كتب الأستاذ حليم خاتون:
غداً سوف يتكلم السيد نصرالله....
الصبر والبصيرة...
هل لصبر السيد حدود؟
هل لصبر الناس حدود؟
عشية الحرب السورية، جمعتني الظروف بقريب لي، كنّا تشاركنا بعض أيام وليالي الطفولة، قبل ان نفترق مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان.
ذهب هو إلى الدراسة الدينية في النجف الأشرف، وانخرطت أنا في حلم إعادة بناء لبنان مع يسار، أعتقد لوهلة أنه سوف يغيِّر العالم في بضعة أشهر.
التقينا في أكثر من مناسبة... اختلفنا أحياناً قليلة جدا، واتفقنا في معظم الأحيان...
كان ما يُسمى زوراً بالربيع العربي قد بدأ يطرق أبواب سوريا.
حرصاً على المقاومة، وخوفاً من كمينٍ يُنصب لها، ولأننا نحن، معشر اليساريين، لدينا نوع من التقديس لحركة الجماهير، قلت رأيي يومها، بوجوب عدم التدخل في سوريا..
"دعوا الجماهير تقول كلمتها...".
وافقني قريبي الرأي، وإن لم يوافقني على براءة الحراك الشعبي.
لكنه، ومن موقع مسؤولية ما في حزب الله، أكد أن الحزب لن يسمح لنفسه بالصدام مع الشعب السوري.
في الحقيقة، كان كلامه يحمل أكثر من تأويل، لكني فهمت انا ما أردت أن افهمه، وما أردت أن يحصل.
يجب على الحزب عدم الوقوع في الفخ المذهبي في سوريا.
بضعة أشهر مرّت قبل اللقاء به مرة أخرى، لأطالبه هذه المرة، بالعكس تماماً: يجب على الحزب الدخول إلى سوريا.
فقط الأعمى كان يمكن أن لايرى الأيدي الصهيونية والإمبريالية، وهي تلعب ورقة إخوان الشياطين في تركيا وقطر ومصر وتونس ... كما تفعل اليوم.
كنت أسافر كثيراً بحكم عملي، وكنت أرى مطارات المغرب العربي تعجّ بالإرهابيين يأتون من كل الأصقاع، لركوب الطائرات التركية والسعودية والقطرية، باتجاه مطارات تركيا.
ذكور بين الخامسة أو السادسة عشرة،
والخمسين،
أطلقوا لحاهم،ولبسوا مايسمونه لباساً شرعياً يتوقون للموت في سبيل حورية ما، في "جنة ما، موعودة،
لكنها غير موجودة".
أمس، استمعت مرة أخرى وأخرى للتسجيل الذي وصلني عن موقف حزب الله من محاربة الفساد في لبنان.
يعود السيد حسن إلى تجربة السيد موسى الصدر مع الطبقة السياسية في لبنان، والتي يصفها، بأنها بلا قلب.. حين يتعلق الأمر بالدفاع عن امتيازاتها..
الطبقات الحاكمة، سواء عندنا أو عند غيرنا، هي دوماً دموية حين تدافع عن مصالحها...
هذا ما قالته كتب التاريخ، وهذا ما قالته لنا الشاشات عندما رأينا كيف يقمع البوليس الفرنسي مظاهرات السترات الصفر، أو كيف قمعت الشرطة الأميريكية احتجاجات وول ستريت المعادية للنظام الرأسمالي..
لذا، كان من النادر جداً، تطور أي نظام بشكل جذري دون عنف..
هل هناك إمكانية لخطوات إصلاحية عبر المطالبة السلمية؟
بالطبع، هذه الإمكانية تظلّ موجودة، طالما هذا التغيير الإصلاحي لا يمس جوهر النظام، وطالما هذا الإصلاح ممكن.
لكن هل هو ممكن الآن، في لبنان؟
هل تُقاتل الطبقة الحاكمة وتنزل هي بنفسها إلى الشارع بالسلاح، دفاعا عن مصالحها؟
التاريخ يقول: إن الطبقات الحاكمة تقاتل دوماً بأجساد الفقراء المُغفّلين.
الذين تظاهروا واسقطوا مصدّق في إيران، كانوا من العمال والمزارعين الفقراء..
الذين اضربوا وأسقطوا سلفادور الليندي في تشيلي، كانوا من العمال..
الطبقات العليا أذكى من أن تعلن الحرب بشكل مفضوح وبأهداف مفضوحة.
يجب دوماً تغطية المسألة بلباس ديني أو ديموقراطي أو شيء غيرها، مما يمكنه حشد الأغبياء لخيانة مصالحهم والدفاع عن النظام الذي يستعبدهم.
اللبنانيون ليسوا الشعب الوحيد الساذج الذي يصطف دفاعا عن ذبّاحه.
لذلك، القول بأن الطبقة السياسية اللبنانية هي وحدها بلا قلب، هو قول يفتقد للدقة.
القول الثاني اللافت، هو الإنطلاق من التركيبة المختلطة للشعب اللبناني.
صحيح أن هذه التركيبة خلقت أحزاباً وتياراتٍ مشابهةً لها، بحيث أن كل حزب أو تيار بات يمثل إحدى طوائف التركيبة.
المشكلة التي واجهناها، هي أن الطائف جاء ليرسخ هذه التركيبة بدل التخلص منها.
البنود القليلة التي كان بالإمكان النفاذ منها للإصلاح، جرى منعها بقوة رجال الدين، ونفس الطبقة الحاكمة.
وعندما ذهبنا الى الدوحة، جرى تصحيح طائفي مذهبي هش وبسيط، وكأن هذا ما سوف "يشيل الزير من البير".
جرى ذلك بدل أن يجري إصلاح فعلي يعمل على بناء دولة.
عندما يطالب السيد ببناء دولة قوية عادلة، لا يقول لنا من هي القوى التي سوف تبني هذه الدولة.
الدولة القوية العادلة هي حكماً ضد مصالح هذه الطبقة السياسية الحاكمة، التي يقول عنها السيد: إنها بلا قلب.
فهل يتوقع السيد من هذه الطبقة الحاكمة أن تقوم هي ببناء دولة ونظام ضد مصالحها؟
أليس في هذا، الكثير من حسن النية؟
أليس في هذا الكثير من التناقض؟
كيف تكون هذه الطبقة بلا قلب،
ونصدِّق في الوقت نفسه حسن نواياها لبناء الدولة القوية العادلة؟
سقف حزب الله هو رفض الذهاب الى حرب أهلية.
الشعب اللبناني أيضاً يتمنى عدم الوصول إلى حرب أهلية.
لكن ما العمل؟
لو كان بالإمكان الوصول إلى الإصلاح بالتمني، لكان العالم كله بألف خير.
هل الخروج إلى حكومة وإنذارها بإقامة معامل كهرباء بنفس الشروط الإيرانية خلال ثلاثة أشهر وإلّا فإنّ الإيرانيين سوف يقومون بالعمل؛ هل هكذا عمل يؤدي إلى حرب أهلية؟
هل إنذار الحكومة لجلب بواخرمحروقات بالشروط الإيرانية فوراً وإلا فإن البواخر سوف تأتي إلينا كما ذهبت إلى فنزويلا؛ هل هكذا عمل سوف يؤدي إلى حرب أهلية؟
هل إلزام الحكومة بقبول الهبات الروسية والصينية والإيرانية حرام أم ممنوع؟
هل وجوب القبول بوصاية أمريكا وبريطانيا على مؤسساتنا الأمنية شرط من شروط منع الحرب الأهلية؟
ما سوف يؤدي إلى الحرب، هو عندما يفقد رجل ما صبره الذي طال، حتى وصل إلى القمر، ويخرج من سيارته ويطلق النار على غبي أحمق قرر قطع طريق حيوي لهذا الإنسان.
ما سوف يؤدي إلى حرب أهلية،هو عندما يفقد رجل ما صبره الذي فاق صبر أيّوب ويقرر أخذ القانون بيده، لأنّ القضاء في لبنان لا يطبِّق القانون إلا على الفقراء والبسطاء.
ما سوف يؤدي إلى الحرب، هو حين تقتحم مجموعة من الشباب مستودعات النفط لمصادرته ومنع بيعه في السوق السوداء.
ما يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية، هو أن يقوم مودع بشراء كلاشين واقتحام بيت صاحب المصرف الذي سرق ودائعه، ويتسبب بمجزرة نجمها الحقيقي هو السارق وليس المُقتحم.
ما يجري في لبنان، ليس مجرد إفلاس....
ما يجري في لبنان، هو ما جرى التخطيط له وما بُدِئَ بتنفيذه منذ عقود...
أجل ياسيد،إنها نظرية المؤامرة.
ما يجري هو حرب من نوع آخر....
فشلوا سنة 82...
تكرر الفشل سنةً بعد أُخرى، فبدأوا بإغراقنا لنصل إلى هذا اليوم.
عدة مرّات، جربوادون جدوى.
سنة 2000، سنة 2006،... سنة 2008 مع فؤاد السنيورة... ووليد جنبلاط..
من ينفذ أوامر الأمريكيين، ليس قدِّيساً يمكن إقناعه بكلام محمد أو المسيح.
هؤلاء غير قابلين للشراكة.
هؤلاء مصّاصو دماء الشعوب، كما امتصّوا الودائع والثروة من الوطن وشحنوها إلى الخارج.
مع هؤلاء لا تنفع لا محبّة المسيح، ولا رحمة الله وشفاعة نبيّه.
مع هؤلاء ينفع فقط سيف يخرج على الكافرين بحقوق الناس، لا يترك منهم مبشرا.