كتب د. يحيى حرب: حزب الله الوحيد الذي امتلك الرؤية الواضحة والشفافة لما نشهده اليوم..
مقالات
 كتب د. يحيى حرب: حزب الله الوحيد الذي امتلك الرؤية الواضحة والشفافة لما نشهده اليوم..
15 آذار 2021 , 21:34 م
 كتب الدكتور يحيى حرب:   حزب الله الوحيد الذي امتلك الرؤية الواضحة والشفافة لما نشهده اليوم من تطورات الازمة اللبنانية. كما كانت لديه الشجاعة ليعلن عنها: لانه صادق مع شعبه وقوي في موقفه. هذه الر

 كتب الدكتور يحيى حرب:

 

حزب الله الوحيد الذي امتلك الرؤية الواضحة والشفافة لما نشهده اليوم من تطورات الازمة اللبنانية. كما كانت لديه الشجاعة ليعلن عنها: لانه صادق مع شعبه وقوي في موقفه. هذه الرؤية عبر عنها سماحة السيد في اليوم الثاني لاحتجاجات 17 تشرين.
رؤية السيد حسن نصرالله حينها قامت على محورين:
- التحذير من فوضى الحراك
- والدعوة لتأطيره على اسس وطنية جامعة.. والتحذير من تسلل الاجهزة المخابراتية وادوات السفارات لحرفه عن اهدافه.
واليوم تبدو الصورة واضحة وجلية: ان ما قتل المطالب وخرب البلد هو فوضى الحراك والتدخل السافر للسفارة الخبيثة.
ميزة حزب الله انه يرى ابعد من غيره: لانه يملك المعطيات اولا، ولأنه يقدم المبادئ والقيم على المصالح الضيقة. وعندما حذر من عبث العابثين وطفولية بعض المتحمسين، كان في موقع الناصح الحريص على نجاح الحراك وتحقيق اهدافه، كونه يمثل اكبر شريحة من الفقراء والمستفيدين من التغيير. 
وعندما حذر السيد من سذاجة بعض الحالمين بالتغيير السريع من المطبات المنصوبة لهم، كان يرى ان السفينة بلا ربان، وانها تتقاذفها ريح الاهواء واصحاب الاجندات.. فدعا الناشطين الى التبصر قبل ان يصطدموا بالحائط ويصيبهم اليأس وها نحن نراهم يتنقلون من حائط الى حائط.
قليلا من المراجعة والتفكير الهادئ. فالثورة ليست اختراعا جديدا بل علم دفعت ثمنه الشعوب اعمارا ودماء وتضحيات جساما. لكن السفارة الخبيثة اقنعت البعض بأن الثورة تولد من تويتر والفيسبوك لا من التجربة البشرية والتحليل الموضوعي. وان التاريخ يولد اليوم وليس تراكما لنضالات تاريخية.
ما نعيشه اليوم هو ثمرة ما زرعناه بالامس. وما نعيشه اليوم هو الفوضى والحراك المذهبي الذي يديره زعماء الفساد. وما نعيشه اليوم هو تحلل الدولة وغياب هيبة الامن وضياع المسؤولية واستشراء الفساد وانسداد افق الحلول والمزيد من الارتهان للمصالح الغربية وهيمنة حيتان الفساد وضبابية الرؤية. 
وما نعيشه اليوم ان كل زاروب سياسي يسمي نفسه ثورة. وكل صاحب اجندة يزعم انه يحارب الفساد. والمرجعيات الطائفية تحدد توجهات الناس وتحرك عواطفهم. وصراع الاحزاب والقوى السياسومذهبية ينفلت من عقاله غير ابه بآلام الناس ومعاناتهم، بل يوهمهم بأنه يحصل حقوقهم ويؤمن مصالحهم.
فأين الحراك المطلبي؟ لماذا غاب عن المشهد الذي يتصدره رموز الطبقة الحاكمة منذ ثلاثين عاما؟ - ببساطة لان هذا الحراك رفض نصيحة الناصحين وقبل حكمة السفارة الخبيثة بأن صياغة برنامج للحراك واختيار قيادة له وتحديد اولوياته يعني القضاء عليه!! وان الفوضى والضبابية هي طريق الخلاص!!
السفارة الخبيثة كانت تعرف ماذا تريد. ترفض تكريس قيادة للحراك حتى يتسنى للدواعش وبقايا قوات الصدم والمنحرفين واصحاب السوابق والمغامرين، قيادة الحراك. وترفض تحديد اولويات المطالب الشعبية حتى تتمكن في اي لحظة من ادخال الشعارات المسمومة، وتعميم الفوضى وشل السلطة وتفكيك البلد.
وهذا ما هو حاصل اليوم. باسم محاربة الفساد وباسم ضحايا الفقر والغلاء والتضخم وانخفاض سعر العملة، يواصل هؤلاء سياسات تعميم الفوضى واضعاف اجهزتها الادارية والسياسية والقضائية.. والامنية للاسف. نعم الامنية، وهي الورقة الاخيرة التي يجري التهديد بها.. فمن المسؤول عن كل ذلك؟
هذا الاسفاف والانحطاط في الخطاب السياسي ولغة الناشطين الوهميين ومقدمات النشرات على قنوات السفارة الخبيثة، وصراعات زعماء القبائل السياسية والمذهبية ليست ثورة ولا تؤدي الى زيادة الوعي، بل تزيد الفوضى والضبابية التي تحجب عمل قطاع الطرق والمحرضين على الفتنة، وتوسيع خراب الدولة. 
وهذا ما كان يدركه حزب الله والقوى الوطنية التي وقفت معه منذ البداية. هم يدركون ان اول ضحايا غياب الدولة هم الفقراء وغالبية المواطنين. اما زعماء القبائل السياسية فهم في الاساس لا يعترفون بالدولة بل يتوزعونها حصصا في ما بينهم، وهم محترفون في ادارة دويلات الزواريب والكانتونات.
قالوا بأن الفوضى فرصة للأقوى بأن يفرض هيمنته على الارض. وهذا صحيح. وقصدوا حزب الله ليتبرأوا من الجريمة التي ينفذونها خدمة لاجندة اقليمية معروفة. ولكن الحزب لا يفكر بهذه الطريقة الخبيثة وهو ليس حزب سلطة بل مقاومة وطنية. ولهذا كان حريصا على منع سقوط الدولة حتى اتهموه امعانا بمكرهم وخداعهم بحماية الفاسدين!!
لم يميزوا بجهلهم بين الدولة والسلطة. وخلطوا عن عمد بين المؤسسات والاشخاص الذين يشغلونها. عملا بالحكمة الصهيونية الاميركية: استراتيجية الارض المحروقة. فلكي تقضي على المقاومة لا بأس عند الفكر الاستعماري من القضاء على البنية التحتية والمجتمع الذي سموه الحاضنة..  
هل يدرك هؤلاء الذين يطالبون باسقاط رئيس الجمهورية او حل المجلس النيابي ما الذي سيحل بالبلد بعد تفريغ كل مؤسساته؟ ما هي المكاسب التي حققها التغيير ومحاربة الفساد من اسقاط الحكومة؟ او من اجبار الحكومة على الاستقالة وتحويلها الى تصريف الاعمال؟ المستفيد الوحيد من كل ذلك هو اجندة الفوضى.
هؤلاء المصرون على حل المجلس النيابي هل يعتقدون ان بالامكان اجراء انتخابات جديدة؟ وماذا تعني الانتخابات غير بقاء الحال على ما هو عليه او انتقال الاكثرية من فريق الى فريق ضمن اللعبة ذاتها والقدرة على التعطيل ذاتها واستمرار الفوضى ذاتها مع تبدل الادوار وانتقال الميكروفون من جهة الى اخرى؟
الان هم يبكون او يتباكون على عدم القدرة على ضبط الاسعار وفوضى الدولار والتهريب وشلل المؤسسات! من الذي يستطيع ان يفعل ذلك غير الدولة؟! التي امعنتم في كسر هيبتها وتباهيتم بذلك دون اي خطة للبديل او استعداد لملء الفراغ.. بل لا يزال البعض يفعل ذلك ضمن مشاريع الزعماء المتناقضة.
باختصار نحن امام استراتيجيتين: اولوية تشكيل حكومة والحفاظ على مؤسسات الدولة والضغط عليها لتنفيذ الاصلاحات. او اسقاط الدولة والعودة الى الكيانات المذهبية والمناطقية، وفوضى الامن والاقتصاد والتحكم بقوت الفقراء وامنهم وبالتالي اعادة توزيع الخرائط الطائفية لا السياسية.
في الحالة الاولى سيبقى الصراع ويمكن ان يشتد من اجل الاصلاح ويزداد احراج الطبقة الحاكمة، ولكن باخراج الشعب من وضعية المخطوف والرهينة. وهذا هو المنطق: ان تكون تضحيات الشعب من اجل مصالحه ضد السلطة لا اداة  لابتزاز الزعماء بعضهم لبعض على حساب الناس ومصالحهم.  
وهكذا نفهم الحرص على الرئاسات والجيش والمؤسسات. انه دفاع عن الدولة لا الاشخاص، حتى تبقى المعادلة: الشعب في مواجهة السلطة. اما في غياب الدولة وهو ما نراه يطل برأسه، فان المعادلات البديلة هي: زعيم ضد زعيم. وطائفة ضد طائفة. ومن خلالها تتسلل مشاريع الحياد والتطبيع والارتهان للخارج.

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري