الهزيمة مصيبة.. الإنهزامية مصيبة أعظم
مقالات
الهزيمة مصيبة.. الإنهزامية مصيبة أعظم
حليم خاتون
10 أيار 2025 , 18:25 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:

طال الجدل في لبنان لتوصيف ما حصل منذ وقف النار من جانب واحد هو المقاومة، واستمرار هذه الحرب من جانب العدو الصهيوني...

عملاء أميركا وإسرائيل المباشرين في لبنان والعالم العربي والإسلامي يقفزون فرحا وهم يرقصون ساعة، ويزغردون مع كل قصف إسرائيلي حتى لو كان ضد المدنيين ساعة أخرى...

المهم بالنسبة إلى هؤلاء قصف الفكر المقاوم وحرق البيئة التي تحمل هذا الفكر...

على رأس هؤلاء العملاء في لبنان أحزاب مثل حزب القوات اللبنانية وشخصيات تبدأ بالكثير من قيادات هذا الحزب وتصل الى وزراء ونواب ومجموعات تتراوح بين ما يسمى مجتمعا مدنيا او حتى أحزاب لا يزيد عديدها عن بضع عشرات أو مئات من الأفراد...

لكن هناك أيضا عملاء موضوعيين أظهروا حقيقتهم رغم الاختباء وراء أهل النظام الذين عينتهم أميركا بالتعاون والتنسيق مع السعودية بشخص حكومة نواف سلام ومعظم أهل النظام القائم حاليا في لبنان...

هؤلاء يصمتون عن خرق السيادة الذي تجاوز حتى اليوم ثلاثة آلاف خرق وأكثر من مئتي شهيد وجرف وتدمير اكثر من خمسين قرية وبلدة لبنانية كان عجز الاسرائيلي عن دخولها حربا، فدخلها سلما بعد استشهاد السيد نصرالله مع معظم قيادات الصفين الأول والثاني...

انضم إلى هؤلاء العملاء الموضوعيين مؤخرا كل أتباع السعودية والإمارات والخليج وما يسمى بعرب الاعتدال من أنصار التطبيع والقبول بإنهاء القضية الفلسطينية لصالح مشروع غربي هدفه النهائي قائم على إسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل...

آخر من انضم الى هذه الحثالة هما تحسين وكرمى الخياط الذين حولا تلفزيون الجديد إلى منبر متقدم لمحمد بن زايد مع مخطط جديد قديم يقوم على فك شيفرة حزب الله للمرة الثانية، وتكريس منطق هزيمة المقاومة والتعامل مع الوضع الجديد بعد سقوط سوريا وفق نظرية الواقعية السياسية (استقبال احمد الشرع في فرنسا هو استقبال الغرب نفسه للإرهابيين الذين قام هذا الغرب بزرعهم لتدميرنا)...

طال هذا الجدل حتى وصل الى داخل بيئة المقاومة بين من يدعي الانتصار إنطلاقا من المعارك البرية التي عجزت فيها خمس فرق نخبة عسكرية من أكثر من سبعين ألف عن التقدم وإحكام السيطرة على أي بلدة من بلدات الحافة الأمامية مع فلسطين المحتلة من جهة، وبين من لا يرى أي انتصار ويرفض هذا الواقع الجديد ويحاول قراءة ما حدث وتسمية الأشياء بأسمائها لكي لا ترتكب المقاومة نفس الأخطاء في الحرب القادمة الآتية حتما...

الحرب آتية ليس لأننا نريد الحرب ولا نستطيع العيش من دونها...

الحرب آتية لأن المشروع الغربي يقوم على أن لا نعيش بسلام دون خوف، ونقوم بالبناء والتنمية...

الحرب آتية لأن مجرد الحلم بأي مشروع حتى لو كان مجرد بناء بيت، يجب أن يأخذ بالحسبان أن نتبع لأميركا والغرب وإلا هناك حصار؛ هناك عقوبات؛ هناك مصادرة تحت أي ذريعة ممكن تخيلها؛ هناك اتهامات بالإرهاب جاهزة غب الطلب ضد اي كان منا يحاول ان لا يطأطأ رأسه في حضرة الاميركي القذر...

وفي حال الوجوب، تتجه الأمور أن يُغِير كوماندوس اسرائيلي ويفجر هذا المشروع أو هذا البيت؛ أو يغتال أصحاب هذا المشروع او هذا البيت...

كل هذا ممكن أن يحصل...

ببساطة ممنوع على شعوبنا أن تجد لها مكانا تحت الشمس...

مشكلة محور المقاومة إنه لا يزال يعيش وهم إمكانية أن تقبل أميركا ويقبل الغرب أن نكون احرارا لا عبيد...

حزب الله دخل إلى السلطة ضمن مفهوم هذا الوهم ودفع، وسوف يستمر بدفع الأثمان الباهظة بسبب حلم اليقظة الأعوج هذا...

إيران لا تزال تعيش نفس حلم اليقظة هذا...

يعتقد بعض الأغبياء في النظام الإيراني أن ترامب مأخوذ باستثمار تريليونات من الدولار في إيران...

ترامب لا يستثمر...

ترامب كما كل الغرب؛ مجموعة لصوص يسرقون ثروات الشعوب...

هذه هي حضارتهم؛ هذه هي ثقافتهم...

الكاوبوي الأميركي آت إلى بلاد العرب قريبا لقبض الخراج من ملوك وامراء لا يساوون شيئا في ميزان الكرامة...

ثقافة الكاوبوي واليانكي هو الغزو لنهب الثروات والأوطان والأراضي...

حدث هذا في أميركا...

حدث في استراليا...

هو يحدث اليوم في فلسطين وقريبا في سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر وغيرها... ( من الفرات إلى النيل... هل سمع أغبياء العرب أم لا تزال آذانهم موصودة؟)

لكن هناك شيء جديد...

نغمة جديدة بدأت تطل برأسها على ألسنة بعض المحللين المحسوبين على هذه المقاومة...

نغمة تتعدى الهزيمة للوصول إلى الإنهزام...

نغمة تحاول تبرير الهزيمة عبر الحديث عن التفوق التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ووقوف كامل المنظومة الغربية خلف العدو الإسرائيلي...

يريد البعض ترويضنا لقبول أوضاع الذل القائمة على تفوق الغرب علينا...

إن سبب ما حصل لم يكن على الإطلاق بسبب التفوق التقني او الذكاء الصناعي او المواقف الغربية...

في فيتنام كان الوضع مشابها...

في كوبا، في الصين نفسها أثناء الحرب الأهلية...

حتى في أفغانستان حيث يسود رجل القرون الوسطى والتخلف الديني والعقلي...

فشل الأميركي في كل تلك الأمكنة رغم التفوق العسكري والتفوق التقني...

صحيح ان الأسباب التي تتكلم عن الذكاء الصناعي والتفوق التقني والموقف الغربي والخيانة العربية...

كل هذا لعب ويلعب دورا مهما...

لكن العلة الأساسية التي أدت الى الهزائم هي في المقاومة نفسها...

العلة هي في داخل محور المقاومة...

حتى إيران التي تفاوض لن يعطيها الأميركي بل سوف يأخذ منها...

الاستعمار لا يعطي، وإذا أعطى، يعطي الفتات...

الاستعمار يأخذ فقط، ويأخذ كل ما يستطيع أخذه...

حلم اليقظة الإيراني سوف ينفجر في وجه الإيرانيين...

حتى لو لم تُشن حروب مباشرة على طهران، الغرب يفصل دائما مؤامرات...

كم مهسى أميني يخبيء الغرب لإيران؟

كم عملية تفجير وتخريب؟

نحن هُزمنا لأننا لم نذهب إلى الحرب؛ او بمعنى آخر، ذهبنا إلى هذه الحرب خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء (رجل الى الأمام، ورجل الى الوراء)...

نحن كنا كذلك الذي فُرضت عليه الصلاة في المسجد فذهب ووجد الباب مقفلا فحمد الله وشكره "لأنها طلعت من الله وليس منه"...

حديث الأخ وسيم بزي مؤخرا في ال OTV، كما أحاديث الأخ سالم زهران في تبرير ما حدث وإغفال العامل الذاتي ليست موفقة (في أقل تقدير)...

هناك محاولة تعمية لما حدث من منطلق الدفاع عن المقاومة...

هذه التعمية لا تفيد على الإطلاق؛ بل تضر إضرارا كبيرا...

المقاومة بحاجة لمعرفة الحقيقة؛

المقاومة لا تحتاج للعزاء...

بسبب ما حدث ذهب استشهاد السيد نصرالله والقيادة سدى...

استشهد الأخ فؤاد شكر لأن المقاومة صدقت الأميركي كما يصدقه الإيراني اليوم...

استشهد السيد نصرالله لأن المقاومة كانت تبحث عن وضع مثالي في الحرب لا يمكن أن يحصل في الواقع ابدا...

نحن في حرب وجودية...

نحن في حرب ضد العبودية والتبعية العمياء للأميركي والغرب...

لا يمكننا البقاء احرارا دون أن ننتصر...

لا يمكننا أن ننتصر دون أن نقاتل، ولا يمكننا أن نقاتل دون دفع اثمان باهظة في الناس والعمران...

بل حتى أكلاف الاستسلام، هي أكبر بكثير من أكلاف الحرب؛ هذا ما ظهر، وهذا ما سوف يظهر...

هذه هي سُنّة الحياة...

غزة تقاتل قتال وجود...

ما الذي منعنا نحن من القتال قتال وجود...

كل الحديث عن السلفيين والتكفيريين والعملاء في الداخل صحيح...

لكن ما العمل؟

هل نوافق بسبب الجولاني واردوغان وابن سلمان وابن زايد وسمير جعجع على الخضوع؟...

إلى ماذا أدت سياسة التحوط هذه؟

نحن الآن تحت الاحتلال الأميركي بكل ما في الكلمة من معنى...

الأميركي لا يختلف عن الإسرائيلي حتى لو اختلف ترامب مع نتنياهو في أمر ما...

خلافهما هو فقط على طريقة هزيمتنا وضربنا وقتلنا، وليس على أي شيء آخر...

نحن ممنوعون من التنمية والتطور والعيش بسلام...

أيهما أفضل؟

العيش تحت القصف الاسرائيلي وتهديد الجولاني والحصار الأميركي الغربي العربي، أم القتال ضد كل هؤلاء وإجبارهم على دفع اثمان باهظة عبر تدمير هيكل الإقتصادالعالمي الذي يمدهم بكل اسباب القوة والذي يمثل شريان الحياة عندهم؟...

حتى لا تضيع البوصلة!

حتى لا نضيع نحن!

علينا الرد على الحرب بالحرب...

علينا الرد على القتل بالقتل...

اذا اندلعت الحرب علينا خوضها بكل قوة وعزم هذه المرة... دون أي هوادة...

حرب صفرية تقوم على التدمير المتبادل والشامل...

عدم تدمير الخصم لن يجعله لينا معنا...

هؤلاء مجرمون؛ لصوص...

إما هذا وإما يتم تدميرنا ويُمحى أي أثر لنا حتى نصبح بلا كرامة...

الحياة وقفة عز...

نكون أو لا نكون...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري