كتب الأستاذ حليم خاتون:
منذ أن وعى الإنسان... منذ اليوم الأول، وهو يفتش في عقله وفي الوجود عن أسباب هذا الوجود...
فتش الإنسان الأول عن كل ما يجسًد القوة المطلقة بنظره، فجعل منه إلهاََ يعبده...
تعددت أشكال هذه القوة سواء كانت ظاهرة، ظاهرة للعيان، ام ظاهرة غيبية.
هكذا تعددت الظواهر، وتعددت الآلهة...
باسم هذه الآلهة جرت حروب، حيث كان إله المنتصرين يسود بدوره لأنه هو صاحب الفضل في النصر...
حتى عندما غزا الشرق أوروبا وعندما عادت أوروبا لغزو الشرق، جرى كل هذا باسم الرب...
هل كان الإنسان يقوم بهذه الغزوات من أجل الرب فعلا، أم أن هذا الرب كان مجرد وسيلة؛ مجرد حجة لحشد الفقراء الذين كانوا مستعدين للموت في سبيل الرب، في حين كان الملوك والأمراء يسعون لنهب ثروات الشعوب المغلوب على أمرها...
بناءََ على هذا، خرج لينين بجملته الشهيرة، "الدين، أفيون الشعوب"...
ما يهمنا نحن اهل الشرق من هذه المقدمة، هو معرفة أن روحانياتنا لم تكن دوما في صالحنا...
صحيح أن الحسينيات والمساجد كانت المراكز التي انطلق منها المقاومون ولا زالوا ينطلقون... لكن الصحيح أيضا أن الإستعمار الغربي، ومنذ مئات السنين، ركز على دراساتنا الدينية لمعرفته بمدى تأثير الدين على حياتنا العادية...
من هنا كان الإستشراق...
لا زلت أذكر أن صديقتي الاولى في الجامعة، كانت تصر دوما على معرفة الفروق بين السنة والشيعة وهي تتساءل دوما كيف يمكن أن أكون وشريكي في الغرفة محمد الفلسطيني صديقين...
ولم اعرف إلا متأخرا أنها كانت مدفوعة إلي من قبل معلمة اللغة اليهودية الأصل، الصهيونية الإيمان...
حيث لم تستطيعا فهم كيف يمكن أن أكون ضد انور السادات الذي سوف يجلب الرخاء الذي لم يأت ابدا إلى مصر...
الحقيقة اني لم اعرف كل هذا إلا بعد زواجها من صديق فلسطيني آخر، حيث نجحت في زرع شقاق بيننا بحجة أني ورغم يساريتي اسعى للسيطرة على بيروت أيام اشتباكات امل والمرابطين...
عندما اعتبر منظر الحزب الشيوعي السوفياتي الإسلام دينا فتيا، كان يرى أمامه جماهير غفيرة من الفقراء، الأكثرية العظمى منهم في سن الشباب وما دون، والدين الإسلامي لا يتوقف عن التمدد، في حين كان الغرب المسيحي واليهودي مترهلا والدعوة عندهم وصلت إلى أقصاها...
أذكر يوما، جلب إلي أحد الإخوة اللبنانيين رجل اعمال بلجيكي وقدمه إلي على أساس أنه الحاج اسماعيل...
اشتريت البضاعة يومها، ولكني لم استطع الاقتناع بإسلام هذا الشيخ، والذي لا زلت حتى اليوم أتساءل عن هدفه من اختراق الجالية اللبنانية في تلك الأيام...
منذ بضعة أيام اجرى تلفزيون الميادين تحقيقا حول الجامعة الإسلامية في تل أبيب، وهي الجامعة التي أسسها الموساد بأمر مباشر من بن غوريون...
تذكرت قصة الضابط الإنكليزي الذي تقمص شخصية شيخ إيراني لزرع الفتنة بين السنة والشيعة حيث كان يتقصد سبّ عائشة وابو بكر وعمر وعثمان في مسجد غير بعيد عن السفارة التركية، والضابط الآخر الذي كان يحرًم تأميم النفط على أساس أنه مال حرام يجب أن يبقى في أيدي الكافرين الإنكليز...
كان الضباط الإنكليز في أفريقيا السوداء، ينشرون بين السكان الأصليين أن الألماس حجر ترمي به الأرواح الشريرة أمام الناس لكي يموتوا عند لمسه...
لذلك كان هؤلاء السكان الفقراء الجاهلين بأمور الدنيا يخبرون السلطات ما ان تخرج حبة الماس أثناء حرث الأرض لزراعتها؛ تأتي قوة خاصة إنكليزية على الفور لتتعامل مع هذا الحجر كما يفعل خبراء الألغام اليوم...
ووسط تصفيق المزراعين المساكين تقوم القوة بإنقاذ القرية من حجر الأرواح الشريرة هذا...
ألم يتم إلقاء القبض على ضابط صهيوني في ليبيا كان يتقمص دور أحد شيوخ السلفية؟
ألم يخرج ابو بكر البغدادي من "المعتقل" الأميركي في العراق؟
وكذلك خلفه الحالي، والذين يقومون بتصفية حتى التكفيريين الآخرين لتظل الكلمة الفصل في أيديهم...
ألم تقوم داعش نيجيريا بتصفية زعيم بوكو حرام، لتظل الكلمة لها في إدامة الصراعات الطائفية والإثنية في ذلك البلد؟
الإستثمار في الدين ليس دائما عملا حميدا كما قد يتراءى لبعض الناس...
لقد قتل أبو مصعب الزرقاوي من العراقيين، وحتى من رفاقه أكثر مما قتل من الغزاة المحتلين، هذا أذا كان قد قتل منهم أحدا كما يُدّعى....
وكذلك فعلت النصرة وجند الشام وغيرهم من الذين حوّلتهم المخابرات التركية إلى مرتزقة أرسلتهم إلى ليبيا، كما تخطط لإرسالهم قريبا إلى أفغانستان ليكونوا سيف اميركا الضارب بعد خروج الأميركيين...
هناك، في افغانستان، سوف يموت اغبياء الطالبان وأغبياء ما يُسمى بالثورة السورية في سبيل منع خط الحرير الصيني من المرور في تلك البلاد، وفي خلق بؤر توتر دائم في وسط أسيا في الجمهوريات الإسلامية السوفياتية السابقة لزعزعة الاستقرار قرب روسيا وإيران...
من المضحك المبكي أنه أثناء الاشتباكات بين حماس وفتح أيام عرفات كان كل طرف يتهم الطرف الآخر بالتشيع والتبعية لإيران...
اليوم، كل أحزاب لبنان، تدعي الإيمان بالله الواحد الأحد... وكل هذه الأحزاب نهبت وسرقت وأكثرها ورعا غض الطرف عن هذا النهب وهذه السرقات... ويرفض اليوم أن يُتهم بأنه قاتل لأنه منع دواءََ عن مريض أو منع سيارة إطفاء عن لجم النيران في مهدها...
كيف يمكن أن يكون أمرءاََ بهذا الورع الذي يدعيه وفاقد للحس الإنساني بكل ما في الكلمة من معنى؟
كيف يمكن لبن زايد أن يصلي أو يدعي الإيمان، وهو شريك لمغتصب الارض وسارق البيوت والبساتين والثروات الفلسطينية والأردنية والسورية واللبنانية؟
صحيح أن الملك طار وكذلك الشاه... بعونِِ من الله...
لكن الصحيح أيضاً، أن هناك من يرقًد الناس على احتلال وذل وفقر باسم الله أيضاً...
ألم يحن الوقت للوقوف إلى جانب الإله الحق عبر التآخي مع كل فقراء العالم لإسقاط كل امبراطوريات الشر... سواء كانت غربا استعماريا، أم أحزابا سلطوية، أم زعماء أفّاقين، أم أصحاب عصبية لم يقبلها المسيح يوما ولا محمد ولا علي..