كتب موسى عبّاس : فنّ الصبر عند الشعوب العربية أم فنّ التخدير؟
ثقافة
كتب موسى عبّاس : فنّ الصبر عند الشعوب العربية أم فنّ التخدير؟
موسى عباس
19 نيسان 2021 , 00:05 ص
كتب موسى عبّاس:   تمثّلُ  الإستبدادُ بالحكّام العرب ولمّا سألوه من أنت  فأجاب : "أنا الشَر، وأبي الظُلم، وأمّي  الإساءة، وأخي إبليس، وأختي المَسكَنَة، وعمّي القهر ، وخالي الفساد". ولمّا طُ

كتب موسى عبّاس:

 

تمثّلُ  الإستبدادُ بالحكّام العرب ولمّا سألوه من أنت  فأجاب :

"أنا الشَر، وأبي الظُلم، وأمّي  الإساءة، وأخي إبليس، وأختي المَسكَنَة، وعمّي القهر ، وخالي الفساد".

ولمّا طُلِب من الشعب العربي أن ينتسِبْ قال:

 والدي المظلوم ،وأنا المقهور، أخي المسجون ،والدتنا الفاقة، وإبني وإبنتي الفقر، عشيرتنا الجهل والغباء ،وطننا الخراب . 

 

في بلادنا حكّامٌ قتلوا الماضي والحاضر  يخططون لقتل المستقبل .

بلاد العرب ، أبوابها مُخلّعة وبلا نوافذ من شاء اغتصابها يدخل حجرتها دون استئذان، أمّة عربية ممزّقة رسالتها  باتت رسالات في أيدي غير مؤتمنة إلّا من رحمهم الله فوقاهم. 

أمّة عبارة عن جثّة مترامية من المحيط إلى الخليج، من موريتانيا إلى سلطنة عُمان،ومن البحرِ إلى البحر من المغرب إلى لبنان زحفاً حتى اليمن الذي كان سعيداً مروراً بجزرِ القُمر ملعب الفرنسيين وصولاً إلى الصومال التي لا يَعرف عنها سلاطين الحُكم العربي سوى أنّ منها يأتيهم الموز الصومالي .

حكّامٌ نرجسيّون لا يرون إلاّ أنفسهم ولا يأبهون لشعوبهم ، يرون ذواتَهم فوق البشر نرجسيتهم أوصلت بعضهم إلى الإعتقاد بأنّهم مُرسَلون  معصومون عن كلّ خطأ أو زلَلْ  وأنّ على رعاياهم أن يحمدوهم ويشكرونهم  على نِعمةِ قيادتهم.

رؤساء وأمراء وملوك وسلاطين لم يتركوا رذيلةً لم يتقنوا معاقرتها ولا موبقةً إلا ونادموها ، يدفعون شعوبهم دفعاً نحو كُرهِهم والحقد عليهم، لأسبابٍ لا تُحصى، بدءًا  من الفساد المستشري  وصولاً إلى قمع الحرّيّات التي تكفّلتها الأخلاق والشرائع السماوية والقوانين الموضوعة، لكنّها أضحت حبراً  على ورقٍ بَلِيَ وأكَلَهُ العفَنْ  فاندثرت  الكلمات التي كانت مُدوّنةً،ليس بفعل تقادم الزمن وإنّما بفعل تجاهلها والرَّكنِ في الزوايا المُعتِمة بفعل التضليل ،أو على رفوفٍ غطّاها غُبار الفسوق والفجور وتراكمت عليها دنايا عُهر من يتولى السلطة.

حكّامٌ تهون عندهم دماء شعوبهم فلا قيمة لها، فهل هناك صفحة واحدة في التاريخ العربي إّلا وترصّعت بالدّماء التي أُهرِقت بفعل السّحل والقتل والإغتيالات والفتن الطائفية والحروب الأخويّة .

منذ القِدَم ، في زمن دول الخلافة المترامية الأطراف، منذ الأمويين والعباسيين والمماليك وصولاً إلى العثمانيين مروراً بعصر الدويلات  كان الحاكم يقتل أخيه خوفاً من أن ينازعه السلطة ، كان يتسلّط على الشرق والغرب عبر الوُلاة،كان شعاره  "أنا ولا أحد" والفساد والظلم والجور والطغيان ينتشر من ديوان الخلافة إلى ديوان الجند مروراً  بديوان القضاء، ولا زال الأمر نفسه يتكرّر في ممالك وإمارات بني  عبد الوهّاب وبني قحطان وبني عدنان وبني حام.

في العديد من الدول العربية القائمة حالّيّاً، التقارير الأجنبية تؤكّد  أن السلطات فيها لجأت إلى خدمات الشركات الأوروبية والصهيونية ، مثل "غاما "البريطانية وفريق "القرصنة"الإيطالي، وشركة "إن إس أو" (NSO) الصهيونية، للتجسس على المعارضين من خلال التنصُت على الهاتف والتحكّم في البيانات الشخصية ، وهكذا تمّ زجّ الآلاف في السجون .

تحالفَ العُتاةُ مع أبالسة العصور لأجل قهْرِ جيرانهم لمُجرّد أن أرادوا الإستقلال عن تبعيّتهم لهم ، عاثوا في ديارهم خراباً وتدميراً وقتلاً .

ها هي اليمن تدفع ثمن رفضها للإستعباد ولإباحة مقدّراتها لآل سعود وآل زايد وكلاء الأمريكيين والصهاينة الذين يرتكبون يوميّاً فعلَ إبادةٍ جماعية فلا يَرُفّ للعدالة الدولية جفنْ ، وعندما يُدافع أحرار اليمن عن كرامتهم تقوم الدنيا ولا تقعُد .

 

ها هي بلاد الرافدين دنّستها نعال الصهاينة والأمريكيين تسبحُ في بحار التجزئة والتقسيم والمذهبيّة لتغتال إمام المتّقين عليّاً في مسجد الكوفة من جديد ولتنحرَ ثانيةً وفي كلّ يوم ولَدَه الحسين سيّدَ الأحرار في بلاد الكربِ والبلاء.

وها هي سوريّا أرسلوا إليها شذّاذ الآفاق من كلّ حدَبٍ وصوب لتدفع ثمن مساندتها لمن نهضوا من بين الرُكام وحرّروا أرضهم.

وها هي ليبيا مقطّعة الأوصال تُنتهبُ ثرواتها من قبل الأوروبيين والأمريكان،"على عينك يا تاجر".

ها هي "غزّة هاشم" تنوءُ بثقلها  وباتت بدورها حملا ثقيلاً على حكّام البترودولار "دافعوا الجزية لإيفنكا وترامب ، وعلى رؤساء وأمراء "أمركم سيدي"فيحاصرها الشقيق قبل العدوّ والسبب رفضها الإنصياع والإنبطاح وإصرار  شعبها ومقاومتها على استمرار الكفاح.

أمّا لبنان الذي قهرت ثُلّةٌ من أبنائه الإحتلال وأخرجوه بدمائهم خاسئاً ذليلاً في زمن العجز العربي، فيه سلبت جماعة السياسيين الفاسدين لقمةَ العيش من أفواه المواطنين وهم الذين تسلّقوا على أكتافهم للوصول إلى مواقع الحكم.

 في بلاد الأرز أصبح اللصوص خطوطاً حمراء لا يستطيع أحد مساءلتهم فهم أسياد القرار، تحميهم المرجعيّات الدينيّة ودول الهيمنة.

في لبنان يتعامل المواطن مع الفساد كأمر واقع لأنّه أي الفساد تحوّل إلى ثقافة عامّة إلّا من كان محصّناً ضدّه وهم قلّة.

في لبنان القضاء المُناط به إقامة العدل يُمنعُ فيه القاضي عن محاسبة المسؤولين الذين سرقوا ونهبوا المال العام ومدّخرات المواطنين، والمهزلة أنّ الذي يمنعه قاضٍ أعلى سلطة  في الوقت الذي يوضع فيه جائع أتّهِم بسرقة ربطة خبز خلف القضبان لشهور عدّة .

 رئيس إحدى الدول العربية سجونه لم تعد تتسع للمعارضين يصف شعبه بأنهم "فقراء جدا" ويطلب منهم التحمُّل والصبر وشدّ الحزام الذي شارفَ على الإنقطاع لكثرة الشدّ ، بينما يقوم هو بوضع السجّاد الأحمر ليسير موكب سياراته عليه لمسافة عدّة كيلو مترات.

إنّ حالة القمع للحرّيات السياسيّة المضافة إلى القهر والحرمان والظلم الإجتماعي التي يعيشها المواطن في العالم العربي  تؤدي بالكثيرين إلى التطرّف العقائدي والإنحراف الأخلاقي وإلى الجريمة الفرديّة والمنظّمة عندما تنتفي أمامه فُرص التغيير لا سيّما بعد نتائج الحراك (الربيع العربي) الذي امتطاه الصهاينة والأمريكيون ،الذي حدث في العديد من البلاد العربية والذي لم تتَجاوز نتائجه الإنتقال من حكم فاسد إلى حكم فاسد جديد .

 

إنّ اقتران الديكتاتورية السياسية مع الجشع الإقتصادي في أي نظام حاكم لا بدّ وأن يؤدي إلى الفساد، وهذا هو واقع غالبية أنظمة الحكم في العالم العربي ، ولا فرق بين الأنظمة الملكية أو التي تدّعي الديمقراطية، وتلك الإزدواجية في من هم في السلطة أدّت إلى تراكم  الثروات في أيدي تلك الطُغم الحاكمة سواءً كانت تلك الثروات من موارد البلاد أو بفعل نَهْبْ وسرقة أموال العامّة كما في لبنان خاصّةً  ، حيث يكون مصير تلك الأموال التهريب لتوضع في مصارف خارجيّة وربّما بأسماء وهمية أو بأسماء الأقارب والمقرّبين، بالضبط كما يفعل اللصوص وتجّار المافيات.

أو يتم دفعها للأسياد الكبار الذين يحمون العروش كما في ممالك وإمارات النفط.

ومن الأمور المضحكة المبكية أن يلجأ أحد كبار الأمراء إلى شنّ حملة ضد الفساد في مملكته ويأمر باعتقال العشرات من كبار الأثرياء ويُجبرهم على التخلي عن جرء من ثرواتهم الطائلة ،في الوقت الذي يشتري فيه القصور واليخوت والقطع الفنّية النادرة بمئات الملايين من الدولارات لكلّ منها .

هكذا، فإنّ مئات الآلاف من الشباب العربي  فقدوا الإنتماء للأرض وللوطن لأنّهم فقدوا الأمل في كسرِ قيود الفساد والقمع،ويتمنون لو  تّتاح لهم فُرصة الهجرة إلى أيّ بلد غربيّ حيث يعتقدون أنّ إنسانيتهم وكرامتهم ستكون مُصانة بفعل القوانين التي يُطبقها  المسؤول هناك قبل المواطن، وهناك سيعانقون  شوق الحياة ، كما فعل أشياعهم من قبل.

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري