كتب د. عادل سمارة:
لقد تمأسست تبعية العالم الثالث (اي المحيط) للمركز الراسمالي/الإمبريالي على نحو يصعب الفكاك منه منذ ثلاثينات القرن العشرين، أي قبل قرن تقريباً، حيث أثمر إدخال المركز الإمبريالي للتصنيع والتقنية المتقدمة في الزراعة الأمر الذي قاد إلى إنتاج فوائض زراعية غذائية في المركز سمحت له بتخفيف او إنهاء استيراده المنتجات الزراعية من المحيط.
أما المحيط بدوره فقد تخلف حتى عن كفاية نفسه سواء لتخلف أدوات الإنتاج أو للتكاثر العددي للسكان أو لوجود أنظمة تأخذه باتجاه التبعية لا التنمية أو لعوامل أخرى فتحول العديد من بلدانه إلى مستورد للمنتجات الزراعية كما الصناعية ناهيك عن الخدمات وكانت النتيجة مأسسة معولمة للتبعية.
لاحظ ذلك الاقتصادي الأرجنتيني راؤول بريبتش في بداية اربعينات القرن العشرين حيث كتب عن تدهور حصة المحيط في التجارة الدولية وذلك من موقعه في مؤسسة إكلا UCLA المعنية بشؤون امريكا اللاتينية في الأمم المتحدة حينها.
استمر هذا الإنحدار في بلدان المحيط وتجلى في فقدانها الأمن الغذائي لتكتشف بأن هذا الفقدان أخطر من فقدان الأمن الدفاعي أو التسليحي لأن الغذاء يرغمها على التبعية. هذا رغم أنه يقود إلى توسع وتعمُّق الحلقة المفرغة هذه بمعنى :
• زيادة الاعتماد الغذائي على المركز
• زيادة تدخل المركز في اقتصادها اي نهب بل تقشيط ثرواتها
• توجه المركز لشراء أراضي رخيصة فيها وزراعتها بتقنية متقدمة
• تشغيل محليين في هذه المشاريع ليكونوا "طبقة عاملة" بأجور عالية مميزة ومتخارجة عن الطبقة العاملة المحلية مما يضعف النضال العمالي حتى النقابي.
• إدخال هذه البلدان في تحالفات عسكرية مع الإمبريالية،
• ارغام هذه البلدان على تبني الانفتاح الاقتصادي أو إعادة التصحيح الهيكلي بما فيه من تقليص خدمات الدولة وخاصة في التعليم والصحة وطبعاً التنمية...الخ
وسؤالنا اليوم هو التالي:
بعد مرور عام على وباء كورونا (كوفيد19) وتبني معظم دول العالم لسياسات الإغلاق أي اعتقال الشعب في البيوت، وتراجع الإنتاج العالمي وخاصة الغذائي حيث ستكشف الأرقام عن ارتفاع وندرة المواد الغذائية في السوق العالمية مما يؤكد تأثير ذلك على الفقراء من حيث المناعة والعناية الصحية بشكل ملحوظ وخاصة على بلدان المحيط.
وهذا يطرح السؤال: هل يمكن للمحيط استغلال هذه التطورات لتبني :
• إما شعبيا موديل التنمية بالحماية الشعبية
• أو التبني الرسمي النسبي لفك الارتباط؟
تدخل هنا مسألة الريع بمعنى أن ندرة المواد الغذائية تُقنع أو تُغري باستغلال الأرض ضعيفة الإنتاجية اي ان ارتفاع ثمن المنتجات يعوض تدني الإنتاجية فيتم استغلال الأرض اكثر وبالتالي توفير نسبة من الأغذية ولو في نطاق الزراعة الأُسرية، وهذا يذكرنا بانتفاضة 1987 والتوجه للزراعة. ومما يقنع اكثر بهذا التوجه ما يُشاع عن هذا الوباء ب:
• أن أية جرعة لقاح لا تحمي بشكل طويل من الإصابة به مجدداً
• هذا الوباء يتناسل بأوبئة أخرى
• أما اللقاح فلا يعرف أحد مفاعيله لاحقاً،
• وكل هذا يصب إلى حد كبير في خانة إثارة الهلع من هذا الوباء.
ما يهمنا في هذا السياق أن إمكانية استغلال الأرض واردة لأنه قيد الإمكان بأدوات وتقنية بسيطة ومتوسطة ومتطورة ايضا.أي ان غياب التقنية المتقدمة لا يعيق استخدام التقنية البسيطة والمتوسطة وهما متوفرتين.
منذ أكثر من عقدين تحولت الصين إلى قوة تصديرية للعالم بما في ذلك المنتجات الغذائية إلى حد ما. ومع تطور مستوى المعيشة هناك و "هرم قوة العمل ايضا"، يرى كثير من الاقتصادين، أن ذلك يفتح المجال لبلدان أخرى كي تُنتج بكلفة اقل من الصين حيث تقبل القوة العاملة فيها بأجور أقل مما يقلل كلفة المنتوج ويرشحون الهند وفيتنام وإندونيسيا ...الخ لذلك. بل يرى البعض أن زخم قوة الطبقة العاملة في الصين يتراجع بعد طفرة الثلاثين سنة الماضية.
وإذا صح هذا التقدير، إلى جانب تراجع متزايد في الإنتاج العالمي للغذاء، فذلك يعني توفر فرصة افضل لقيام بلدان المحيط بإنتاج أوسع للمواد الغذائية.
ولعل ميزة هذا التوجه أو هذه الفرصة كامنة في تمكُّن هذه الدول من تحقيق قدر أعلى من الأمن الغذائي والصحي ايضا وكذلك فك ارتباط ولونسبي مع المركز الإمبريالي.
وهنا يبقى السؤال :
• هل تتبلورفي هذه البلدان حركات اجتماعية سياسية تتبنى موديل التنمية بالحماية الشعبية، هذا علماً بأن الحاجة للغذاء تدفع الناس لبذل او الاقتناع ببذل الجهد الجسدي في العمل الزراعي إذا لم تتوفر أدوات الإنتاج الأقل حاجة للجهد الجسدي.
• هل تتمكن الطبقات الشعبية من إرغام الأنظمة التابعة على تبني درجة من التنمية بفك الارتباط أو تقلب هذه الأنظمة؟
• طبعاً تُستثنى من هذه الأسس الإنسانية أنظمة الخليج النفطي التي تتوفر على مداخيل عالية ، وإن أقل من سنوات سابقة، وتفتقر لأي حس إنساني وقومي وتستهلك بشكل شره وليس لديها اي قرار سيادي.
كيف يمكن قراءة اقتصاد عالمي عالي التقنية الى جانب اقتصاد عمل يدوي ضروري للبقاء؟:
• الأول إلى الفضاء
• والثاني على حافة البقاء.