كتب م. زياد أبو الرجا:
لا مكان للايتام على موائد اللئام
يشهد العقد الثالث من الألفية الثالثة بداية تصدع في الجغرافيا السياسية التي ارست دعائمها اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور.
و مما يزيد في تصدعها و انهيارها اولا عامل الزمن حيث أصبحت هذه الكيانات الوظيفية هرمة وعفى عليها الزمن، وثانيا انتفاء الدور الوظيفي المنوط بها كوكيل بعد ان حضر الأصيل، كانت هذه الكيانات تمول اقتصاديا و تحمى أمنيا من دول المركز الاستعماري وبحكم تكوينها عجزت على مدى قرن من الزمان عن بناء قاعدة اقتصادية تؤمن لمواطنيها الحد الأدنى من العيش الكريم، فلجأت الى الاستدانة حتى أصبحت عاجزة عن سداد ديونها المتراكمة و نظرا لانتفاء دورها الوظيفي احجمت الدول الممولة عن تقديم القروض والعون المالي لها لان الاستثمار في دورها صار بلا مردود.
ان المتغيرات الاستراتيجية على المستوى العالمي بشكل عام و القارة الآسيوية بشكل خاص والتي يتربع في حضنها اقوى محور ثلاثي: التنين الصيني والدب الروسي والأسد الإيراني، محور لديه من القوة الخشنة والقوة الناعمة ما يجعله قادرا على منع أي محور عالمي آخر من منافسته داخل القارة الآسيوية، هذا المحور الثلاثي الذي يقابله جدليا المحور المهزوم داخل القارة – أمريكا – الى إعادة التموضع الاستراتيجي والاتجاه الى الباسيفيك ليحشد اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين واستراليا في محور على تخوم الصين شرقا من جهة أولى والتموضع في الأردن والعراق حيث قواعد أربيل وعين الأسد والتنف ليصد الصين وروسيا عن التمركز على شواطئ البحر الأبيض المتوسط من جهة ثانية.
ان إعادة الانتشار الأمريكي الجديد يجعله على مقربة من الكيان الصهيوني لتوفير الحماية له والعمل على مشروع الكيان الكردي الكبير الذي سيشكل سدا وعائقا امام المشروع الصيني الحزام والطريق للوصول الى أوروبا.
ان إعادة التموضع الأمريكي بعد الانسحاب من أفغانستان يحتم علينا قراءة متأنية، فهو تموضع استراتيجي وليس تكتيكي حيث يجنب أمريكا الاستنزاف المالي والبشري وفي نفس الوقت يؤمن لها الأهداف الاستراتيجية والدليل على ذلك ان أمريكا بأقل من آلف عسكري أمريكي تمنع الجيش العربي السوري من التقدم شرق الفرات لتحريره هذه القدرة الأمريكية على الإمساك بالشرق السوري تعود الى القدرة الجوية المتمركزة في الجوار من سحق أي قوة تتقدم شرق الفرات، تدرك روسيا و الدولة السورية ذلك، وكلاهما يحاول ان يخلق المناخات الملائمة لشن مقاومة تشاغل الأمريكي في العراق و سوريا. واهم من يعتقد ان الانسحاب الأمريكي من العراق و سوريا صار وشيكا لا تحت النار ولا بالسياسة حيث ان العراق القائم على دستور بريمر اعجز من ان يفرض انسحابا أمريكيا ستبقى أمريكا في العراق حتى تتمكن من انجاز مشروع الكيان الكردي الكبير ومن هنا جاء تصريح لافروف وزير الخارجية الروسي بأن أمريكا تخطط للبقاء طويلا في الإقليم.
ان الفراغ السياسي الذي فرضه إعادة التموضع الأمريكي في المنطقة دفع بعض القوى الإقليمية الى التحرك لملء هذا الفراغ وفي نفس الوقت أصبحت الكيانات الوظيفية مهددة وجوديا وعبثا تحاول ان تجد لها غطائا يقيها الانكشاف والانكسار والتي هرول بعضها الى التطبيع مع الكيان الصهيوني علها تجد فيه سندا وعونا.
لدينا ثلاث دول إقليمية مرشحة بحكم الجغرافيا والتاريخ والحضارة لملء الفراغ السياسي هذه الدول ان نجحت في مشروعها سيختفي في ظلها الكيانات الوظيفية التي سيكون حالها كحال الايتام على موائد اللئام:
الدولة الأولى تركيا: - العضو في حلف الناتو وثاني أكبر جيش فيه بعد الجيش الأمريكي بلد لديه قاعدة صناعية متقدمة ومتطورة وموارد زراعية هائلة تغطي حاجة السوق المحلي وتملأ الأسواق الأوروبية والعربية والإقليمية بلد متطور في الخدمات السياحية مما يجعله يستقطب ملايين السواح، تركيا بلد الحضارة العثمانية التي بسطت نفوذها شرقا وغربا مما يمكنها من ممارسة السياسة الناعمة في كثير من الدول الا ان نقطة ضعفها هي العلاقة الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني وتحولها من بلد صفر مشاكل مع الجوار الى صفر أصدقاء.
لا يمكن لتركيا ولا يسمح لها ببناء امبراطورية كما يحلم اردوغان لأن كل طموحاته في المنطقة تستغلها أمريكا سيدة الناتو وعلاقاتها مشتعلة مع الجار الروسي وخلافات في ملفات عديدة بشكل عام تركيا تعمل تحت القيادة الأمريكية ولذلك السياسة التركية غير مستقلة.
الدولة الثانية إيران: - بالرغم من الحصار و المقاطعة الا انها قطعت اشواطا كبيرة في العلوم والتكنولوجيا والصناعة وهي على اعتاب ان تكون دولة نووية. ان ما يزيد عن ١٤٪ من أوراق البحث العلمي العالمي يقدمها علماء ايران و مراكز ابحاثهم و تمكنت ايران من غزو الفضاء ووضع قمر صناعي في المدار الفضائي يزودها بما تحتاجه سلميا وعسكريا، ايران دولة صاروخية بامتياز و بحكم الجغرافيا والتاريخ و الحضارة تمتلك قوة ناعمة فاعلة في الإقليم و تستند الى الصين وروسيا في تموضعها في قلب اسيا، نجحت أمريكا وأعوانها على جعل ايران العدو القومي والديني والمذهبي للعرب والمسلمين السنة وحرفت البوصلة عن الصراع الوجودي مع الكيان لإضعاف دورها وقامت ايران في مواجهة ذلك بتدريب وتسليح وتمويل الحركات الإسلامية في فلسطين مثل حماس على الرغم من إخوانيتها وكذلك الحال بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي، وأي فصيل فلسطيني لديه مشروع لمقاومة الكيان الصهيوني وتبني شعار تحرير فلسطين والقدس.
الدولة الثالثة مصر: - مصر الحضارة العريقة التي تمتد الى آلاف السنين وجسم الوطن العربي إسلاميا وعروبيا، هذه الدولة الوازنة في التاريخ قديمه وحديثه مكبلة ومقيدة بإرث السادات الذي اخرجها من دورها الإقليمي وساقها الى اتفاقية كامب ديفيد وسلط على شعبها الفكر الظلامي الذي تكفل بمحاربة الفكر التنويري والقوة الوطنية التي ناضلت للحفاظ على السيادة الوطنية والدور الإقليمي.
مصر التي كانت منارة العلم والمعرفة أصبحت الآن دولة تفتك الأمية بها حيث نسبة الأمية تفوق ٤٠٪ ، مصر التي كان يحج اليها ملوك و رؤساء العرب كي لا تغضب عليهم ويتسولون على أبوابها لترضى عنهم وحال مصر الآن تابعة وضائعة ينهشها الإرهاب التكفيري على اكثر من جبهة وتتلقى الضربات الاقتصادية التي قد تحرمها من مداخيل القناة اذا صار تصدير النفط العربي عن طريق ايلات – عسقلان، ان الطبقة الحاكمة في مصر التي لا تزال تراهن على أمريكا تفتقد السيادة الوطنية الحقة وأخذت تبحث عن دور إقليمي مع الصغار وتجري وراء أوهام تصدير الغاز والكهرباء الى العراق علها تعوض ما تفقده من مداخيل قناة السويس غير مدركة للفخ الأمريكي الذي يريد ان يضعها امام فوهة المدفع الإيراني و المدعوم صينيا وروسيا، يا سيد مصر الحبيبة ان اردت ان تدخل في حلف شامي ما عليك الا ان تغادر موقع الايتام و تذهب وتصلي في المسجد الأموي وتضع يدك بيد سيد قاسيون العصي على الغزاة وتعيد لمصر الدور الذي أمم القناة وتصدى للعدوان الثلاثي وبنى السد العالي واعد الجيش المصري للعبور التاريخي، يا سيد مصر الكنانة رد للشعب المصري والعربي الأمانة والا فأن التاريخ لا يرحم الذين يستمرؤن المهانة، أعد لمصر جريان نيلها وشموخ اهرامها، اقدحي يا مصر الزناد ومن غيرك يأتينا بالوعد والميلاد ان مكانك الطبيعي في المقدمة وليس ذيلا للأوغاد
يتوجب على مصر ان تحمي جبتها الغربية من الإرهاب وذلك بالتنسيق مع الجزائر التي يتهددها الإرهاب من الشرق الليبي التونسي و الجنوبي الصحراوي ان التصدي للإرهاب في ليبيا وتونس عماده التحالف مع الجزائر و الانفتاح على الصين وروسيا و التحرر من التبعية لأمريكا راعية الإرهاب العالمي ان تكتل الشام الذي انخرطت فيه مصر ولد ميتا وشهادة وفاته ستسطر بعد الانتخابات العراقية ان الصين ذاهبة بقوة الى سوريا حيث الشام التاريخي وستلتف كل جغرافيا الشام حولها وستشهد شعوبها الرخاء ان هناك تكتل إقليمي قيد التشكل ويعد على نار هادئة عماده العراق- سوريا وان امتنعت القوى السياسية في لبنان عن الانضمام لهذا التكتل ستكون نتيجته انفصال جغرافيا لبنانية عن لبنان الحالي وتنضم الى سوريا الام وسيشمل هذا الانفصال الجنوب اللبناني والبقاع وشمالا حتى طرابلس، و سيجد الأردن مكانه الطبيعي في هذا التكتل لأنه مازال في عين العاصفة، وما المؤامرة " الفتنة " التي وقفت ورائها كيان نتنياهو وأمريكا ترامب وبعض الدول الإقليمية وستبقى هذه الجهود الفتناوية تمارس ضد الأردن الذي يقف على أرضية التمسك بثوابته اتجاه القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني و رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ويقف خلف مليكه شعب واحد ( فلسطيني – أدرني ) شعب يدرك أكثر من أي وقت مضى ان وحدته الوطنية هي الحصن الحصين هذه الوحدة التي تجلت في ابهى صورها ابان معركة سيف القدس.



