في إشارةٍ إلى تجنب استخدام التقنيات الصينية للجيل الخامس من الأنترنت، وكذلك الأمر قيادة استكشاف الفضاء الخارجيّ وتحويله إلى ميدان ريادةٍ أميركي.

وحملت الوثيقة جوانب متعددة عن القوة الأميركية وكيفية استخدامها ولكن بطريقةٍ (ذكيةٍ وفعالة) حسب توصيف الوثيقة، فالولايات المتحدة سوف تتجنب سباقات التسلح المكلفة، ولهذا يجب التحرك بسرعة لتمديد معاهدة ستارت الجديدة مع روسيا بالتزامن مع ترتيبات جديدة لتحديد الأسلحة، وبدا لافتاً في الوثيقة تراجع مكانة القوة النووية كمحددٍ للقوة الأميركية على حساب القوة الاقتصادية والابتكارية في مجال الريادة التكنولوجية، لذلك قررت الولايات المتحدة اتخاذ خطواتٍ لتقليص دور الأسلحة النووية في استراتيجية الأمن القومي ، مع ضمان بقاء الردع الاستراتيجي آمنًا وفعالًا، وأن تظل التزامات الردع الموسعة لحلفاء واشنطن قويةً وذات مصداقية.

من جهةٍ أخرى أفردت الوثيقة مساحاتٍ واسعة للصين وكيفية مواجهتها عسكرياً واقتصادياً وتقنياً، ومن السياسات التي ستثير صراعاً دولياً مع الصين كانت مسألة دعم تايوان وهونج هونج ومسألة الأقليات العرقية في التبت وشينجيانغ، وإعطائها الأولوية على حساب أيّ سياسات تجارية مع الصين، وهذا الأمر سيهدد الوحدة الإقليمية الصينية ويهدد استراتيجية صين موحدة، ومبدأ  "دولة واحدة ونظامان" ، ويشعل صراعاً في الشرق الأسيوي، ستجد الصين معه نفسها مضطرةً إلى الردّ وربما تجد نفسها مضطرة إلى استخدام القوة، وهو ما تريده واشنطن أيّ دفع الصين إلى التفكك والاستنزاف العسكري، وذلك بعد أن أججت أميركا التوتر بين الصين وتايوان في عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب عندما وافقت على بيعها 60 طائرة أف 16 ب8 مليار دولار، ما يعني أن الإدارة الجديدة تريد تكبير حجم الورقة التي تستطيع من خلالها الضغط على الصين في ملفات أخرى، مستفيدة من وصول "تساي إينغ ون" الانفصالية المنتمية إلى الحزب الديمقراطي الذي تسعى إلى الاستقلال الكامل عن الصين، والتي صرحت أنها تريد الوقوف بوجه الصين، ما تعتبره أميركا فرصةً يجب الاستفادة منها كنقطة ارتكازٍ أساسيةٍ لها في منطقة شرق آسيا.

 

 

 

 

 

المصدر: موقع اضاءات الإخباري