كتب غسان أبو نجم:
ان تكون عروبيا يعني أن تحمل همك الوطني والقومي في آن معا مؤمنا بعدالة قضيتك الوطنية ومدركا عمقها القومي, بدون ذلك يصبح الحديث عن العروبة هرطقة فكرية او محاولات من البعض لتمييع العلاقة الجدلية بين ما هو وطني وما هو قومي لتنفيذ اجندته الخاصة وفلسفته المعادية للمشروع القومي العربي تنفيذا لسياسة الشرق الأوسط الجديد القائم على تقسيم واعادة تقسيم الوطن العربي لارهاق بلدانه المرهقة اصلا لضمان التبعية الكاملة للمركز الفرانكفوري والانجلوسكسوني الامريكي والمتحد الاوروبي والمساهمة في تقوية الكيان الصهيوني الصاعد للاعلى بسبب ضعف المحيط به.
لم يكن ليخفى على شخص مثل عزمي بشارة الشيوعي القديم وسكرتير لجنة الحزب الشيوعي(الاسرائيلي)فى المانيا الشرقية العلاقة الجدلية بين ما هو وطني وما هو قومي وارتباط العامل الوطني والقومي بعلاقة تكاملية يصعب تفككها بحكم عوامل الارتباط الجغرافي والتاريخي واللغة والهم العام, (طموح الجماهير العربيه في الوحدة والحرية والاشتراكية) الذي يجمع بين مكونات هذه القومية وايضا لم يكن يخفى على عزمي بشارة القومي العربي المتحول من الحزب الشيوعي الذي حمل لواء الناصرية لتبرير خروجه من عضوية الحزب الشيوعي ماذا يعني أن تكون قوميا عربيا وهنا مكمن الخطر في دور ورؤية عزمي بشارة في محاربته للفكر القومي العربي.
لقد تبجح عزمي بشارة في رفضه واستنكاره لمفهوم القومية العربية واكد في العديد من اللقاءات والمحاضرات والندوات انه يرفض الفكر القومي ويعتبره ديماغوجيا مع انه يطرح نفسه كمفكر عربي وهنا المفارقه وان هناك قوميه ثقافية عروبية هي المفهوم السائد والذي حسب رؤيته بدا مقنعا للكثير من المفكرين العرب ويرى ان(هناك عروبة ثقافية يمكن تسيسها لتلعب دورا هاما في توحيد المجتمعات العربية على اسس حديثة) راجع مقابلته مع الجزيرة نت تحت عنوان للثورات العربية منطلق بتاريخ ٢٠١١/٣/٢٤ وهذا فهم خطير للقومية العربية.
ربما للوهلة الأولى لا يسترعي اهتمام القارئ مغزى القومية الثقافية العربيه ولكن هذا الفهم يحتوى فلسفة صهيونية ناتجة عن عقلية صهيونية ترتدي عباءة عربية قطرية لتعزيز حالة الانقسام التي يشهدها الوطن العربي بعد الربيع العربي المزعوم.
ان اعتماد مفهوم قومية ثقافية عربية هو اقتصار العلاقة القائمة بين مكونات الامة العربية على مفاهيم ثقافية متوارثه جعلت ارتباطها ببعضها نتيجة ثقافة عروبية غير مستندة لواقع عملي على الارض ودون اسس مادية واقعية لهذه الثقافة مما جعل ارتباط مكونات هذه الامة على عوامل وجدانية عاطفية ثقافية وبالتالي لا وجود مادي حقيقي يشكل المقومات الأساسية لهذه القومية العربية وبالتالي انتفاء مكونات هذه الامة الاساسية من ارض ولغة وتاريخ مشترك وهذا ما اراد مهندسو الربيع العربي الوصول اليه من خلال تفتيت الامة العربية واشغال كل بلد من بلدانه بهمه الوطني دون الثقة بان بلدان هذه الامة مهتم كثيرا بحل ازمته الخاصه اي بالمعنى النظري هو فصل الخاص عن العام والغاء العلاقة ما بينهما دون مقدرة العام على احتواء الخاص وعدم قدرة الخاص على التوائم مع العام.
كنت قد وضحت في مقالتي السابقة عزمي بشارة والربيع العربي الصادرة في مجلة كنعان العدد ٤٢٥١ الصادر بتاريخ ٢٠١٦/٩/٦ كيف نجح مهندسو الربيع العربي ومشروع الشرق الأوسط الجديد في تعزيز الانقسام واعادة تقسيم الوطن العربي وتحويله الى كانتونات سياسيه دينيه ثقافيه كما حدث في العراق دولة سنيه واخرى شيعية وثالثة كردية وما حاول فرضه في سوريا دوله علويه واخرى سنيه واخرى كرديه او كانتونات جهويه كما حدث في ليبيا..بمعنى ان يتم تقسيم المقسم واعادة تقسيمه من جديد لينتفي بذلك اهم عوامل الوحدة وهو الارض او الجغرافيا المشتركة ويبطل الحديث عن وطن عربي كبير وارض عربية مشتركة وانما دويلات او كانتونات سياسيه دينيه ثقافيه يمكن لها ايجاد صيغة حديثة تتوحد من خلالها هذا من جهة ومن خلال اسقاط عامل الوحدة الجغرافية المشترك يصبح الحديث عن سوق عربيه مشتركة وثقافة عربية او تنمية عربية وهم عربي مشترك اضغاث احلام او ضرورة تحرير فلسطين او القضية الفلسطينية بانها القضية المركزية للامة العربية ضربا من الفلسفة البائدة وان فلسطين هي هم وقضية فلسطينية لا تعني التونسي او الليبي او السعودي وبالتالي يصبح قضية حلها شان فلسطيني صهيوني بحت وهو ما اراده مشغلو عزمي بشارة ومهندسو مشروعه الجديد بان لا عمق عربي للقضية الفلسطينية ولا هم عربي بتحريرها وليس امامكم سوى الصهاينة للتعايش وايجاد صيغة للعيش المشترك بين مكونات من يعيشون على الارض الواحدة وهي فلسطين التاريخية ضمن دولة المواطنين الذي ابتدعه عزمي بشارة حيث اعتبر ان الفلسطيني والصهيوني المغتصب مواطنون لهم حقوق وواجبات المواطن ضمن دولة واحدة يتعايش فيها الضحية والجلاد معا وهذا ما ساقوم بمعالجته في مقالتي القادمة.
مما تقدم نجد انفسنا امام عقلية صهيونية بحته مغلفة بعباءة عربية وتتمركز في دولة عربية هي قطر وبالمناسبة لم يكن ممكننا لعزمي بشارة طرح هذه الرؤى والمفاهيم من داخل الوطن المحتل كعضو كنيست (اسرائيلي) لما يعني حساسية المواطن العربي تجاه العدو الصهيوني فاختار له مشغلوه بلدا عربيا هي قطر لما تتحلى به هذه المشيخة من امكانات وعلاقات وثيقة مع المحتل الصهيوني وباعتبارها قاعدة عسكرية متقدمة للامبريالية الامريكية التي اوجدت قاعدة العديد بها ابان غزو العراق وانشأت قناة الجزيرة للتجهيز لبث سموم الفتنة والتخريب في الوطن العربي وتجهيز طابور سادس ثقافي يتولى تزييف وعي الجماهير العربية ويرتدي عباءة العربي الجديد ولكن بعقلية صهيونية تبرر وتنظر وتفبرك مفاهيم الهدف الاساسي منها خدمة المغتصب الصهيوني في ضرب المشروع النهضوي العربي وتسييد مفهوم الشرق الأوسط الجديد.