كتب الأستاذ حليم خاتون:
لو كان القيًمون على مناهج التدريس في الوطن العربي الكبير يريدون فعلا الِارتقاء بالشعور الوطني والقومي إلى مستواه الأعلى، لضمّنوا هذه المناهج الكثير مما يتضمّنه الادب والتاريخ العالمي من حكايات نضالية عظيمة، لشعوب دخلت التاريخ من بابه العريض الواسع، عبر نضال مستميت حتى الوصول إلى الحقوق..
في مقولته الشهيرة، يقول الدكتور جورج حبش: إن ّالأمل الكبير لتحرير فلسطين، يعتمد على وطنية الصهاينة أكثر مما يعتمد على وطنية الفلسطينيين...
هل كان حكيم الثورة الفلسطينية على حق؟
نظرة سريعة على تلك المناهج العربية، تُظهر إلى أي مدى وصلت الضحالة
التربوية والفكرية فعلاً، عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية والقومية الكبرى...
إن دراسة تاريخ الحركة الصهيونية ليس مجرد قصة اغتصاب فلسطين،
والدور الخياني الذي لعبته الأطراف العربية الخاضعة لقوى الِاستعمار في منطقتنا...
إن دراسة تاريخ الحركة الصهيونية يجب أن يعود إلى أصول الدعوة الصهيونية منذ النفي البابلي الأول، بل حتى إلى يوم خضوع اليهود المشروط لإرادة الإمبراطورية الرومانية... حيث كانوا يتمتّعون بنوع من "الحكم الذاتي"، لم تعرفه المجتمعات الأخرى...
لا شكّ أن اليهود تعرّضوا إلى الكثير من الاضطهاد في معظم المجتمعات والدول التي تواجدوا داخلها، مثلهم مثل الكثيرين من الأقلّيات الدينية أو العرقية...
صحيح أن اضطهادهم لم يصل إلى الإبادة الكاملة التي تعرض لها سكان القارتين الأمريكية والأوقيانية مثلا، أو الِاستعباد الكامل الذي تعرض له ذوو البشرة السوداء أوالسمراء من أفريقيا، لكنهم،في إسبانيا مثلاً، تعرضوا إلى ما تعرض له المسلمون من مذابح... هم أبرزوها ولا زالوا يطالبون بالِانصاف التاريخي الذي حصلوا على بعضه، في الوقت الذي ينام فيه المسلمون على قبول مذلّ وصمت شبه مُطبق، على كل ما جرى لكل من كانت له ولو صلة بسيطة في كامل شبه الجزيرة الإيبيرية بالإسلام والمسلمين...
أدّى هذا الاضطهاد ضد اليهود في المجتمعات المتقدمة في أوروبا، إلى تداعي كبار ممثلي الجاليات اليهودية إلى عقد مؤتمر في مدينة بازل السويسرية لبحث هذا الاضطهاد والظلم الناتج عنه، ومحاولة الوصول إلى حلول...
جرت نقاشات حادّة ومستفيضة كادت أن تحوًل وُجهة الحلم الصهيوني من فلسطين باتجاه منطقة أوغندا الغنية بالذهب والثروات في أفريقيا...
لكنّ رفض الأكثرية لما يعتبرونه الحق التاريخي في فلسطين، فرض البدء بالخطوة الأولى في رحلة الألف ميل من الحلم الصهيوني...
كان معظم كبار أغنياء اليهود يعيشون على أراضي الإمبراطوريات الأوروبية الكبرى.
لكن هذا لم يمنعهم من التوجّه شرقا والعمل ضمن وداخل دولة السلطنة العثمانية التي كانت تسيطر على كل أراضي الحلم الصهيوني، وبالأخص القلب منه، فلسطين.
ورغم إصرار الكثير من "الإسلامويين" على تبرئة دولة الخلافة العثمانية من
دم "يوسف"، فإن طلائع الهجرة الِاستيطانية الصهيونية إلى فلسطين، بدأت مباشرة بعد مؤتمر بازل، واستمرّت حتى نشوب الحرب العالمية الأولى...
صحيح أن السلطان عبدالحميد رفض فكرة التخلي عن القدس، ولكن الصحيح أيضاً، أنه سمح لأموال الِاستيطان أن تفعل فعلها الأول، حيث بدأت الحركة الصهيونية بإنشاء
مستوطنات مُغلقة في الريف، وبدأت عائلات صهيونية بالدخول وشراء البيوت والأراضي في المدن الفلسطينية الأساسية...
ولأن بريطانيا وافقت على إعطائهم فلسطين، عبر وعد بلفور، عمل الصهاينة على مدِّ الإمبراطورية البريطانية بالتمويل اللازم للحرب والإنتصار...
والذي يراجع تاريخ تلك الحقبة، يجد أن الصهاينة كانوا هم من يدير الحرب،إلى درجة أنهم هم من لعب الدور الأساسي في دخول أميريكا الحرب إلى جانب بريطانيا للفوز بفلسطين... رغم قوة الجالية الأمريكية من أصول ألمانية والتي كانت تدفع باتجاه التحالف مع المانيا، أو على الأقل الوقوف على الحياد...
رأى الصهاينة المستقبل وقرؤوه جيدا... حتى قبل الحرب العالمية الأولى.
لا يكفي أن يكونوا أقوياء في أوروبا فقط، فالدولة الأمريكية بدأت تظهر كقوة عظمى...
لجأوا إلى خلق مراكز نفوذ لهم في أمريكا، ما مكّنهم من جرّ الأميركيين إلى حيث يريدون، خلال الحرب...
ورغم سيطرة أغنياء اليهود على الحركة الصهيونية، إلا أنهم رأوا جيداً أيضاً أنّ هناك قوة صاعدة ورثت روسيا وكل مستعمراتها...
صحيح أن الدولة السوفياتية تدعو إلى الِاشتراكية وترفض الخضوع لرأس المال،
إلا أنه يجب إيجاد مراكز نفوذ قوية داخل هذه الدولة تعتمد على الكثافة السكانية اليهودية هناك منذ روسيا القيصرية...
تغلغل الصهاينة حتى داخل الحزب الشيوعي السوفياتي...
ومع أن تصفية تروتسكي والكثير من قادة البلاشفة من أصول يهودية، إلا أن الحديث لم يتوقف عن إنشاء أول دولة ذات طابع "إشتراكي" عبر الكيبوتزات (مستعمرات زراعية تشبه الكولخوزات السوفياتية).
هكذا، لم تربط الحركة الصهيونية نفسها بأي محور محدد؛ حتى، يُقال: إنّ هذه الحركة حافظت على علاقة، حتى مع النازيين عبر القول لهم: إنّ أفضل طريقة للتخلّص من يهود ألمانيا وأوروبا هي إرسالهم الى فلسطين.
كانت الصهيونية قوية في كافة الدول المحورية، وكلّ فريق يعمل ضمن مصالح هذه الدولة، لكن ضمن نهج كسبها لصالح المشروع الصهيوني.
لذلك، عندما طُرح مشروع تقسيم فلسطين وافقت عليه كل الدول العظمى، وعندما هبّ الفلسطينيون
للدفاع عن وطنهم جاءت الفيالق العسكرية اليهودية التي خدمت ضمن كل الجيوش في الحرب العالمية الثانية.
جاءت هذه الفيالق، من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا واميركا الرأسمالية، كما جاءت من بولندا وأوكرانيا ورومانيا وروسيا الاشتراكية...
والسلاح الذي تدفق إلى الصهاينة كان ما تركه الجيش البريطاني في أيدي الصهاينة بالإضافة إلى ما وصل من البلدان الإشتراكية...
ولم يتورّع حتى بعض الشيوعيين العرب عن وصف اسرائيل، بواحة الديموقراطية وسط ديكتاتوريات من القرون الوسطى!!!!
حتى القنبلة الذرية التي أعطاها العالِم اليهودي الألماني الأصل إلى أميركا، هي نفسها التي هرّب أسرارها إلى الإتحاد السوفياتي زوجان يهوديان كانا ضمن مركز الأبحاث الذرية البريطانية واللذان أعدما بعد كشف عمالتهما للإتحاد السوفياني في حين كرمتهما إسرائيل بإطلاق اسمهما على أهم شوارع تل أبيب....
إسرائيل التي يعتبرها الغرب، واميركا تحديدا كقاعدة متقدمة للإستعمار الغربي في الشرق الاوسط؛
إسرائيل هذه رأت ومنذ وقت طويل صعود الإقتصاد الصيني.
إسرائيل أعادت توزيع بيضها على كل السلاّت.
الصين سوف تُصبح الدولة رقم واحد في العالم... لذلك نسجت إسرائيل علاقات شبه استراتيجية مع هذه الدولة الصاعدة...
جماعة أميركا والغرب في لبنان، لا يريدون أن ترمًم الصين مرفأ بيروت...
الصين هي من قام بتوسيع وتطوير مرفأ حيفا...
لبنانيو أميركا والغرب لا يريدون استثمارات صينية في لبنان، حيث يفتخر فؤاد السنيورة أنه رفض حين كان يرأس الحكومة إعطاء تأشيرات لرجال الاعمال الصينيين الذين أرادوا المجيء إلى لبنان..
الصين تستثمر في فلسطين المحتلة بما يزيد على 15مليار دولار....
لبنانيو السعودية كانوا يهلًلون ويرقصون فرحا في الشوارع التي يطلقون عليها أسماء ملوك بني سعود حين كان هؤلاء يضعون وديعة بمليار دولار في مصرف لبنان،
ويفعلون الشيء نفسه حين كانت الٱمارات تبتسم في وجه اتباعها حتى دون أي وديعة...
هذه الإمارات نفسها، تبين أن علاقاتها مع الصهاينة تعود إلى عقود مضت، ولن يمض وقت طويل قبل أن نكتشف أن السعوديين كانوا أكثر كرما منهم...
الإمارات هذه قررت استثمارات في فلسطين المحتلة لأكثر من 12مليار دولار ومشاركة في مرفأ حيفا وسكة حديد تربط الخليج بفلسطين... ومن يعرف، ربما نكتشف غدا أيضا أنهم "يستثمرون" في مفاعل ديمونا!!!
هل للعهر حدود؟؟
عندما ينظر المرء إلى سياسيي لبنان ولبنانيي اميركا والسعودية... يعرف أن العاهرة، حتى ولو ناظرت بالعفّة، لن تكون سوى عاهرة..



