د.عامر الربيعي / انتصار سوريا الواعدة
مقالات
د.عامر الربيعي / انتصار سوريا الواعدة
د.عامر الربيعي
1 حزيران 2021 , 23:27 م
د.عامر الربيعي / انتصار سوريا الواعدة

 

د. عامر الربيعي

(رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية العربية الاوربية في باريس)

التحديات التي عانتها سوريا منذ 2011 الى اليوم أخذت منحا تدريجيا الى ان وصلت سوريا إلى ما هي عليه اليوم. طبيعة التحديات بعضها كان تاريخيا و تاسيسيا في الدولة السورية ، وبعضا منها يمتد إلى جذور تاريخية .يعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي ودوره على صعيد القومية العربية. وبعضه قام على اثر تداعيات إعلان دولة الكيان الصهيوني 1948.

كانت سوريا تحمل عبر تاريخها كل هذه التبعات، وتتجاوزها بقوة تاريخها وهدف هذه الأرض المعطاء الشامخة بشموخ جبل قاسيون ، عبر التاريخ ينادي شامه ارفديني بنبض الحياة ، انفضي عنك وزر الاعداء،لقد اثقلوا بخناجرهم صدر الشام وسفوح شقائق النعمان الخلابة. انها سوريا الأبية. جيل سوريا القادم تحت راية بشار الأسد، الامل الواعد بالقضاء على مخالب الإرهاب المغروسة في جسد سوريا ، الذي ما زال ينزف من جراح نثرها هذا الارهاب هنا وهناك .

سوريا 2020 قطعت شوطا في استتباب الأمن،و تمكين الدولة في بسط سيطرتها على معظم الاراضي السورية. الانتخابات الرئاسية التي جرت في ٢٦/٥/٢٠٢١ والتي جاءت نتائجها بفوز بشار الأسد لولاية جديدة ،يعتبر مرحلة مفصلية ، ستكون فيه سوريا أكثر قدرة وقوة وثبات امام الاعداء من اي مرحلة تاريخية أخرى مرت بها . وبالعودة قليلا الى الوراء ، وسنوات الازمة ، شهدت الارض السورية صراع وهجوم عنيف من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة . كانت تنظيمات عديدة ،ومسميات لقادة الارهاب قدموا من مسافات بعيدة . كانت كل الأمور مهيأة تحت بند لا مجال للصدفة (تواجد أمريكي في العراق ، حراك شعبي في مصر ، قواعد أمريكية في الأردن والسعودية وقطر والإمارات، أما باقي دول الوطن العربي ثورات شعبية تطالب بالتغيير) كانت الفرصة مواتية للاحاطة بسوريا و لضخ كل ذلك نحو هدف إعلان التغيير في سوريا ايضا.

ليس من قبيل الصدفة ان يتزامن قيام داعش مع مرور 100عام على اتفاقية سايكس بيكو التي وضعت الأطر الجغرافية للدول العربية، بإعلان سقوطها من قبل هذه المجاميع الارهابية المسلحة من الحدود العراقية السورية ، وهي إشارة إلى بدايات لتشكيل اطار جغرافي جديد، وليس صدفة ان يتم تجنيد مسلحين ذو جنسيات متعددة على ضفتي البلدين ، وليس صدفة وحدة الجهات الممولة الداعمة لهذه العصابات المسلحة مع تطلعات الكيان الصهيوني بإقامة دولة إسرائيل الكبرى أو التلويح بمشاريع التقسيم ، ومشروع التقسيم لسوريا إلى أربع دول وإنشاء إقليم كردي أو تدخل المجتمع الدولي ومنظومته الإنسانية كادوات غير واضحة الهدف، بل وأكثر من ذلك تم تجنيد الفيس بوك واليوتيوب والقنوات الإخبارية العربية والاجنبية وهي تضخ صورة مفبركة في استوديوهات ماجورة على اساس انها توثق بشاعة النظام السوري) كل ذلك كان جاهزا .لينقشع الغبار عن عيون لسوريا دامية تأن من همجية جلاديها الذين ذبحوا أبنائها ونسفو تاريخها ، وصادوا حمام الصباح في سماء الشام ،فهجر الآخر قريته الجميلة وغرر بالآخر ، فسولت له نفسه قتل اخيه. انها الاطار السوري .

مبدئيا لا نستطيع أن نبحث في الموضوع السوري من دون التذكير، بالاطار السوري العام الذي كانت تتحرك به خلال الخمسين سنة الماضية والذي قام على :- -مركزية سوريا في الصراع العربي الاسرائيلي. حيث تعتبر القضية الفلسطينية وعودة الجولان السوري للوطن الام من الثوابت لدى اي نظام حاكم في سوريا ، هذه الرؤية تؤكد عليها سوريا دوما من حيث وحدة الارض،وحدة الهدف و أولويات تقوم عليها القومية العربية في إطار الوطن العربي الكبير .

-وضعت سوريا في موازين قوى عربي واقليمي من قبل الرئيس السابق حافظ الأسد بين جهتي (سوريا وإيران) أثناء حرب النظام العراقي السابق صدام حسين ضد إيران وعارضتها سوريا و جهتي سوريا وبعدها العربي القومي هذا البعد المؤيد لصدام حسين في حربه ضد إيران . كان موازين القوى هذا اخذ بالنمو شيئا فشيئا، يشكل قلق دوائر الاستكبار من ان يكون المحرك المشرق العربي القادم للقومية العربية ،فكان بديلها المذهبية والطائفية جاهزا .

-الرؤية الجديدة التي تضاف إلى الدولة السورية ، قيام بشار الأسد بترسيخ موقع سوريا في موازين القوى هذا ، وخاصة بعد خروج سوريا من ازمتها واعلان بشار الاسد رئيسا لها حيث رفع من مكانة سوريا في ميزان القوى العالمي وجعل حظوظها بان تكون عنصرا فاعلا في هذا الميزان الدولي ،والسبب يعود إلى تداخل الأطراف الواقفة خلف الأزمة واستطاعة سوريا مع حلفائها من الثبات في الميدان .

وها هي سوريا تعود بحكومة تداوي جراحها. اذن الإطار العام لذي توجد فيه سوريا تتحرك به هو محور مقاوم لدوائر الاستكبار العالمي ضم إيران والعراق واليمن وفلسطين . و محور الصين وروسيا وايران ،تكتل سياسي واقتصادي له ثقله العالمي أيضا وايد نتائج الانتخابات ، وهم أنفسهم كانوا إلى جنبها في المحافل الدولية.

وبنفس الوقت انحسار للمحور القديم بين سوريا والخليج العربي الذي رفع شعار الطائفية البغيضة بوجه سوريا ،ولتطبيع مع الكيان الصهيوني. بوجه محور المقاومة.

 

*الانزعاج الغربي من الانتخابات* اشكالية:

*هناك من يتساءل عن الثقل الذي ستلعبه دول العالم وخاصة فرنسا وأوروبا بشكل عام في سوريا في المرحلة القادمة من عهد بشار الأسد وخاصة وأنها رمت بثقلها في الأزمة السورية واخرجت كل أوراقها في هذه الجهة من العالم .

* في البدأ تعتبر سوريا مهمة لفرنسا: وذلك يعود إلى عوامل تاريخية وتجارية ، وتعليمية كنسية تعود لقرون عديدة ،أخذت فرنسا دورها في حماية وتمويل النظام التعليمي الكنسي وحماية الأقليات المسيحية والارمنية. لكن فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي السابق تجاوز هذا الدور ،ورمى بثقل فرنسا في الأزمة السورية منذ بداياتها ، وطالب بتدخل عسكري لتغيير النظام . الإطاحة ببشار الأسد، من جانب . ومن الجانب الآخر كانت المجاميع الارهابية المسلحة استباحت معظم المناطق المسيحية والمارونية، كما وهدمت كنائسهم، واتخذت من سكانها مادة إعلامية تتناولها وسائل الإعلام العالمي . هذا جانب يوضح سوء تقدير للقوة الكامنة في محور المقاومة . وهذا ما فهمته فرنسا التي بقيت متارجحة بين إشكالية علاقتها مع الدولة السورية وبشار الأسد الذي اتحد معه كل السوريين وخاصة المناطق التي استبحاتها الجماعات المسلحة وفجرت كنائسها ومساجدها التفوا حوله في وقت تنازل عنهم العالم. وبين أنه أصبح من الواجب فتح علاقات جديدة مع سوريا الواعدة وجيل سوريا الذي خبر خلال 10المنصرمة كيفية الدفاع عن سوريا الموحدة .

اما دوليا، من المؤكد أن تنزعج حكومات بعض الدول الغربية من نتائج فوز بشار الأسد في الانتخابات. اختصروا الانزعاج بعدة أمور تمس السيادة السورية مثلا : ( ترشح بشار الأسد لأكثر من ولاية كرئيس لسوريا ، وانزعجوا من دستور وضعته الحكومة السورية 2012 يضبط وطنية المرشحين وفق معايير ومقاييس لا يحبذها أعداء سوريا ، من حيث الإقامة في سوريا وغيرها ، وصعوبة احداثه تغيير ،لان من دون تغيير يطال هذا الدستور ، استحالة المطالبة بالتغيير اصلا) اكد هذا الدستور على سيادة الدولة واستقلالها وملكيتها للثروات العامة والمؤسسات الصحية والتعليمية والبدأ بمشاريع التنمية ، وإبعاد كل ما من شأنه ان يشجع نظام الخصخصة على حساب الدولة أو الاحتكار وهذا معناه سوريا الواعدة أبوابها مغلقة امام حركة راس المال الجيوسياسية.

امتعاض الغرب من نتائج الانتخابات متاتي من مخاوف ذات نطاق قاري أوسع ، وهي مخاوف قديمة وعادت اليوم إلى الواجهة وخاصة وأن 10سنوات المنصرمة التي كان يامل منها ان تعطي نتيجة سوريا من دون بشار الاسد لم يتغير، وجاءت نتائج الانتخابات لتقول للعالم ان هناك رأيا في سوريا مؤيد لبشار الأسد ورافض للتقسيم . الرئيس السوري صاحب مقولة تشبيك البحار الخمسة ( البحر المتوسط والبحر الأحمر والبحر الأسود وبحر قزوين والخليج الفارسي) لديه رؤية تختلف عن رؤية عالم أحادي القطب المولود الشرعي للحلف الصهيو-امبريالي. ففي المشرق العربي والدول الإقليمية المجاورة وخاصة تلك المطلة على البحار الخمسة هناك قوى ثورية موجودة ،لعبت جميعها دورا في تكوين قاعدة تقف بوجه الأطماع الصهيوامبريالية فيه. ولمن ستكون الغلبة .

من خلال تحرك مشروعين للطاقة الأول من قطر عام 2009 يمر بالسعودية بالاردن لسوريا وتركيا وأوروبا.رفضه الرئيس السوري. (وهنا يتم تفسير دور قطر الحليفة لتركيا في مساعده الارهابيين المسلحين المنتمين باغلبيتهم لمدرسة الإخوان المسلمين كما نشط تنظيم الإخوان السوري في هذه الأزمة. - الخط الثاني هو الخط الاسلامي يمر من إيران والعراق فسوريا إلى البحر المتوسط وهذا ما وافق عليه الرئيس السوري .

 

*مميزات المشروع الأول*

يتوافق ومصالح الحلف الصهيوامبريالي بعالم ذو قطبية أحادية من دون الصين وروسيا وابعاد ايران بالكامل . في الاطار الدولي العام ، في قارة أوروبا تعتبر روسيا من أكبر مصدري الغاز إلى أوربا ، وخاصة إلى أوربا الغربية . ولديها شبكة من أنابيب النقل البري والبحري لنقل المحروقات و الغاز بين قارة أوربا وآسيا . لذلك فإن خط قطر - تركيا يقف أمام تنامي الاتفاق الاقتصادي بين روسيا وأوروبا وامتداداته المستقبلية. فليس من مصلحة روسيا الوقوف على الحياد بعد ان كانت متفوقة على أوروبا في تصديرها للغاز الروسي.

اما الرؤية التي تبنتها سوريا للانخراط فانها تفضل الخط الإسلامي. لمحورية ميزان القوى الذي تسير به سوريا في تفعيل سياستها الإقليمية والدولية. بعد احتلال العراق ، في 2003,اصبحت قواعد الاشتباك في المشرق العربي تبحث لها عن جغرافيا تتوسع فيها ، تدعم سيطرة وتغذي بقاء تفوق الولايات المتحدة كقطب أحادي في العالم ، ولازمات الوطن العربي دور في ذلك ، فدخلت القاعدة لارض الرافدين ،وتم إنشاءالمعسكرات التدريبية في صحراء المناطق الغربية من العراق ، تمخض عن ذلك تدريجيا الدولة الإسلامية في العراق والشام .

من تداعيات حركة قواعد الاشتباك الأمريكية الخاطئة، ومنظومة المفاهيم الهمجية التي تحملها هذه القواعد ، أدى إلى بروز قوى دولية روسيا والصين تطابقت اجنداتها مع بعض دول المشرق العربي محور المقاومة ، في أحداث تغيير عالمي تتعدد فيه الاقطاب الفاعلة ،في الساحة الدولية، خاصة مشروع الصين المعروف بالحزام والطريق استطاع أن يعقد الاتفاقيات مع معظم الدول التي يمر بها . ونجاح هذا الطريق مرهون بالتخلص من الهيمنة الصهيوامبريالي على المشرق العربي.

اما روسيا ، فلها من الاتفاقيات الاقتصادية مع اوروبا وخاصة ألمانيا واعتماد هذه القارة على الغاز الروسي بالنسبة كبيرة . اما إيران هذه القوة المميزة والقطب الذي استطاع أن يوحد رؤى عالم متعدد الأقطاب ،هو من قاتل ببسالة في سوريا مع باقي قوى محور المقاومة ،وهو من اوصل مفهوم الإرهاب كما يراه هذا المحور إلى المجتمع الدولي إذن موقع سوريا في موازين القوى الجديد إلى جانب إيران والصين وروسيا ، ولم يعد امام أوروبا وأمريكا الا البحث عن طرق جديدة للانخراط في علاقات جديدة مع الدولة السورية ، او الابقاء على نظام العقوبات الاقتصادية - او استخدام الملف الكردي على الرغم من هزالته- كورقة ضغط ضد سوريا .

المؤشرات ، التي على اساسها كونت قواعد الاشتباك الحالية واخرها انتصار غزة الأخير ، اسقط العديد من ركائز الحلف الصهيوامبريالي في الشرق الأوسط والعالم . فلم يعد امام محور المقاومة من انه هو من يضع قواعد الاشتباك في اي صراع قادم. ولنسجل خلاصة ان المحاور التي اكتسبتها سوريا من عبورها لهذه الأزمة، على الرغم من قسوتها :

-الحرية التاريخية والتخلص من موروث الحق بالشام منذ،أكثر من 1400سنة. -نظافة تجربة الدولة السورية من حيث سيادتها واستقلاليتها ، وتحررها من تبعات الاستعمار . -المرحلة المقبلة هي التراكم الإيجابي التنموي لهذه التجربة مستندا على شعب مؤمن بها .


 

المصدر: وكالات+إضاءات