كتب الكاتب حليم خاتون:
منذ آدم وحواء، لم تتوقف البشرية عن التطور، لينتج عن كل تطور يحصل، علاقات اجتماعية وعادات وتقاليد تحكم هذا المجتمع في منظومة قوانين تحترم ما وصل إليه هذا التطور البشري من مستوى..
هذا التطور يحصل أحيانا بشكل طبيعي ودون عنف.. بينما يأخذ أحيانا أخرى، شكل ثورات تسعى لكسر القيود القديمة والانطلاق إلى آفاق أكثر حرية...
إذا كان تطور الأفكار من جيل إلى آخر بسيط جدا وقليل، فهو يعبر عن هذا التطور الذي يحصل
وإن بخطى بطيئة وبسيطة..
عرفت البشرية أنماطا كثيرة من البنى الاجتماعية، لكن أهمها، وأكثرها انتشارا ومعرفة لنا هي.
العبودية، الاقطاع، الرأسمالية، وما يحب البعض تسميته بالاشتراكية.. وصولا الى الشيوعية التي لم يصل إليها اي مجتمع حتى اليوم... وإن كان البعض يتشدق بالانتماء إليها...
عندما تناول كارل ماركس هذه الأنماط بالدراسة، خلص إلى أن كل نمط انتاجي يجعل لنفسه أفكارا تعبر عن عاداته وعلاقاته الاجتماعية... فينشأ حزب يدافع عن هذه الأفكار...
هكذا عرفنا في التاريخ أحزابا تساند الإبقاء على العبودية بينما سعت أحزاب أخرى لمنعها..
نفس الأمر حصل مع الإقطاع أيام حكم الأمراء والملوك في أوروبا...
كان لتراكم الثروات عند غير الاقطاعيين أثره في مطالبة هؤلاء بكسر القيود الإقطاعية لصالح أنظمة اقتصادية أكثر حرية..
وصلت أوروبا إلى الرأسمالية نتيجة حروب وثورات استطاعت القضاء على ممثلي هذا الإقطاع بشكل جذري ما حتم القضاء على كل الأحزاب أو البنى السياسية التي تدافع عن مصالح هذا النمط الاجتماعي..
كما كل نمط انتاجي اجتماعي، يولد هذا النمط ويولد معه بنى جديدة لا تلبث أن تسعى هي بدورها للتعبير عن نفسها...
وُلدت الرأسمالية وولدت معها الطبقة العاملة فكان من الطبيعي أن تبحث كل طبقة في إنشاء أحزاب وبنى تدافع عنها وعن مصالحها...
اتسم تطور المجتمعات في أوروبا بشيء من الحديّة خلقت معها بدايات ونهايات للانماط الانتاجية، بحيث كان من الصعب إيجاد مجتمع أوروبا يحوي في الوقت نفسه نمط الإنتاج الاقطاعي، لا زال يعيش داخل نمط الإنتاج الرأسمالي...
حتى الأحزاب التي تتخذ لنفسها اسماءََ دينية كالحزب الديمقراطي المسيحي، ما هي سوى أحزاب للدفاع عن مصالح الطبقات العليا عبر استغلال الدين لمدى تأثير هذا الدين على الطبقات الشعبية...
ما رأيناه بوضوح في اوروبا، لن نستطيع رؤيته بوضوح في بلدان العالم الثالث والتي أخذت مسلكا آخرا..
في لبنان، كادت العبودية تجد لنفسها مسكنا داخل الإقطاع، حيث كان يتم بيع الضيع والمزارع مع الفلاحين الذين يسكنون تلك الديار ويعيشون على تلك الأرض....
حتى عند نمو طبقة راس المال عندنا، لم يتم القضاء على الٱقطاعية لأن الكثير من الرأسماليين جاؤوا من أصول إقطاعية...
هكذا فرض الرأسماليون الجدد
الكثير من القوانين الآتية من النمط الإقطاعي..
ترافق كل هذا مع انقسام المجتمع اللبناني على أساسين:
١- العشائرية
٢- الطائفية
في أوروبا تم تخطي الطائفية والحروب الدينية بعد مذابح انتهت بصلح ويستفاليا الذي مهد لقيام الدول القومية...
أما عندنا، فقد بدأنا نرى في كل طائفة نموا لأحزاب تحترم نمط الإنتاج داخل هذه الطائفة أو العشيرة..
نفس الأفكار التي تدافع عن كبار الراسماليين، موجودة في كل الطوائف.. لكنها لا تستطيع الإتحاد فيما بينها بسبب الفرز الطائفي للمجتمع...
لهذا نجد أحزابا تدافع عن الطبقة العليا المارونية، والسنًية والشيعية... لكنها لا تستطيع الإتحاد فيما بينها...
نفس الأمر نراه عند الأحزاب التي تدافع عن الطبقات المسحوقة أو حتى الوسطى...
لا تستطيع الإتحاد فيما بينها.
يصل الأمر حتى أن يتحد المدافعون عن الطبقة العليا في طائفة ما مع المدافعين عن الطبقة الدنيا ضد أي كان من الطوائف الأخرى...
الاستنتاج الطبيعي هو أن لبنان لا زال في طور التكون كدولة أو كوطن... أو حتى كمجتمع واحد..
لبنان هو مخلوطة من الطوائف تمنع اندماج أنماط الإنتاج المتشابهة، وتحافظ على الانماط المختلفة التي تنتمي إلى أزمان مختلفة؛ تحافظ عليها على قيد الحياة....
يحاول بعض الحالمين تحقيق اندماج يخلق شيئا ما غير الكذب والرياء والدجل الذي يتم تلحينه في أغان تسمى وطنية...
في الحرب الأهلية برزت هذه الأمور بشكل واضح حين رأينا المسيحي الفقير يدافع عن كميل شمعون وشركة بروتيين، دون وعي، ضد مسلم فقير مثله.
نفس الأمر يحصل مع أكثرية سنية من الفقراء تمشي كالغنم خلف تيار المستقبل وغيره الذين يمثلون مصالح الحريري وميقاتي والسنيورة والصفدي التي لا دخل لها، لا ببناء وطن، ولا حتى بفعل شيء لهؤلاء الفقراء غير استعمالهم حطبا في النزاعات..
نفس الأمر ينطبق على الكثيرين من الشيعة الذين يتبعون غريزيا الى امل، وحتى الى حزب الله... دون أي أدنى تفكير...
فقط تبعية غريزية...
وأكثر أنواع التبعية الغريزية، يظهر عند الكثيرين من الدروز الذين لا زالوا يعيشون في القرن السابع أو الثامن عشر ضمن الخلاف القيسي اليمني ومعركة عين دارا...
هل يمكن بناء أحزاب في لبنان تتخطى هذه العقبات؟
هل يستطيع حزب الله النجاح في ما فشلت الأحزاب العلمانية في تحقيقه؟
أسئلة كثيرة، تحتاج إلى أكثر من مجرد اغنية حماسية لن توصل إلى الطريق الأمل...