كتب الكاتب حليم خاتون:
لعبة البوكر، عادة ما تنتهي عند كشف اوراق اللعب... وكشف الأوراق هذا، يحدث في حالتين فقط:
إما أن يلعبها أحد اللاعبين سولد ويطلب كشف .الأوراق...
أو يتم توزيع كل اوراق اللعب الموجودة على الطاولة... وفي لبنان تم توزيع كل الورق، وهو في أيدي أمراء الطوائف..
في الحالة الأخرى، تنتهي اللعبة عندما يستطيع أحد اللاعبين بلف الآخرين، وإنهاء اللعبة رابحاََ دون حتى كشف الورق...
فهل حدث هذا في لبنان؟
من يلعب سولد؟
ومن يبلف؟
تأليف الحكومات في كل أنحاء العالم، هو إيجاد جهاز يكون جزئياً أو كلياً، ممثلا لإحدى السلطات الرسمية الثلاث... أي السلطة التنفيذية...
في لبنان، وفي هذا الوضع، وهذه الأيام تحديداً، يختلف الوضع...
شئنا أم أبينا، هذه الحكومة سوف تكون وخلال بضعة أشهر،
الجهاز السلطوي المركزي في لبنان، حيث سوف تختصر في نفسها كل السلطات الثلاث، التنفيذية، والتشريعية، والقضائية...
هذا إذا افترضنا جدلا، أن للسلطة القضائية في لبنان أية حَيْثِية تتمتع بأي نوع من الإستقلال، ولا تتبع لباقي السلطات أو حتى للخارج كما هو حال السلطة القضائية عندنا...
هذا في الوقت الذي تجد السلطة التشريعية نفسها على كف عفريت، قد تحركه قوى داخلية أو خارجية، لا فرق...
منذ سنين ونحن نسمع بتعبير الثلث الضامن، أو الثلث المعطل عند الحاجة...
ما قصة هذا الثلث؟
في جمهورية ما قبل الطائف، كانت السلطة شبه المطلقة بيد رجل واحد... هو رئيس الجمهورية الماروني تحديدا...
جاء الطائف، ونقل هذه السلطة إلى كل الحكومة "مجتمعة" على حد زعم أهل الطائف...
بما أن تعبير "كل الحكومة مجتمعة"، يفترض توافر الشرعية الميثاقية... اعتبر أهل الطائف، أن هناك عدلا في توزيع السلطة بين الطوائف، ومن يقول توزيع السلطة، يقول توزيع الثروة بين امراء هذه الطوائف...
فهل توافرت هذه الشرعية الميثاقية في كل حكومات ما بعد الطائف؟
إذا أخذنا حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي استقال منها كل الوزراء الشيعة، ورفض السنيورة حتى التقيد بمجرد تصريف الأعمال، وفرض أمورا خلافية من المحكمة الدولية إلى محاولة عزل رئيس الجمهورية المؤيد للمقاومة آنذاك، إميل لحود... الخ...
كل هذا أدى إلى قرارت السنيورة، التي أدت بدورها إلى فقدان بنيان ومنظومة سلطة الطائف الى الشرعية اللازمة...
يمكن القول أن فؤاد السنيورة كان أول من كشف أهم عورة في جمهورية الطائف... وساهم تاليا وعن غير قصد بتسليط الأمور على هذا البناء المهزوز...
يستطيع الرئيس بري تسمية حكومة السنيورة هذه بالحكومة البتراء من الآن وحتى آخر الكون، "وقد ما بدّو" الرئيس بري؛
لكنه لم يستطيع تغيير أو حتى تعديل أي أمر من الأمور المصيرية التي ارتكبها فؤاد السنيورة...
إنه نفس فؤاد السنيورة الذي يتباكى هذه الأيام على نظام الطائف رغم أنه كان أول من حمل معول لهدمه، حتى لو كان ذلك دون قصد...
إذاََ، وحتى لا "يفلق أحد رؤوسنا بالميثاقية" في نظام الطائف، لا تقع علل هذا النظام فقط، في هذه الميثاقية، بل في أبعاد اخرى من مثل كون هذا النظام الطائفي مطلبا أميركيا إسرائيليا بامتياز، مع عجز الرجعية العربية عن الإجابة على أقل قدر من طموحات الناس... والسلطة الرسمية في لبنان، هي جزمة الرجعية العربية بامتياز أيضاً وأيضاً...
قد تكون هذه الأمور فاتت على الآباء الروحيين لمؤتمر الطائف، أمثال الرئيس حسين الحسيني والرئيس السابق لحزب الكتائب، جورج سعادة الذي تمتع بمباركة البطرك صفير ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في تلك الأيام، من أجل أسباب أهمها:
١-تلافي هزيمة قوى التقسيم من ناحية...
٢- الخضوع لأوامر مباشرة من اميركا والغرب من ناحية أخرى...
الرئيس الحسيني والرئيس جورج سعادة وغيرهم لم يستطيعوا رؤية تلك العيوب التي رآها الأستاذ والرئيس اللاحق لحزب الكتائب المحامي كريم بقرادوني...
يقول بقرادوني أنه كان في باريس قبل التوقيع على اتفاق الطائف، حين قام الرئيس رفيق الحريري بطلب رأيه في مسودة هذه الإتفاقية...
رفض بقرادوني بشدة تجريد رئيس الجمهورية من صلاحياته، بما في ذلك حلّ الحكومة... فكان جواب الحريري أن هذه الصلاحية سوف تبقى لأن الرئيس سوف يكون لديه ثلث ضامن، حتى إذا ما استقال هذا الثلث، أُعتبرت الحكومة مستقيلة حتما، وبشكل تلقائي...
وعندما تساءل الأستاذ بقرادوني عن احتمال عدم إعطاء الرئيس هذا الثلث، أجاب الحريري بأن الرئيس يستطيع عندها، عدم التوقيع على التشكيلة بكل بساطة، فيستحيل تأليف الحكومة وإصدار مراسيمها...
هذا يعني فيما يعني، أن الطائف وضع مصير الحكومة في أيدي رجلين، هما رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية...
أي بدل سلطة تنفيذية برأس واحدة، صار عندنا سلطة تنفيذية مع رأسين، دون إيجاد اي إطار دستوري جدي يسمح للسلطة التشريعية أو القضائية في لعب أي دور ذي معنى في منع الاستبداد والتفرد...
دستوريا، ووفقاً لاتفاق الطائف، يحق لرئيس الجمهورية أن يكون لديه ثلث ضامن... وإلا، فإنه لن يوقع...
فعليا، هذا الحق، بالإضافة إلى افتقاد أي قوانين مراقبة ومحاسبة لهذه السلطة التنفيذية، جعل من جمهورية الطائف خزنة مال يسطو على أموالها هذان الرئيسان بالتكافل والتضامن، بعد رشوة كل من يمكن أن يفضح هذه السرقات أو يقف في طريقها ويحاول منعها...
هكذا نشأت جمهورية العشرة والعشرين والثلاثين بالمئة بين مجموعة من رؤوس السلطات الدنيوية والدينية...
كما قيل أعلاه...
هذه الحكومة سوف تكون السلطة التي سوف تتولى أمور الدولة المالية والاقتصادية والسياسية بشكل شبه كامل لعدة أسباب:
١- لدينا من جهة، حكومة تصريف أعمال مكبلة اليدين... في حال لم يتم التشكيل...
٢-لدينا رئيس للجمهورية سوف تنتهي ولايته بعد حوالي السنة...
٣-لدينا مجلس نواب مهدد بفقدان الشرعية لتولي السلطة لأكثر من سبب... سواء عبر الاستقالات، أو حتى عبر وفاة كبار السن في المجلس...
هكذا يكتمل سقوط الشرعية الميثاقية، بعد سقوط الشرعية الشعبية...
في حال لم يكن لدى عون ثلث ضامن، يستطيع ميقاتي السيطرة على هذه الحكومة كما فعل قبله فؤاد السنيورة... هو لا يملك فقط قوة حلّ الحكومة... هو يملك أكثر من نصف الحكومة عبر سيطرته على كل وزراء السُنّة وقسم مهم من وزراء الشيعة والمسيحيين... ناهيك عن وزير وليد جنبلاط...
هل يستطيع جبران باسيل التعطيل؟
هو يريد اسقاط الطائف ويهدد بذلك عبر التعطيل، لكنه خائف من هذا السقوط أن يؤدي إلى خسارة المناصفة... هو يعيش توازن رعب حقيقي بين الرغبة في إسقاط الطائف، والخوف من المثالثة...
نظريا هو يملك الشرعية لفترة محدودة، ومحدّودة جدا بفضل عاملين:
١- انتهاء ولاية الرئيس عون...
٢- السن المتقدمة للرئيس عون...
هو يلعب سولد عبر تعطيل التأليف في حال لم يحصل على الثلث الضامن لأنه، في هذه الحالة، لن يستطيع البلف...
إذاََ، هو محشور في الوقت المتبقي، يهدد سرا، بأن الرئيس لن يترك القصر في حال عدم التشكيل...
هو يعرف أن ميقاتي يحتاج إلى هذا التشكيل، لكي يكون هو القوة التي تسيًر أمور الدولة...
لذلك، هو يبتزه لفرض أمور تحد من هذه الصلاحيات...
عدم تشكيل الحكومة سوف يعني تلقائيا انهيار آخر خطوط الدفاع عن جمهورية الطائف ودستورها...
لذلك.ميقاتي هو أيضاً في ورطة...
إذا عصر كثيرا، سوف تؤدي الأمور إلى سقوط الطائف، وسقوط احتكار تفسير الطائف حول احتكار السلطات...
١-حكومة تصريف أعمال فارطة؛ ٢-رئيس انتهت مدة ولايته؛ ٣-مجلس نواب قابل لفقدان الشرعية على أيدي مجموعة من النواب ليس من الصعب إيجادها... لذلك، لا ينام مجلس النواب ولا الرئيس بري، على حرير...
هو يعرف أن نظام الطائف الذي جعل من أمراء الحرب بارونات سياسية ومالية قد ينفجر في أي لحظة... وهو يخاف ذلك ولا يريده...
هذا السقوط سوف يعني تلقائيا، حل من إثنين:
١- إما الذهاب الى حرب أهلية لن تحل شيئا كما يخبرنا التاريخ عن احداث ١٨٦٠، و١٩٥٨، وصولا إلى ١٩٧٥ وقلاقل ٢٠٠٤-٢٠٠٥، ثم ٥ و ٧ أيار... وانتهاء بالأزمة الحالية...
٢- أو الاضطرار إلى الجلوس على طاولة لإعادة تنظيم العلاقات بين المكونات اللبنانية...
هنا أيضاً، سوف نكون أمام حليّن:
١- إما إعادة تقسيم جبنة السلطة على المكونات، على اختلافها.. مع ما يعنيه هذا من دفن الجمر تحت الرماد فترة من الزمن قبل أن يندلع حريق الطائفية من جديد ونرى الدوامة تعيد نفسها، سواء تم تقسيم الجبنة فدراليا أو ضمن نظام مركزي، ولكن دوما دون قيام دولة القانون والعدالة...
٢- أو نذهب الى حل نهائي يتجاوز الطوائف والمذاهب وبقية التقسيمات التي يعمل الغرب على استغلالها بين الحين والآخر، فنعمل على إقامة نظام علماني يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات، وحيث لا يكون فيه لعمر أو علي أو جورج من فضل واحدهم على الآخر إلا بمدى الإلتزام بالانتماء إلى هذا الوطن وإلى أهل هذا الوطن...
امل التي احتفلت منذ أيام بذكرى اختفاء الإمام الصدر لم تعد ترفع لواء الدولة المدنية بنفس القوة...
الأحزاب المسيحية التي من المفترض أن تكون أكثر المستفيدين من مدنية الدولة، تبدو غارقة في انعزالية أسوأ من انعزالية الجبهة اللبنانية ايام الحرب الأهلية...
حزب الله، اللاعب الأساسي، رغم أنه لا يلعب البوكر، هو أكثر القوى إحاطة بمجريات اللعب...
لذلك، هو لا يحاول أي شيء على الإطلاق...
هو يحرص فقط على التكيف مع الأمور لكي لا يخرج لا خاسرا ولا رابحا في الداخل لأن كل همه يرتكز على قضية واحدة.. فلسطين...
لكن حزب الله، كما الآخرون ينسى أن الرابط بين الدولة القوية العادلة وتحرير فلسطين، هو حبل فولاذي لا يمكن أن ينقطع...
الدولة القوية العادلة، هي وحدها الكفيل بالتحرير...
الغرب وأميركا يعرفان هذا، ولذلك لن يسمحوا لنا بالتطور...
عجزوا عسكريا، فلجأوا إلى التجويع والاقتصاد والحصار والعقوبات...
هي ليست دعوة إلى الحرب...
لكن، هل هناك من حل منطقي آخر...؟
عندما تشن اميركا علينا حربا كونية شاهدنا مداها في سوريا، ولولا حزب الله، لكانت جحافل برابرة العصر الأميركي قد اجتاحت ومنذ زمن، معراب والمختارة وبيروت ولكانت النساء اللواتي يرفضن سلاح المقاومة اليوم قد تم بيعهن في أسواق اللحم البشري الرخيص...
عند.هءا يكون السؤال المنطقي:
حتى متى ندفن رؤوسنا في الرمال ونرفض إقامة الدولة القوية العادلة التي لا يمكن أن تكون إلا مدنية.. مدنية.. مدنية.
حليم خاتون