لو عدنا قليلا للوراء ثلاثين عاما فقط , وجلسنا نشاهد نشرة الاخبار الفلسطينية او العربية او حتى العالمية , سنجد ان الخبر الفلسطيني هو الخبر الاول في جميع نشرات الاخبار , ولا تكاد تخلو نشرة اخبار من ذكر فلسطين , نعم كانت فلسطين الرقم الصعب والخبر العالمي الاول بلا منازع , عملية عسكرية تهز تل ابيب , عملية عسكرية في حيفا , اشتباك مسلح يستمر لعدة ساعات في اريحا , مجموعة من الفدائيين تتسلل الى مستوطنة الخالصة وتشتبك مع قوات الاحتلال , نعم هذه الاخبار كانت الخبر الاول على شاشات التلفاز محليا وعربيا ودوليا , كانت تهز العالم وضمير العالم , وكانت الثورة الفلسطينية محط انظار الجميع وقبلة الاحرار في جميع انحاء العالم .
الان دعونا نشاهد نشرات الاخبار في اخر ثلاثين عاما , اول ما سنلاحظه هو اختفاء الخبر الفلسطيني عن الشاشات العربية والعالمية , اما فلسطينيا فلن نسمع سوى , استشهاد امراة فلسطينية مسنة على حاجز ابصر شو , استشهاد فتى فلسطيني في البيرة , استشهاد شيخ فلسطيني في القدس , عباس وللمرة 145 الف بعد المليون يهدد بوقف التنسيق الامني , قوات امن السلطة تخرج بالكلاسين في اريحا ولو طلب منها لخرجت دونها , قوات امن السلطة تعتدي على الاسرى المحررين والعلماء الفلسطينيين وتنكل بهم , بناء الاف الوحدات السكنية للمستوطنين في الضفة , ابن عباس يشتري فندق الفورسيزن في عمان فقط بمبلغ 28 مليون دولار , حفل زفاف ابن دحلان يكلف فقط مليون دولار , ابناء هنية يستثمرون في قطاع البناء في تركيا , شنطة العمادي في طريقها للقطاع , قطعان المستوطنين تقتحم الاقصى , بالمختصر اخبار تجلب الامراض القلبية , ويبقى الامل بثائر يخرج من تحت الرماد ويعيدنا للزمن الجميل . من ما سبق نستطيع استقراء المشهد الفلسطيني لاربعين عاما قادمة , عباس سيموت ويرحل بكل تاكيد ولن ياسف احد لرحيله , حركة فتح ستقوم بانتخاب خليفة له كرئيس للحركة ومن المتوقع ان يكون جبريل الرجوب بحكم موقعه كامين سر اللجنة المركزية للحركة , وبحكم سيطرة الحركة على منظمة التحرير الفلسطينية , فسيعين خليفة عباس هذا رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير , وبالتالي رئيسا لسلطة الذل والعار , وبالتاكيد سيستمر بذات النهج العباسي العرفاتي التفريطي مع حبة سكر زيادة , فمثلا اذا كان التنسيق الامني مقدس بالنسبة لعباس , فهو عند خليفته سيرقى لمرتبة الحج وهذا يوجب سبع لفات حول منزل رئيس الكيان وبملابس الاحرام , وستستمر فصائلنا بالمناشدة والحوار حرصا على الوحدة الوطنية , فاذا كانت الحياة مفاوضات بالنسبة لفتح فهي بالنسبة للفصائل حوارات , وبالتاكيد سنشهد موجات من الهجرة الجماعية الفلسطينية للدول الاوروبية وقد تصل الى جزر الواق واق , اما بالنسبة للمقدسات والاقصى , فستتبرع دول الخليج العربي بتكاليف نقل القصى كبناء من القدس الى رام الله او غزة او حتى صحراء سيناء , وستقوم جامعة الدول العربية وكبادرة حسن نية لانهاء الصراع بتعديل وتطوير مبادرة السلام العربية لتصبح السلام مقابل العبودية ورغيف الخبز , اما الكيان فسيرفض المبادرة الجديدة باعتبار انها غير قابلة للتحقيق فهو يريد العبودية دون مقابل . ان ما تقدم ليس بالنظرة التشاؤمية , بل هو واقع الحال حسب المعطيات الحالية , لكن تغيير الحال ليس من المحال , اذا امتلكنا الارادة وغادرنا مربع العجز المزمن , لا يمكن ولا باي شكل او منطق ثوري اعتبار سلطة الذل والعار , سلطة اوسلو اذناب التنسيق الامني الموسوم بالعمالة والخيانة الوطنية , لا يمكن اعتبارها شريحة من شرائح الثورة الفلسطينية , واي حديث عن وحدة وطنية مع هذه الشريحة هو نوع من العبث السياسي وتعبير فاضح عن حالة العجز والافلاس الفكري والسياسي الذي تعاني منه الفصائل الفلسطينية , بالمحصلة هي ازمة قيادة , لو كان قمر الشهداء ابو علي مصطفي حيا بيننا اليوم ما كان ليقبل باي لقاء مع هذه الزمرة وهو القائل عدنا لنقاوم على الثوابت لا نساوم , ولو كان الحكيم , حكيم الثورة والشعب الفلسطيني القائد الخالد جورج حبش حيا بيننا اليوم , ما كان ليقبل باي لقاء مع هذه الزمرة وهو القائل – ان القيادات التى جائت باوسلو والتى اعقبت اوسلو لا تمثل ولا يمكن ان تمثل شعبنا الفلسطيني - . بالمختصر لا بديل عن الجبهة الوطنية العريضة كاطار قيادي ثوري مؤقت للشعب الفلسطيني , ولا بديل عن اسقاط سلطة الذل والعار ومحاكمة رموزها محاكمة ثورية