كتب الأستاذ حليم خاتون:
في كل أصقاع الأرض، الخيانة خيانة... إلا في لبنان...، الخيانة وجهة نظر... المرفأ ليس سوى مثل...
في كل أصقاع الأرض، الذي يحتل الأرض... هو العدو...
الذي يشكل خطراً على الوجود، هو العدو...
الذي يخترق الأجواء والمياه الإقليمية، هو العدو...
الذي يرسل الجواسيس ويزرع المتفجرات، هو العدو...
الذي يحاصر البلد ويضع عليه العقوبات، هو العدو...
الذي يستبيح السيادة ويخرق كل الأعراف في العلاقات بين الدول، هو العدو....
الذي يعمل على خنق الإقتصاد، هو العدو...
الذي والذي والذي...
إلا في لبنان...
كل المنطق في تحديد الأعداء والأصدقاء خاضع لمنطق آخر،
منطق السادة والعبيد...
في لبنان، كل عنزة معلقة بكرعوبها...
في لبنان، هناك مجموعات سكانية وُلدوا عبيدا ولا يستطيعون إلا أن يكونوا عبيدا...
في كل البلاد، كتاب تاريخ واحد، يستند إلى تاريخ واحد حتى لو تضمن صراعات أهلية... إلا في لبنان...
في لبنان، لكل طائفة تاريخها...
تاريخ قد لا يكون مشرقا في المقاييس العالمية للوطنية، لكن ما العمل؟
يجب خلط هذه السَلَطة بكل ما تحويه من مكونات، لعل الناتج يكون وطنا واحدا...
لقد حرصت سايكس بيكو على تقسيم الوطن الواحد إلى مناطق، وأعطت كل منطقة من هذه المناطق اسم دولة...
اختلف أهل هذه المنطقة في الجذور التاريخية، منهم من يرى أنه عربي أو فينيقي أو كلداني أو أشوري أو سرياني أو قبطي أو أمازيغي أو الخ من الحضارات التي توالت على هذه المنطقة من العالم... ومنهم من يريد أن يصير صهيونيا بكل بساطة...
عندما يخرج من يطالب بمؤتمر تأسيسي بين كل هذه المكونات لتحديد الهوية والهدف، تطلع الصرخة... رغم أن لا حل إلا بهكذا مؤتمر يكون عبارة عن ويستفاليا لبنانية مصغرة، على الأقل، بانتظار ويستفاليا لكل المنطقة العربية مع كل إثنياتها وطوائفها...
تنص شرعة حقوق الإنسان على حق الشعوب في مقاومة الاحتلال...
لذلك لا يستطيع أحد رفض الاعتراف بالمقاومة علنا ومباشرة...
بعضهم من أمثال وليد جنبلاط وفؤاد السنيورة وسامي الجميل وسمير جعجع وغيرهم وجدوا أن الحل الافضل لهذه المعضلة هو بنفي وجود أرض محتلة من الأصل...
لا يوجد مزارع شبعا، ولا تلال كفرشوبا، ولا القرى السبع التي هي في واقع الأمر أكثر من أربعين قرية وبلدة لبنانية...
هكذا شطب جماعة اميركا هذه المناطق من مساحة ال١٠٤٥٢كلم٢
فصار وجود مقاومة ضد احتلال غير موجود، هو أمر غير شرعي...
أما عن احتلال الصهاينة لفلسطين، فهذا شأن آخر يجب حله من ضمن المبادرات العربية التي كان آخر تجلياتها سلوك محمد بن سلمان وأبناء زايد ومحمد السادس وبرهان السودان والحبل جرّار...
باختصار، يريد هؤلاء التخلص من الفكر الخشبي الذي يتعلق بقشور فلسطين والاقصى وكنيسة القيامة، ويعمل لعظمة ما سوف تجلبه لنا اتفاقيات ابراهام من سلاسل "ذهبية،وماسية" لا تُقدّر بثمن...
هؤلاء يرون العدو من منظار بن سلمان وأبناء زايد... العدو هو ذلك الإيراني "الخسيس" الذي يخرًب الأمور على السيدين الأميركي والصهيوني ويقوم بتسليح الفلسطينيين كي يحرروا وطنهم كما فعل مع اللبنانيين والعراقيين ولاحقا مع السوريين...
عادة، وفي كل البلاد، لا تزيد نسبة المقاومين الفعليين الذين يقاتلون، ١٠-٢٠٪ من عدد السكان.
هكذا كان الأمر في فرنسا مثلا، أيام الاحتلال النازي...
الأكثرية من السكان، حوالي ٥٠-٧٠٪ من الناس يكونون مع المقاومة حسب المصلحة... هم يريدون التحرر من الاحتلال، لكنهم لا يريدون دفع الثمن، لا في الأرواح ولا حتى في المادة...
أقلية قليلة، عادة ما تكون مع الاحتلال... ليس فقط من موقع العمالة، بل لأسباب ارتباط مصالحها مع مصالح قوة الاحتلال...
إذا نظرنا إلى لبنان عبر صورة مكبّرة، نجد ان هذا الأمر ينطبق بشكل عام أيضاً في هذا البلد..
معظم أعداء المقاومة ينطلقون من مسألة المصالح المشتركة التي تربطهم بشكل مباشر أو غير مباشر مع قوة الاحتلال أو القوى الحليفة أو المساندة له...
العدو المباشر للمقاومة هو إسرائيل...
القوى الحليفة والمساندة لإسرائيل هم اميركاخصوصا، الغرب بشكل عام، الأنظمة الرجعية العربية، أنظمة اكياس الأموال البترولية العربية...
نظرة بسيطة إلى الأمور، تُظهر بما لا يقبل الشك أن أعداء المقاومة في لبنان هم من المرتبطين عضويا ومصلحيا بأمريكا والغرب والرجعية العربية وأنظمة أكياس المال...
سمير جعجع وسامي الجميل يجلسان في حضن بن سلمان وبن زايد ويرضعان من خزائنهما..
كذلك يفعل وليد جنبلاط وكل نادي رؤساء الحكومات مع تياراتهم السياسية...
أكيد أن لدى هؤلاء أتباع، يستفيدون مما يبقى على العظام بعد أن يشبع أسيادهم...
عمر غصن ليس سوى المثل الاحدث لهؤلاء...
بعد هؤلاء تأتي نسبة كبيرة من لاحسي الحساء...
هؤلاء الذين يهمهم أن يستمر الدولار الأميركي بالمجيء حتى ولو ترافق ذلك مع لحس حذاء بن سلمان وأمثاله...
هؤلاء يصرخون مطالبين بالسيادة، لكنها سيادة الدولار على الوطن وليس العكس...
يظهر عهر هؤلاء على الشاشات حين يتجاهلون أبسط أمور السيادة الوطنية، ويختبئون خلف الكذب الفاضح حين يتحدثون عن المقاومة...
ساعة، يقولون إن المقاومة ترتبط بتجارة المخدرات...
ساعة أخرى ينتقدون سقوط شهداء للمقاومة خارج الحدود...
فجأة، ترق قلوبهم رأفة بالشهداء...
يزعجهم سقوط المشروع الإمبريالي في سوريا متجاهلين أن التكفيريين ما كانوا ليعتقوا لبنان واللبنانيين من جرائمهم لو لم يهزمهم حزب الله هناك....
باختصار، مسألة العداء للمقاومة ليست منفصلة عن عالم المصالح...
هؤلاء، يعادون المقاومة لأن مصالحهم مرتبطة بمصالح أعداء المقاومة...
ومصالح أعداء المقاومة هي نفسها مصالح أعداء الأمة وأعداء لبنان...
عبثا، محاولة إفهام هؤلاء أن اميركا عدو... لأن مصالحهم ترتبط بمصالح اميركا... هم حين يقفون مع اميركا، إنما يقفون مع مصالحهم...
نادرا ما يمكن أن يضحي أمثال هؤلاء بمصالحهم من أجل مصلحة الوطن...
إن محاولة استمالة أعداء المقاومة إلى جانب الوطن هو من الاستحالة بمكان لأن دين هؤلاء وديدنهم، هو في لغة المصالح...
مشكلة المقاومة أنها لا تملّ من المحاولات رغم كل الطعنات التي تلقتها وتتلقاها...
يبدو أن في المقاومة أصدقاء لهؤلاء العملاء أو إخوة لهم... لذلك هم مصرًين على عدم الكف عن تلك المحاولات اليائسة البائسة التي لن توصل الوطن إلى بر الأمان...
"نحنا هيك ومش خالصين من شرهم" يقول بعض الإخوة ردا على المطالبة بضرب العملاء بيد من حديد...
"نحنا عم نمشي حد الحيط، ونقول يا رب السترة" تقول إحدى الأخوات من جمهور المقاومة"...
إنها سياسة المهادنة التي لن توصلنا إلى بر الأمان بالتأكيد...
هذه المهادنة التي وصلت إلى حدّ المداهنة حين جعلنا من فؤاد السنيورة ومروان حمادة شركاء في النصر، رغما عنهم...
هؤلاء هرعوا إلى السيد الأميركي يقدمون ولاء الطاعة ويقسمون أن لا شأن لهم بهذا النصر وإن السيد حسن يريد توريطهم في أمر هم منه براء...
البصيرة مفهومة، وهي دوما مطلوبة... لكن حتى متى، ومع من الصبر؟
لا تستطيع المقاومة الدخول الى وكر الأفاعي اعتمادا فقط على الصبر والبصيرة...
مع الافاعي السامة، لا بد من عصا غليظة للتأديب وسيف قاطع إن لم تنفع العصا...
هل يمكن بعد كل الذي حصل ويحصل عند هؤلاء العربان أن نستمر في لغة التخاطب والدبلوماسية...
ما حصل في خلدة ليس سوى نتيجة لعدم حسم الأمور...
العشائرية لا تخيف المؤمنين، ويجب أن لا تخيفهم...
من خاطب الصهاينة والتكفيريين عبر فوهة البندقية، لا يمكن أن يعامل بعض الجهلة المتعصبين بأقل مما يستحقون من لغة يجب أن لا تكون أقل من مستوى السابع من أيار...
ما قاله السيد حسن فضل الله، هو فقط الكلمة ما قبل الأخيرة من فصل الخطاب....
من الآن وصاعدا، لا صوت يجب أن يعلو فوق صوت الوطن...
الوطن الذي يمتد من المحيط الى الخليج، شاء من شاء وأبى من أبى، واللي مش عاجبه يدق رأسه بصخور جبال لبنان...