كتب الكاتب حليم خاتون:
فتش اللبنانيون في الأساطير والحكايات الشعبية عن بطل مقنّع يماثل روبين هود أو زورو، أو أي من الأبطال الذين يأتون لرفع الظلم عن الناس...
أبطال، يصادرون المنهوب من أموال الناس، مكدسة في خزائن اللصوص من أصحاب القصور الباهتة والمزيّفة، ثم يعيدون توزيعه على الفقراء والمساكين...
ابطال، أحيانا ما يكونون اسثناءََ في طبقة النبلاء الشريرة كما كان حال زورو...
واحيانا اخرى، يكونون مجرد أناس عاديين، دفع بهم الظلم الى عشق الحرية والكرامة والعدالة كما في حالة ذلك المقاتل الاسكتلندي الشهير الذي قاتل من أجل تحرير بلده من الاحتلال الملكي الإنكليزي المقيت...
لكن... في لبنان، كلما أتت حكومة، لعنت أختها...
اللبنانيون بدورهم، يلعنون تلك اللحظات اليتيمة من الأمل المزيف الذي لازم حياتهم مع طبقة سياسية غارقة في فساد لا يشبهه إلا فساد أسلافهم ممن حكموا ونهبوا هذا البلد منذ تأسيس الكيان وحتى يومنا هذا...
أخيراً، اتجهت دواليب البوكر الحكومي الى الرئيس الملياردير جدا، محمد نجيب ميقاتي...
صال الرجل وجال إلى أن توصل مع الرئيس العنيد جدا، و"المقاوم" جدا، وصديق فرنسا وأميركا قديما وربما حديثا، ميشال عون...
توصل الرجلان معا الى تركيبة حكومية يجب الإعتراف فعلا انها مجموعة من الرجال وامرأة، غير معروف عنهم اي شيء على الإطلاق... لا "منيح"، ولا عاطل...
من يعرف؟
قد تنقش مع شعب لبنان هذه المرة...
٢٤ وعشرون مقنّعاََ قد يخرج من بينهم الياس سابا جديد او أميل بيطار آخر...
هل من يذكر حكومة الشباب برئاسة صائب بيك سلام في أول عهد الرئيس الأسبق سليمان بيك فرنجية، جد الوزير السابق وربما الرئيس القادم، سليمان بيك طوني فرنجية...
يومها، خرج الياس سابا وإميل بيطار مع حفظ الألقاب، خرجا عن روتين حكومي ممل؛ خرجا يلبس كل منهما قناعا يحارب من خلفه لنقل الإدارة الحكومية اللبنانية من عصر تحالف الإقطاع ورأس المال إلى نوع من الديمقراطية البرجوازية الإنسانية الحديثة...
طبعا، لا ضرورة للقول إن الوزير بيطار عاد إلى بيته مستسلماََ أمام مافيا احتكار الدواء الموجودة دوما، خالدة في جلد الناس... بينما ظلّ الوزير سابا يحارب طواحين الهواء على طريقة دونكيشوت الإسباني حتى الأمس القريب...
الحقيقة تُقال، استطاع الوزير سابا خلال نضاله، انتزاع أكثر من (بقة) عن جسد الإدارة المالية اللبنانية المثقلة بكل انواع البق والحشرات الأخرى... والكثير منها يتقمص أجساداََ بشرية هي معظم من توالى على حكم هذا البلد منذ تأسيس الكيان ومرورا بطائف رفيق الحريري وشلته، وصولا إلى عصر ميشال عون الذي بدأ بإبراءِِ، مستحيل... ولا زال يتخبط حتى هذه الثانية، بإبراءِِ ذاتي وموضوعي أكثر استحالة...
حزب الله قَبِلَ بهذه الحكومة لأنه لا يستطيع عمل أي شيء آخر...
على الأقل، حزب الله على قناعة بأن قدراته تتوقف عند هذه الحدود...
( شو منقدر نعمل؟ منقلوا أنت قوي وقادر، بقول لا يا خيي، أنت واهم...)
بالتأكيد، لا يريد أحد تحميل هذا الحزب فوق طاقته، رغم قناعة الناس أن الحزب قادر على أكثر بكثير مما هو ظاهر...
الكثيرون من أصحاب الضمير الوطني الحي وصفوا هذه الحكومة، بحكومة ديفيد هيل، أو على الأقل، بأن هواها فرنسي أميركي...
لكن پولا يعقوبيان مصرة أنها حكومة حزب الله...!! ؟؟
كيف توصلت پولا إلى هذا الاستنتاج... ربك وحده عليم...
فكل الوزراء تقريبا مجهولين... وهذه حسنة في لبنان يجب فعلا تقديرها...
المجهول في لبنان قد يحتوي على بعض الأمل... في العمل الحسن...
أما المعروفون من طبقة المال والسياسة، جُلّهم إن نحن أردنا الحيطة، (خرج) مزبلة التاريخ...
ولأن هؤلاء الوزراء غير معروفين، يجب في المبدأ، انتظار افعالهم قبل الحكم...
لكن المثل يقول: إن المكتوب يُقرأ من العنوان...
العنوان الأول هو أن رئيس هذه التشكيلة ليس على الإطلاق من أصحاب، لا النوايا ولا الأفعال الحسنة...
يكفي مسألة قروض الاسكان التي استفاد منها الرئيس ميقاتي وعائلته عن غير وجه حق...
إضافة أيضا الى مسألة الكفالات المسروقة التي أُخذت من المشتركين في خطوط الهاتف الخلوي والتي تشارك فيها ميقاتي مع رفيق الحريري مع بعض الفاسدين من النظام الأمني السوري الذي حكم البلد أيام رفيق الحريري...
لذلك، وقبل أي شيء آخر،
على الرئيس ميقاتي الاعتذار من اللبنانيين واتخاذ الإجراءات بحق نفسه قبل الوصول إلى الآخرين...
قد تكون المفاوضات مع صندوق النقد أحد فروع الحل... لكن لهذا الحل، فروع كثيرة أخرى، ليس اقلها التفاوض مع الصينيين والروس والإيرانيين من أجل الوصول إلى اتفاقات ثنائية وثلاثية وأكثر...
لكن كل هذا (كوم)، والحل العادل (كوم)...
هل يمكن تصوّر الحل الذي كان سوف يأتي به روبين هود؟
إنه حل بسيط جدا...
جمع كل الطبقة السياسة والمالية والتجارية في لبنان في المدينة الرياضية، وليس في الريتز كما فعل ابن سليمان أو كما يطالب اللواء جميل السيد...
هؤلاء، وفق الإحصاءات والبيانات العلمية، يشكًلون أقل من واحد في المئة من شعب لبنان العظيم...
هؤلاء يملكون سيولة مالية من عدة عشرات من المليارات من الدولارات، لا يعرف احد مصدرها الفعلي... ومدى شرعيتها...
هؤلاء يملكون في لبنان املاكا غير منقولة تزيد على عشرات المليارات الاخرى من الدولارات غير المعروف مصدرها هي الأخرى...
أقل من ربع هؤلاء، أي 0.2% من شعب لبنان العظيم، استطاعوا بمساعدة النظام المصرفي اللبناني الفاسد الحصول على خمسبن بالمئة من كل القروض الممنوحة والمقدرة أيضا بعدة عشرات من المليارات من الدولارات...
ليس من احد يريد الظلم...
هو مجرد تحقيق عن مصادر تلك الاموال الهائلة، وعن شرعية الحصول عليها...
المطلوب المعاملة بالحسنى، ولا ضرورية لاستدعاء روبيسبير ومقصلته من أيام كومونة باريس...
يخرج من المدينة الرياضية إلى بيته مرفوع الراس، كل من يستطيع إدخال جملِِ في خرمِ إبرة كما قال السيد المسيح...
ألم يقل يسوع إنه من الأسهل إدخال جمل في خرم إبرة على إدخال غني إلى الجنة...
حتى اللواء السيد كان رحيما حين قال انه يجب إطلاق كل من يتبرع بربع أو ثلث أو نصف ما يملك.... ونغمض الأعين على مصدر باقي الاموال...
هل سوف تخرج علينا حكومة ميقاتي، وتطلب من رئيسها ورئيس رئيسها وأمثال رئيسها بأن يتفضلوا ويعيدوا إلى الخزينة نصف اموالهم المنقولة وغير المنقولة؟
إذا قاموا بهذا الفعل تنتهي الأزمة تلقائيا... حتى دون سجن أحد أو اعدام أحد...
ألا يخجل من سوف يفاوض للحصول على قروض، حين سوف يواجه السؤال التالي:
لماذا تلجأ حكومة لبنان الى الإقتراض من الخارج وعندها في الداخل، على أرض لبنان، مجموعة من المتمولين الذين تفوق ثرواتهم عدة عشرات وعشرات من المليارات؟