كتب الأستاذ حليم خاتون:
إنها أزمة نظام... لا ريب في ذلك.
عندما تفشل الطبقة الحاكمة عن التفاهم... هذا له معنى واحد فقط... لقد وصل النظام إلى آخر أنفاسه...
تماما مثل الدستور الذي يستند إليه هذا النظام، دستور الطائف؛
دستور تعجز كل السلطات والأحزاب والتيارات على اختلافها، على تطبيق بنوده الأساسية طيلة ثلاثة عقود... هذا أيضاً، له معنى واحد...
إنه دستور غير قابل للتطبيق؛
دستور يحتاج على الأقل إلى أكثر من مجرد غربلة وتعديلات وزيادة ونقصان إلى أن يتغير لونه وشكله، حتى يطابق وضع بلد مركّب وطوائف وإثنيات وعقائد قومية تختلف إلى حد الخلاف...
أمس، ذهب سعد الحريري وقدم تشكيلة من المؤكد أنه تم التوافق عليها مع الرئيس بري، وألا يكون الرئيس سعد الحريري قد دخل في مغامرة سوف تقضي على أي مستقبل سياسي له...
من المؤكد أن سعد لا يستطيع الاختلاف مع بري..
سعد الحريري ليس من الغباء إلى الحد الذي يقوم فيه بفتح أكثر من جبهة واحدة في نفس الوقت...
صحيح أن ذكاءه السياسي ليس لامعا بما يكفي، لكنه ليس غبيا كما قد توحي إمكانياته باللغة العربية الفصحى...
سعد الحريري استمع الى الرئيس بري بالتأكيد... والذي بدوره يضمن سليمان فرنجية ووليد جنبلاط، ويستطيع تأمين الحد الأدنى الممكن الذي يضمن حياد حزب الله...
ولأن الرئيس بري يريد بأي ثمن حلحلة الأمور، ولأن بري يملك خاصية كميل شمعون القديمة في شبك الامور، فهو نصح الحريري بالتأكيد، عدم استفزاز عون... ربما ضربِه على الخفيف، ولكن ليس استفزازه...
إذا كانت تشكيلة سعد الحريري احترمت كل هذه الأمور، فمعنى هذا أن ميشال عون سوف يتصل بالبطرك، ليخرج من زاوية الصلاحيات التي حشر نفسه فيها ويحصل على الغطاء الماروني، وبالتالي الغطاء المسيحي خاصة أن المطران عودة يمشي مع أي شيء يمشي به سعد الحريري...
إذا صدقت هذه التحليلات، فهذا يعني أن ميشال عون قد يماطل بعض الوقت، حتى نهاية الأسبوع على الأقل... قبل أن يعطي الموافقة ويوقع المراسيم..
ولكن ميشال عون وجبران باسيل، لن يدعا الحريري في هذه الحالة يتمتع بالثقة الوازنة التي يحلم بالحصول عليها، وبذلك، يضربان عصفورين بحجر واحد:
اولا، يظهران أمام الرأي العام بمظهر (أم الصبي) الذي ضحى من أجل الوطن بعد أن نالا الغطاء المسيحي اللازم...
ثانيا، يذهب التيار العوني إلى الانتخابات من موقع المعارضة التي سوف تصر على التحقيق الجنائي ضد كل الحقبة الحريرية، بكل رموزها، وسوف يفعل المستحيل، من أجل جلب كل جماعة المستقبل وأمل الذين قد يكون لهم ولو شعرة ارتباط بإدارة مرفأ بيروت قبل التفجير...
سوف يعاود رفع "الإبراء المستحيل" بعدما تبين له أن فكرة النظام الحر لم تستطع جمعه والمستقبل تحت سقف سلطة واحدة...
ولكي يستعيد بعضا من الزخم الشعبي، سوف يلجأ بين الحين والأخرى إلى طرح الثقة بالحكومة، ليس لإسقاطها لأن حزب الله لن يمشي بهكذا أمر، بل ليظهر بمظهر الضحية المسيحية أمام تحالف اسلامي غير معلن...، يزايد على سامي الجميل وسمير جعجع بشكل يعيد أليه جزءا من الشارع المسيحي (الإنعزالي) الذي لا يستطيع التفكير خارج العلبة المذهبية...
هل يعني هذا أن حلا سحرياً سوف ينقذ النظام من السقوط؟
النظام ساقط أصلا وقد شبع سقوطا ولا يوجد اي عمليات جراحية يمكنها إنقاذه...
لكن أمران سوف يمدان بعمر هذا النظام لبعض الوقت:
أولا، أن مجرد وجود حكومة سوف يوجد أجواءََ تساعد رياض سلامة على إخراج الارانب التي رفض إخراجها سواء في دعم الليرة، أو في فتح اعتمادات على أساس دولار قد يصل إلى سعر المنصة اي ١٢٠٠٠، وفي الوقت نفسه تقوم الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور ٥٠ إلى ١٠٠٪، أو حتى ٢٠٠٪، مع عدم رفع الشطور العليا، أو رفعها بشكل بسيط...
ثانيا، لقد "وقع الفاس بالراس" بالفعل، وتحملت الطبقات الشعبية معظم الخسائر الناتجة عن كل السياسة التدميرية التي انتهجتها كل الحكومات الحريرية وغير الحريرية منذ الطائف...
زيادة على ذلك، استطاع رياض سلامة تحقيق كل شروط صندوق النقد الدولي:
١- تقليص القطاع العام، هذا حصل عبر ضرب الرواتب وإنقاصها إلى حوالي ١٠٪ مما كانت عليه.
٢- تعويم الليرة اللبنانية لكي تأخذ سعر السوق... وهذا ما زاد حتى عن الحد الادنى المفروض حين رفض رياض سلامة القيام بأيِِ من الخطوات التي تقوم بها المصارف المركزية عادة في أيام الأزمات...
٣- إلغاء الدعم وترك الناس لمصيرها... وهو الوضع الحالي بامتياز...
باختصار، يستطيع سعد الحريري الدخول في مفاوضات مع أي جهة بما في ذلك صندوق النقد ودون أي اعتراض من أي كان...
١- شروط صندوق النقد كلها تحققت.
٢- برهن شعب لبنان بما لا يقبل الشك أنه من افضل انواع الغنم بلا أي تردد أو شكوك.
٣-القوى المفروض أن تكون شعبية وحيّة، من يسار أو مقاومة وطنية أو اسلامية، أثبتت أنها لا زالت في حالة جنينية، وبالكاد تستطيع الحبو...
أما.... أما إذا كان هذا التحليل مجرد خيال لحالم مغمور طار فوق الواقع، فبكل أسف، يمكن القول إن السواد الذي مررنا به حتى اليوم لا يمكن مقارنته بالظلمات القادمة لا محالة....
الله يستر..