كتب الأستاذ احمد ابوعلي
عندما عاد ياسر عرفات مهزوماً من كامب ديفيد، حيث انه لم يحصل على ما وعدوه بدولة على حدود الرابع من حزيران بما فيها القدس، رغم الكلام عن انه كان على استعداد عن التنازل عن عودة اللاجئين ( عودة رمزية لبعض كبار السن الخ) ، كان امام عرفات اما الاعتراف الكامل بالفشل وحل سلطته الوظيفية ، او القيام بعمل ما لتحريك المفاوضات مرة اخرى لكي يحصل على مالم يحصل عليه في كامل ديفيد و طابا!.
كون عرفات معروف عنه بهلوانياته السياسية و خلط الاوراق ، فقد قام بنفس الطريقة يوم استغل عرفات زيارة المجرم شارون بتحريك الشارع المتفجر بعد فشل المباحثات النهائية ، فاوعز لاجهزته الامنية و الكادرية الفتحاوية بدعم نبض الشارع المتفجر آنذاك، ظنا منه ان الصهاينة سيتراجعون و يقبلون الجلوس معه على طاولة التفاوض للوصول الى مبتغاه النهائي ؛ دولة على معظم اراضي الضفة الغربية ( قبل عرفات بمنطق تبادل الاراضي ، اي مستوطنات مقابل اراضي رملية قرب غزة) و القدس تكون عاصمة الدولة بما فيها القدس القديمة ما عدا حائط البراق و بقية المستوطنات في اراضي القدس. الا ان الصهاينة لم تهتز لهم شعرة!!
الصهاينة كانوا اصلا يعدّون العدة للخلاص من عرفات من احداث النفق، ليس لانه وطني و شريف، بل لان هنالك غيره ( دحلان و ابومازن) كانوا ينتظرون الوقت لخدمة المشروع الصهيوني بشكل اوضح و اكثر "عقلانية و وضوح" وافضل . حتى اخر الرمق بقي عرفات عينه على العلاقة مع الصهاينة و الوصول الى اتفاق سياسي يخلصه امام شعبه، وهذا كان واضحا في تصريحاته الكثيرة خلال محاصرته، و افعاله كاعتقال امين عام الجبهة و الخلية التابعة للنسر الاحمر التي نفذت حكم الاعدام بالمجرم رحبئام زئيڤي، ناهيك عن الدخول في مفاوضات انهاء حصار كنيسة المهد والتي افضت الى ترحيل ٢٠ شابا الى خارج الوطن أملا منه بان يُقبل مرة اخرى لتكملة التفاوض.
انتهى عهد ابوعمار بموته ( سواء مسموما او طبيعيا ) وبدا عهد ابومازن الذي اسماه عرفات ب كرزاي فلسطين، ذلك "الكرزاي" الذي كان معتكفا في قطر مستقيلاً من فتح و السلطة ، بعيدا عن رام الله ، فاذا هو بقدرة قادر يُنَصَّب قائدا لفتح و السلطة و م ت ف ، وكان اول تصريح له ( اعاده الكثير من الاوقات خلال ال ١٦ سنة ماضية) بان لا انتفاضة بعد اليوم، لا عمل مسلح بعد اليوم، المفاوضات - المفاوضات - المفاوضات هي الخيار الاوحد له و للشعب الفلسطيني.
ابومازن و سلطته المنقلبة على "الرمز" الكاذب بدات عملها بتنظيف الشوارع من كل المسلحين ، سواء بتفريغهم في الاجهزة الامنية كما فعلوا مع المعظم، او باعتقال البعض، او من خلال قتل الاخرين مباشرة او غير مباشرة ( من خلال التنسيق المخابراتي ) عبر الصهاينة ! ومن بعد ذلك بدات القوات الامريكية بتدريب عناصر الامن الفلسطيني بشكل اكثر خدمة للمشروع الصهيوني عبر سلسلة من الاجراءات التي تَحْول من تَحَوُّل رجال الامن الفلسطيني الى مقاتلين كما حصل في هبة النفق علم ١٩٩٦ او في ال ٢٠٠٠!
سلطة فتح ابومازن ( ودحلان كذلك) هي جزء اساسي من تشكلية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ، فمعظم البيوت اما فيها موظف مدني او عسكري عند تلك السلطة، او على علاقة اقتصادية او عائلية مع هولاء، او من يعتاش على من لهم علاقة مع هولاء ، ناهيك عن ان اجهزة الامن الفلسطينية ( مخابرات، امن وقائي، امن "وطني"، و شرطة) التي يتجاوز عددها ال ٨٠ الفا تراقب الوضع الداخلي ساعة ب ساعة و يوم بيوم ، طبعا كل ذلك تحت العين الساهرة للشاباك و جيش الاحتلال الصهيوني و الذي يتابعون الحدث في الضفة ثانية ب ثانية !
المخزن و كالعادة ، لم تستطيع الفصائل و الاحزاب الفلسطينية تجاوز ردة الفعل الفاترة لاتفاقية اوسلو وما نتج عنها، فمنهم من تماهي مع تلك الاتفاقيات و امسوا جزء من معسكر الخيانة ك حزب الشعب و بعض دكاكين اليسار، ومنهم من وقف يندد بالكلام لكنه منخرط بالفعل في اوسلو ك الجبهة الديمقراطية ، و منهم من تَمَنَّع تَمَنُّع البكر ليلة عرسها كما حصل للجبة الشعبية ، ومنهم من عوى كثيرا لكنه سرعان ما يرجع لحض السيد كما فعلت حماس في الاونة الاخيرة ، لكن بقي و يبقى عباس سيد الصورة الفلسطنية!
في ظل هذه الحالة الفلسطنية الشبه ميئوس منها، و في ظل حالة الوهن العربي الكبير لا بل سقوط الاقنعة، و عدم وجود خيارات جدية لمقارعة الاحتلال، سوف تبقى الهبَّات الفلسطينية في القدس و مسيرات العودة و عمليات هنا وهناك حبسة الواقع الفلسطيني المازوم المتواطئ : انه لا افق لهذه الهبات مهما كبرت ان تتواصل و تشكل تغيرا نوعيا في شكل التناقض بيننا و المحتل الكولونيالي. فلا يمكن ان تقوم انتفاضة بدون الضفة ، و بما ان الضفة رهينة للواقع الذي ذكرناه ، سيكون من المستحيل القيام بها خاصة وانها لن تهدد الاحتلال لوحده، بل سوف تهدد العهد الجديد الحاصل منذ ٢٠٠٤، والذي هو نتيجة مخاضين مخاض الخيانة في عام ١٩٩٤، ومخاض ال٢٠٠٤ - ابومازن و دحلان الذي تشكل فيه مسرح واضح بان ماهو موجود عميل خائن متواطيء مع الاحتلال في كل شيء و بصورة مخزية!
لا اريد ان اكون نذير شؤوم او احباط، لكن اي تحليل علمي للواقع الفلسطيني يقول انه مادامت سلطة فتح تسيطر على كل شيء في الضفة الفلسطنية فلا امل بانتفاضة او اي فعل تراكمي و نوعي في مواجهة الاحتلال . لا اعرف ما هي الطريقة او الخيار لواقع تحرري ، لكني استطيع الاشارة بان اول الطريق للحرية و التحرر و المقاومة هي وقفة للجميع امام مسؤلياتهم و تقيم سلطة فتح اما عميلة خائنة او وطنية مُقاوِمة، اما لعب نفس لعبة السبعينيات مع فتح ( تناقض-تخالف-تناقض) فقد انتهت و اصبحت في عهدة التاريخ الذي لا يرحم، خاصة بعد اعلان فتح و سلطتها انهم خدام للمشروع الصهيوني