كتب الأستاذ حليم خاتون:
"السلام عليكم"، بهذه الكلمات بدأ باراك أوباما خطبته أمام الطلبة والهيئة التعليمية والمسؤولين المصريين في جامعة القاهرة...
علا التصفيق، وعمت فرحة لا توصف بين الحضور، وعند العامة من أنصاف المثقفين وغير المثقفين على الإطلاق، في كل من العالمين العربي والإسلامي ..
نفس هذه الفرحة كانت ترتسم على وجوه رجال القبائل العربية من جيش الشريف حسين في الجزيرة العربية حين اتخذ "لورنس العرب" لنفسه إسما عربيا ووضع كوفية على رأسه...
وكما غطت كوفية لورنس مؤامرات ماكماهون وبلفور، وأعمت الأبصار عن خيانة العهود وعن اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم بلادنا بين المستعمرين،
كذلك فعلت كلمة "السلام عليكم" التي تلفظ بها أوباما...
كلمات معسولة ربما ابتسم لها جمال مبارك وأبوه حسني قبل أن يكتشفوا أن الهدف منها هو خطة متكاملة لشرق أوسط جديد يقوده الإخوان المسلمين الذين عليهم حل مسألة استيعاب الفلسطينيين بالشكل الذي يريح اميركا ويلبي مصالحها... وأهم مصالحها، الحفاظ على الكيان الصهيوني الجاثم على صدورنا...
كان باراك أوباما قد اقتنع بأن أردوغان تلميذ جيد... كل ما يحتاجه هو إيجاد أردوغان واحد أو أكثر عند العرب...
فقط أردوغان فلسطيني ممكن أن يدخل في تسوية مع الإسرائيليين، فكان خالد مشعل عز الطلب...
كان يجب إيجاد أردوغان مصري يوافق على وهب أراض في سيناء لتكون الوطن البديل للفلسطينيين... هنا أيضاً، تم طبخ المسائل بسرعة وانتهى ربيع مصر بمحمد مرسي رئيسا للجمهورية و"صديقا عزيزا لشيمون بيريز، رئيس دولة إسرائيل"...
حيث يوجد وزن للإخوان المسلمين يجب أن ينتشر الربيع العربي...
ليس مهم مدى تبعية هذا النظام أو ذاك لاميركا، المهم أن يكون الإخوان المسلمين في وضعية القدرة على استلام السلطة...
طار زين الدين بن علي في تونس، حيث الغنوشي والنهضة.
ثم طار حسني مبارك، حيث قوة الإخوان المسلمين قادرة على منع الانتفاضة المصرية من أخذ مداها والوصول بقوى ثورية إلى السلطة وتخريب كامب ديفيد وخربطة كل خطط أوباما لإنهاء القضية الفلسطينية عبر وأدها في البلاد العربية حيث يتواجد الفلسطينيون...
حتى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي كان أعطى الأميركيين كل شيء، بما في ذلك علاقات تحت الطاولة مع الكيان الصهيوني؛ حتى صالح هذا، لم يسلم منهم وجرت محاولة لاغتياله من أجل "زركه" للتخلي عن السلطة لصالح رجل طرطور هو الرئيس هادي الذي يتحكم به حزب الإصلاح الإخواني...
سرت الأمور بشكل جيد جدا، فكان لا بد من الانتقال الى المشاكس السابق والذي لا يمكن التنبؤ بحركاته... معمر القذافي..
كان الثورجي السابق، والمتشبًه بجمال عبد الناصر، التائب على أيدي الغرب بعدما رأى ما حدث لصدام حسين؛ كان قد فقد القليل من العقل والمنطق الذي كان يملكه، يوم انقلابه واستلامه للسلطة ليتحول بعدها إلى زير نساء يبذر ثروات الشعب الليبي على نزواته وشراء رضا الغرب من أجل البقاء في السلطة...
طار القذافي...
هناك نظام عربي، ربما الوحيد الذي لا يمكن أن يقبل بوأد القضية الفلسطينية... هو النظام الذي لم يتأخر يوما عن دعم كل انواع المقاومة من أجل استرجاع الأرض...
الجيد في الأمر في سوريا بالنسبة للأميركيين، هو وجود قوة إخوانية لا بأس بها، مع نفوذ سعودي (زهران علوش)، ونفوذ قطري منتشر عبر استثمارات لم تكن سوى غطاء لخدمة اميركا عند الحاجة...
سوريا المحاطة بفلسطين المحتلة، والاردن ولبنان التابعين للنفوذ الأميركي، وتركيا الأطلسية، بدت في الوهلة الأولى طريدة سهلة...
حتى حركة حماس، بقيادة مشعل، مشت بالمشروع الأميركي في المنطقة بقيادة أردوغان...
من مآسي الدهر على الفلسطينيين أن التيار الإخواني ومنذ إطلاق الطلقة الأولى، استطاع السيطرة على النضال الشعبي الفلسطيني، فقاده في خط متعرج متعدد السقطات حتى انتهى به الامر في أوسلو...
لا تكرهوا أمرا عساه يكون خيرا لكم...
ذهب أوباما وجاء ترامب...
ذهب أوباما وأخذ معه خطة الوطن البديل في سيناء...
ذهب اوباما بعد أن بدأ مشروعه يتهاوى على أسوار دمشق...
كما يقول الدكتور جورج حبش، (ضمانة القضية الفلسطينية هي في "وطنية" الصهاينة...)
جاء ترامب مع صهره كوشنير بمشروع صفقة القرن... لم يعد نتنياهو يهتم لتسوية مع الفلسطينيين...
يريد نتنياهو كل شيء، بما في ذلك الجولان السوري...
ولأن الإخوان لا يحملون أي فكر لبناء دولة قانون وعدالة اجتماعية ولا زالوا يعيشون في القرون الوسطى، بدأ مشروعهم بالتصدّع...
سقطوا في مصر، قبل أن يضيعوا وسط المتخلفين أمثالهم في ليبيا... في حروب لا تنتهي...
في اليمن، خرج عليهم أنصار الله وهم الآن في وضع لا يُحسدون عليه، خاصة مع وصول الأنصار إلى تخوم مأرب...
في سوريا، خسروا كل شيء ولولا الحماية التركية في إدلب والشمال السوري، لكانوا اختفوا عن الخارطة السياسية، حتى لو استمر النباح الغربي المطالب بدستور طائفي مذهبي على نسق دستور برايمر في العراق...
أمس، قرر الرئيس قيس سعيد أن يضع حدا لسيطرة النهضة والغنوشي على الحياة السياسية في تونس...
إنها آخر قلاع الإخوان المسلمين بعد ربيع اسود لم يجلب على العالم العربي سوى انحطاط ومآسي...
هل يحمل الرئيس سعيد مشروعا وطنيا آخرا أكثر إشراقا لتونس؟
التوانسة خرجوا إلى الشوارع يهللون ويرقصون بعد أن انزاح الكابوس الإخواني عن صدورهم...
هل سوف يشكل الرئيس قيس سعيد نقطة انطلاق بناء دولة قانون وعدالة اجتماعية؟
وحده المستقبل سوف يقرر...
لكن عصر الإخوان يجب أن يعود إلى العصور الوسطى التي جاء منها...
أوطاننا بحاجة إلى أفكار تنوير وليس تكفير وظلمات وعمالة...