ننثر قصاصات حول الصدر ، محمد باقر الصدر ، اسم جامع للفكر الإنساني، تفرعت جوانبه بتفرع اشكال الفكر العالمي.
انه قامة علمية قل نظيرها ، عبقرية طوعت كل ما افرزه الفكر والجهد الإنساني في العصر الحديث من أسس مادية، وفلسفة وجودية ، ومذاهب شتى اطرت حركة التاريخ، و كل النظم الاجتماعية التي جعلت من انسان العصر الحديث مكبلا. حررها الصدر بفكره عندما وجه الإنسانية إلى البديل .
يعتبر الصدر مؤسس النسق الإسلامي بابعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية،جعل من هذا النسق على قدم المساواة مع الأنظمة الأخرى الفاعلة في الساحة العالمية. فهو اول من وضع دستور الثورة الايرانية العظيمة، قاد هذه الثورة قادة عظام الامام الخميني ، الامام محمد باقر الصدر ، انها باقية حية الى اليوم تراها تكبر في رحاب الاسلام ولا تزال كلمات الصدر وقوانينه ترفدها بالحياة والاستمرارية ، ولا تزال تغدق على العالم بقيادات فذة ، تقارع الاستكبار تحت راية الامام الخامنئي.
مقولة الصدر الشهيرة "ذوبوا في هذه الثورة" فها هو كل من ذاب فيها يصاعد من الزخم المعنوي لمناعة وقوة هذه الثورة ، التي اخرجت أمريكا من قاعة اممية حول الملف النووي. تعددت أبعاد الصدر ،فتعدد أثر ارثه الفكري عمليا، في بقعة جغرافية، من لبنان إلى إيران، تعتبر العقبة الكؤود امام المنهج الرأسمالي.
ومن هذه الابعاد، هو انت ايها الباحث ، يامن تبحث في مقتنيات الصدر ، وتفتش بين نظرياته ، وتقلب صفحات كتبه ، وعندما يكون هو موضوعك ، فانك عندما تكتب ، ومن دون أن يكون في الحسبان ، من انك ستكون خلف كلمات الصدر ، المستهدف الثاني بعده.
فستفرض عليك معركة العزيمة والصبر ، وما عليك إلا الانتصار فيها.
عندما تكتب عن الصدر ستكون هناك ، وبانتظارك ترسانة من العيون المدججة بسلاحها الرأسمالي، تراقب كلماتك ، وتحط من عزيمتك ، وتجعل من صفحاتك التي تكتبها بحبر والم ودموع على فكر الصدر إلى هشيما تذروه الرياح ، فتسرق منك ما كتبت وتغزوك وانت في عقر دارك امام جهازك .
فتستباح انت وبيتك وكلماتك. واما كلماتك هل فيها جرأة الصدر؟ فيمعنوا فيك الاذى ، فيرشقونك بفايروسات تكنلوجياتهم ، ويوجهوا سهامهم اليك ، ويريدون بك الى غيابت الجب ، عالم افتراضي، بين التهديد والوعيد والعبث ، يحسبون كل صيحة عليهم. هل ستدك قلاعهم الهشة كما فعل الصدر ؟ هل ستكشف في أي وهم يعيش العالم ؟ وفي أي ظلمات يسير ؟ ونحو اي هاوية سينزلق فيها العالم ؟ فيجعلونك تعيش في ظلمات ، لأنك أصبحت مزعجا بصدرك، الذي أصبح من الماضي ، لماذا تقرع الحصون الهشة مجددا.
لماذا تحاصرها بافكار الصدر الذي يضيق عليهم الخناق . تبقى ذكرى الصدر لا تفارق مخيلتك، هل تبكي على هذه القامة العلمية ، وما الم بها ، ام تبكي على قصاصات ابحاثك الصدرية التي تبحث عن ثقب لترى النور .
ابقى عاجزا عن تصور حالة الصدر في وقتها ، يا ترى ما هو عدد العيون التي كانت تحيط به ، كم مرة احصيت، حركاته وسكناته وأنفاسه، كم مرة تعرض للاختناق وانفرد فكره مع قاتله. والمؤلم انك كنت تعلمهم ، واقف احتراما امام صبرك على الضيم الذي لحق بك.
لكن اتعلم سيدي، انهم إلى اليوم يخافونك، يخافون بناءك العلمي ، وصرحك الفكري ، كل يوم يريدون خنق كلماتك. هذه الكلمات التي تشتاقها أزقة النجف العتيقة ، لتروي ضفاف الرافدين العطشى.
*الصدر وانت وأمريكا*
من المؤكد عندما تختار أن تكتب عن الصدر ، سيكون الباحث من دون أن يشعر بين اشكاليتين: الأولى طريق الصدر ، حاملا هموم الإنسانية، يشاركها بحثها الدؤوب عن العدالة ، الخلاص من الظلم ، من العبودية ،فيفتح لك آفاقا علمية وفلسفية ، يبني لك منظرا لدولة العدل الإلهي، القائمة على العدل والمساواة والمقياس هو التقوى، فيضع الحلول لمعظلات الإنسانية. ويقودها نحو الله جل شأنه
والطريق الثاني طريق أمريكا، باعتبارها الممثل الرسمي للرأسمالية، أمريكا التي امتصت اليوم صدر العراق النازف ، وتحاول أن تقطعه وتجزئه. فكان هذا الصدر وثيقة ارختها أمريكا ،انها الحقيقة التاريخية وثقتها بيديها ،من انها حضارة خاوية من الأخلاق والفارغة من الروح ، وسوف تبقى ما جنته على صدر الإنسانية من اهوال ،وصمة في تاريخ حضارتها المادية.
فالارقى لك كباحث ان تختار صدر الإنسانية، تبقى متنقلا بين العلماء ، بين الكبار ، في عالم الأفكار وبراعته ، كأنه بحر لجي، فيه تتربع قواعد الفكر، واسس الفلسفة ، وهدف الوجود، فنتعلم كيف نستقرأ، وكيف نستنبط. فليكن علمنا علميا روحيا أخلاقيا، لا مجال فيه للعلم الجاهل القائم على النوازع ولننطلق من إشكالية: ما هو الانفع للإنسان هل بواطنه المعنوية المعذبة الباحثة عن الكمال على أرض الواقع ؟ بتحاول الوصول إليه ضمن منظومة أخلاقية متعالية.
أم مادية الأشياء المحيطة به؟ وكيفية الانتفاع منها إلى أبعد الحدود . إنها حركة ، فكيف تدب الحركة في المادة ، والإنسان بجسده المادي سابق بالحركة. عن غيره من الاشياء. ولو كان العالم ماديا، كما تزعم الرأسمالية، ولا توجد فيه اي اعتبارات روحية وأخلاقية ، ؟ فما مدى صحة مفهوم المادة ،أين يكمن سر الوجود الانساني وسعادته ؟ هل هو في العدالة والحرية؟ ام من المادة وتنظيرها للعدالة والحرية؟ وخاصة إذا ما علمنا أن العلم الحديث اثبت أن المادة تتكون من وحدات منفصلة تدعى الذرات فما معنى الذرة ؟ الجزيئة؟ فعلى اي مستند تم الارتكاز عليه لتنظر لنا الرأسمالية رؤيتها عن العدالة ، وعن اي حرية يتحدثون!
موسوعة الصدر قناديل تنير درب الانسانية ، فيأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون . ولا تزال نظرياته بحاجة إلى اكتشاف شجاع متجدد ، من قبل رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ، في ليل العالم المظلم.
رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية العربية الاوربية في باريس
( د. عامر الربيعي )



