دكتور عامر الربيعي / المحور الأمريكي ومهمة البحث عن القطب الضائع
مقالات
دكتور عامر الربيعي / المحور الأمريكي ومهمة البحث عن القطب الضائع
د.عامر الربيعي
21 أيلول 2021 , 13:23 م
دكتور عامر الربيعي / المحور الأمريكي ومهمة البحث عن القطب الضائع

 

تعتبر الساحة العراقية دوما عامل مغذي لحركة القطب الأمريكي منذ الحرب العراقية -الايرانية وإلى يومنا هذا .

 الانكسار الوحيد الذي تعرضت له أمريكا في العراق جاء بسبب تحرر هذه الأرض من الأذرع المتعددة التي تكبل الارض العراقية ،ظهر الانكسار جليا بعد الانتصار العراقي على داعش ، حيث ترسب على سطح الساحة العراقية كل تلك الأذرع التي كانت عبر عشرات السنين تتحرك بحذر ، وتوافق فيما بينها ، وتبادل ادوار مدروسة.

 

انتصار الحشد الشعبي على داعش ، فعل بخطوات ثابتة جيوبوليتك كانت غافية من غدر المعتدين ، ومنطقة محرمة لا يجوز المساس بها ،إلا الحلف الصهيوامبريالي. أدى انتصار الحشد والجيش العراقي إلى صعود العراق وبشكل مباشر وسريع ضمن قواعد الاشتباك، حيث كلما ارتفع منسوب وعي أبناء العراق ، وكلما ظهرت الاصطفافات وتوجهاتها من قبل المكونات الحاكمة كلما ضاق الخناق حول الأذرع المغذية للجيوبوليتك الامريكي القائم على القطب الواحد، وتصعد مكانة العراق العالمية إلى الارتباط بمحاور دولية عديدة سواء مع آسيا أو مع أوربا ، ناهيك عن محوريته في الوطن العربي. 

لتأتي قمة بغداد لتنفس نوعا ما عن ضغط المأزق الذي يعبره المحور الأمريكي ، بكل اذرعه، ومن خلفهم الكيان الصهيوني الداخل في تطبيع مع معظم دول الخليج، والأردن ومصر . 

 

إشكالية: هل انطلقت أمريكا لمحاصرة الصين من قمة بغداد المنعقدة في 28/8/2021، أو من إعلان بايدن الانسحاب من افغانستان الذي اكتمل في 31/8/2021 ؟

كان الجميع في العراق يتسائل عن الحكمة من عقد قمة تدعى إليها مفاصل المحور الأمريكي باغلبية ملحوظة ، بالإضافة إلى إيران وفرنسا، عن الأهداف والنتائج التي تفرزها ؟هل هي لصالح العراق؟*

 

الذي يعاني من وضع مقلق وخاصة وأن تحضيرات دؤوبة تشغل بال العراقيين بخصوص انتخابات الشهر العاشر . 

كان تصميم واصرار مصطفى الكاظمي على عقد القمة مثير للتساؤل حول أهميتها للعراق في هذا الوقت الحرج؟ وما هي المهمة التي كانت مناطة به وتحيط به معظم أدوات الحلف الصهيوامبريالي ، فلم تكن إيران المعنية ، إيران شريك العراق في الانتصار على داعش، لكن تبقى المساحة التي فسحت لفرنسا في أرض العراق تكتنفها الريبة!! 

فأمريكا التي نتفت كل دول العالم من الطيران في سماء العراق الا بامرتها ، منذ 1990والى الان ، يفسح المجال لفرنسا في ظل رئيس وزراء لا يستطيع أن يوقع عقد واحد من دون أن يعود إلى أمريكا وبريطانيا وسفارتهما في العراق. 

صراع الأقطاب يدار من العراق وأفغانستان، وتم تفعيله في كلا الساحتين لوصول أمريكا الى حقيقة انزواء أمريكي يقابله قوى صاعدة ، لا قدرة لامريكا على التصدي لها . حيث تتمتع هذه القوى الصاعدة بعوامل سياسية واقتصادية وجغرافيا وتشابك المصالح ، تجعل منها تسير من دون الالتفاف إلى التأخر الأمريكي الذي يستحق ما يعانيه.

موضوع قمة بغداد تم استثماره داخليا وخارجيا ، الأول استخدام موضوع التشويش على الانتخابات كواجهة ظاهريا، والتي لا تعني الأمريكي بالقدر الذي تحققه القمة برمي طعم الاستثمار الداخلي، الذي يتحرك وفق موافقتها.

يغيض أمريكا قطبي قارة آسيا وقارة أوروبا، فبعد انسحاب أمريكا من أفغانستان وترك وسط آسيا مرتعا للتطرف ولجبهتي طالبان و داعش، والإحاطة بالصين جهة الغرب وإيران من جهة الشرق،واشارة بايدن في لقاءه الصحفي عن خروج قواته من أفغانستان الاتي:-

( ان هناك تحديات داعش والإرهاب ومخاطر عديدة أخرى تظهر بمرور الوقت ، اعتبر بايدن ان طالبان حليف وسيكون هناك تنسيق معهم وأضاف أن هناك تريليونات من الدولارات تنفق على المؤسسة العسكرية، ونحن نعيد التمركز بمواردنا العسكرية لمطابقة التحديات والاماكن الجديدة في آسيا وشرق اسيا تحديدا ). 

ويجب ان نركز على التنافس الاستراتيجي مع الصين وغيرها كفيلة بأن توضح الهدف الأمريكي من الانسحاب.  

وتحقق انسحابها من أفغانستان في خلق بؤرة قلقة من الجانب الغربي للصين.

ثم جاءت مرحلة الاتحاد الاوربي بألمانيا منعت من الدخول لبلاد الرافدين حتى ولو تحت عنوان إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية وبضغط أمريكي سافر على الجانب العراقي.

 واليوم فرنسا التي دخلت العراق، حيث تعتبر فرنسا الدولة الأوربية التي تمتلك عوامل القدرة على توحيد صوت أوروبا كواجهة متصلة على ثقة معظم دول أوروبا باستثناء ايطاليا.

 بالإضافة إلى امتلاكها لشركات العملاقة للاعمار ك لافارج وبويك وايفارج وفنسي وتوتال لموارد الطاقة وغيرها في مختلف دول العالم تنافس الشركات الأمريكية،

ارباك واحراج فرنسا امام المجتمع الدولي ، بسحب اتفاق شراء الغواصات الفرنسية من قبل استراليا بأخرى امريكية، هذا يقودنا إلى طرح إشكالية: 

1-هل قمة بغداد كانت طعم الجانب الفرنسي ؟ وخاصة وأن أمريكا عارضت تدخل ألمانيا في إصلاح قطاع الكهرباء في العراق ؟ ام هو تفاهم فرنسي أمريكي؟ 

فكيف استطاع الكاظمي- القادم من ساحات الجوكر - في ساحة التحرير و عقد اتفاقيات للاستثمار بالمليارات مع فرنسا من دون العودة إلى امريكا ؟ 

كنا ذكرنا سابقا ، ان أوروبا ومنذ،2003حاولت بطريقة وأخرى الحصول على مكاسب مع دول العالم من خلال مسار منفصل نوعا ما من المسار الأمريكي، نلاحظ أن ماكرون دعى الى تكوين جيش اوربي، انخراط دول أوربية عديدة في اتفاقيات مع روسيا والصين ، وهذا دليل على بحث أوروبا عن إطارها الذي يؤهلها للبروز كقوة إلى جانب القوى العالمية. كانت أكثر الدول المهيئة كرمز لاوربا هي فرنسا وخاصة بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوربي. 

إذن دعوة فرنسا لقمة بغداد ، مبدئيا كانت مبنية على التفاهم الأمريكي في لبنان وفي مواقفهم تجاه سوريا وروسيا وغيرها من القضايا ، لكن العراق أرض محرمة ، انها أرض جيوسياسية يتغذى منها الأمريكي لينطلق ، فكانت الخطوات الفرنسية في العراق ، وبطريقة دونالد ترامب المسرحية ارتفع منسوب الغضب والغيض الأمريكي من فرنسا ، ليتوج بايدن تحالف بريطانيا وأمريكا واستراليا ، بسحب صفقة بيع الغواصات الفرنسية التي تتحرك بالمازوت، الأمريكية تتحرك بالطاقة النووية يقول هنري كيسنجر في كتابه النظام العالمي ان الولايات المتحدة منطلقة بالإضافة إلى مصالحها كأولوية امام الحلفاء ، الا ان الولايات المتحدة لم تكن مطالبة باستعادة التوازن الجيوسياسي بل التعالي عليه وتجاوزه .

 

 تخبط أمريكي واضح ، مباركة كل من أمريكا وبريطانيا ببيع سلاح حربي ثقيل في بقعة جغرافية تعتبر الأكثر نشاطا وذات احلاف اسيوية مهمة على مستوى العالم ، وبلدان اسيوية مسلحة مطلة على المحيط الهادي والهندي. ناهيك عن خداعها لفرنسا، سيؤدي بالعديد من دول العالم إلى إعادة النظر في خياراته في الاصطفاف الدولي وفق رؤيتهم المناسبة. ودفع نحو تشكيل اتحاد اوراسي أكثر فاعلية . 

إذن خطوة بايدن من إعلانه الاتفاق الثلاثي ما هي إلا عملية استدعاء وايقاظ للإرث الإمبراطوري البريطاني القديم النائم تحت التاج البريطاني الداخل في احلاف مع اساطيل الاستكشافات الجغرافية القديمة ، واذرع هذا الإرث هي أمريكا واستراليا، فهي صوت وضمير بريطانيا في الأساس. 

 

إشكالية : هل تلويح واشنطن بالقوة بجر الحبل مع كل من آسيا وأوروبا آخرها مع فرنسا ، سيغير من موازين القوى القائمة؟ ام سيحافظ على مكانة أمريكا المحركة للجيوبوليتك الدولية لأنها تعتبر نفسها ذات مسؤولية كونية؟

 أو قد يكون العكس يبقى ثلاثي اوكوس متوزعا كهيكلية لدول عالقة في جزيرة استراليا يفقد شيئا فشيئا كل القيم والمبادئ والأخلاق الكونية؟

 

دكتور عامر الربيعي 

رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية العربية الاوربية في باريس

المصدر: وكالات+إضاءات