كتب الأستاذ حليم خاتون:
بكلام بسيط، تعتبر بنى الأحزاب خير تعبير عن بنى المجتمع...
ألا يقول المثل عندنا، كما تكونون، يولّى عليكم...
صحيح أن بنية المجتمعات الأوروبية أكثر تطورا وأكثر وضوحا من المجتمعات الشرقية،
ولذلك تبدو الأحزاب المختلفة هناك، أكثر وضوحا في تمايزها بعضها عن البعض الآخر...
يتمتع المجتمع اللبناني بأنه خليط من عادات وتقاليد وافكار تعود بأصولها إلى الحقبتين الإقطاعية والرأسمالية اللتين هيمنتا على لبنان في المئة سنة الاخيرة... لذلك نرى أن معظم الأحزاب القديمة نسبيا تحمل الطابعين الإقطاعي والراسمالي في آن واحد ( حزب الكتائب، الحزب التقدمي الاشتراكي، المردة... الخ ) بينما تعتبر الأحزاب الاحدث من إنتاج مجتمع الحرب الأهلية وفترة الاحتلال وحرب التحرير (أمل، حزب الله، القوات، الناصريين على اختلافهم، البعث وغيرهم من الحركات القومية الإسلامية أو شبه الإسلامية، بالإضافة إلى الشيوعيين أو ما تبقى منهم والقوميين السوريين)...
أما الفريق الثالث، فهو انتاج اتفاق الطائف (المستقبل، والتيار العوني من موقع العداء لهذا الاتفاق قبل أن ينضم إليه).
نظرة سريعة الى كل هذه الأحزاب، تُظهر بوضوح أن الصبغة الأساسية لهذه الأحزاب على اختلافها وباستثناء الشيوعيين والقوميين السوريين... هو المذهبية بأكثر صورها الموغلة في الانغلاق..
أما الصفة الثانية الواضحة جدا أيضا، فهي أن أعضاء كل هذه الأحزاب يأتون من كل الشرائح الطبقية في المجتمع... فيهم الرأسمالي وفيهم الطبقة الوسطى وصولا إلى طبقة الفقراء وحتى الطبقة المسحوقة أيضاً..
الصفة المشتركة لكل هذه الأحزاب هو أنها شكلت ولا تزال تشكل العمود الفقري لهذا النظام بما في ذلك الشيوعيين الذين خدموا النظام من خارجه رغم رفضه إدخالهم في اللعبة....
الاختلاف الوحيد بين كل هذه الأحزاب مجتمعة وحزب الله، هو أن كل هذه الأحزاب دون استثناء، كانت تخدم النظام شبه الرأسمالي، شبه الإقطاعي، عن وعي، وتسخًر طبقتها الفقيرة لخدمة هذا النظام الذي يخدم اساسا طبقتها الغنية والتي لا يزيد عددها عن واحد بالمئة من الشعب اللبناني...
في حين كان حزب الله، ربما الحزب الوحيد الذي يساند هذا النظام بنوايا حسنة رغم علمه بأن طريق جهنم "مبلطة" بالنوايا الحسنة...
ما سبب مواقف حزب الله تلك؟
يعتبر حزب الله نفسه في خضم حرب تحرير وطنية ولذلك هو يحاول بسذاجة منقطعة النظير جمع كل هذه القوى في موقف وطني واحد...
كيف يكون هذا ممكنا؟
حتى حزب الله نفسه لا يعرف؛ وما أن يخرج من مأزق حتى يقع في مأزق آخر...
سبقه إلى هذه السذاجة الحزب الشيوعي الصيني الذي ظل سنينا طويلة يخدم نظام تشان كاي تشيك ويقدم التضحيات من أجل تحرير الصين من الاحتلال الياباني، إلى أن وقف أخيرا، وظهره إلى الحائط وتشان كاي تشيك يتآمر مع الأجانب في ذبح الشيوعيين وفي تكريس تبعية الصين للمنتصرين الجدد في الحرب العالمية الثانية، اميركا وبريطانيا.
منذ الثمانينيات وحزب الله يقود حرب تحرير وطنية تدرجت في قوتها الى أن جعلت منه قوة أثارت رعب الغرب فسارع الى تلزيم لبنان الى سوريا تحت إشراف سعودي وبموافقة كل الأطراف، بما في ذلك اعداء سوريا في لبنان، (ميشال عون اُستثني لأسباب خارج سياق بحث اليوم)...
تعددت المحطات التي حاول فيها هذا النظام القضاء على حزب الله، تارة مباشرة (مجزرتي ثكنة الشيخ عبدالله وطريق المطار) وتارة أخرى غير مباشرة، في حرب الإخوة بين امل والحزب...
كاد النظام يدخل في معركة تصفية المقاومة عندما أمرت حكومة رفيق الحريري قائد الجيش العماد إميل لحود بالذهاب جنوبا ونزع سلاح الحزب... خطة أفشلها قائد الجيش، رغم ضلوع رموز سورية كبيرة في هذه المؤامرة...
أدّى كل هذا الفشل إلى خطة أخرى قادها رفيق الحريري وتقضي بإدخال الحزب في بنية النظام وشراءه بمكاسب سلطوية...
لا يستطيع أحد القول أن رفيق الحريري فشل في هذا...
لقد فشل النظام فعلا في إفساد الحزب، ولكنه لم يفشل في تأمين دعم هذا الحزب غير المباشر لهذا النظام وكل بنيته الفاسدة...
ما نجح فيه الحريري، افرح النظام والطبقات العليا الفاسدة ولكنه لم يفرح الإمبريالية والصهيونية لأن عداوة الحزب لهذا المشروع الاستيطاني لم تخفّ، واستمر الحزب في بناء قوة تهدد امن الكيان...
هنا جاء القرار ١٥٥٩، وتلاه اغتيال الحريري لإشعال حرب سنية شيعية ...
صحيح أن حزب الله استطاع الخروج بأقل الخسائر الممكنة من هذه الهجمة الأميركية الغربية، إلا أنه لم يستطع الخروج من عباءة دعم النظام من منطلق الخوف من الفتنة أو الطعن في الظهر..
هل يكفي هذا التحليل المبسّط جدا لتبرير موقف حزب الله من النظام وحمايته من السقوط؟
الحقيقة المرة، هي قطعا... لا...
لا يكفي هذا التحليل...
بل يجب دراسة البنية الطبقية للحزب...ورؤية مدى تطابقها مع أفكاره وسياساته..
حزب الله، مثله مثل أي حزب آخر في لبنان، يحتوي أكثرية ساحقة من الفقراء ونسبة لا بأس بها من الطبقة الوسطى التي يزيد كل يوم هبوطها إلى الحضيض، وبضعة رأسماليين وطنيين، لكن مرتبطين دون وعي بالنظام الرأسمالي العالمي عبر عملهم من داخله... و غم كل النوايا الحسنة التي يمكن أن يملكوها، هم يحلمون بالحفاظ على هذا النظام الذي يؤمن لهم استمرارية رغد عيشهم...
لكن المشكلة ليست فقط في هذه الفئة الميسورة من الحزب..
المشكلة هي في العقلية الريعية
والربحية التي تتحكم بعقول الأكثرية الساحقة من اللبنانيين..
وحزب الله، جزء من هؤلاء اللبنانيين...
حتى فقراء الحزب، وهم الأكثرية الساحقة، وهم تقريبا ٩٩,٩٩٪ من المقاتلين والشهداء... هؤلاء يعيشون في مجتمع الريع بعقلية ريعية لا يقلل منها الإيمان الديني، بل يزيدها... فحتى العلاقة مع الله قائمة في أحيان كثيرة على الربح والخسارة...
ليس كل المؤمنين علي ابن ابي طالب...
كما ليس كل اعضاء حزب الله، السيد حسن...
نفس العقلية الريعية والربحية التي حولت شيوعيي لبنان الى مجرد معترضين على هذا النظام من داخله، جعلت من حزب الله قوة حماية لهذا النظام من السقوط رغم أنه نظام ساقط بكل المقاييس المكانية والزمانية والأخلاقية واي شيء آخر قد يخطر على البال...
هل يعني هذا استحالة سقوط هذا النظام؟
طالما أن أكثر القوى ثورية لا يحاول التحرر من التبعية لهذا الفكر الريعي الذي يتحكم بأكثرية اعضائه، يجب انتظار أن تؤدي الأوضاع إلى بروز قوى أو قوة ثورية تستطيع تأطير الناس في سبيل ثورة تزيل هذا النظام الساقط فعلا بكل المعايير..
هل يمكن أن يكون الحزب هو هذه القوة...
ممكن، في حالة تحرره من كل القيود التي تلجمه عن الاقتناع بانه كما أن الإمبريالية لا يمكن مبارزتها بالنوايا الحسنة كذلك نظام طبقة ال١٪، لا يمكن سوى هدمه بالمعاول وإعادة البناء على أسس صحيحة تلفظ اول ما تلفظ كل الطائفيين والمذهبيين
ومؤيدي نظام الاقتصاد الحر من أي ضوابط، غير تلك التي تسمح بمسح وطن في خدمة زمرة من المحتكرين والفاسدين من كل المذاهب والأديان...