كتب الأستاذ أحمد العسكري\ مصر:
_ لعلّنى لم أتصور أننى سأجد نفسى مضطراً _ ذات يوم _ للكتابة فى هذا الموضوع ! ... و ذلك يرجع لِاعتقادى المطلق بأنّ مصادقة إيران هو الموقف الطبيعى الذى لا يحتاج شرحا ! و لا يستدعى تفسيرا ! ... فى حين أنّ معاداتها عبارة عن كسر مقصود لمنطق الأشياء ! ...و إغفال متعمد لتأثيرالجغرافيا ! ...و تناسٍ خطير لوقائع التاريخ! .. و لكنى تحت سيف التساؤلات قررت الكتابة ليس تبريراً لرأى أؤمن به _ اقتناعا _ دون الاصرار عليه_ عنادا _ !! و لكن بالاساس لكى تكون افكارى كلها واضحه بلا ظلال تعيق رؤية الملامح ! و من غير مواربة تخفى حقيقة النوايا ..!!
_ اننى دوما ما أردد عبارة أراها كاشفه بأكثر من اللازم لحقيقة موقفى، و هى 《 ان انتمائى العاطفى كله لمصر الا ان ولائى العقلى كله لايران ! 》..و هى عبارة تحتاج توضيحاً فقيمة أيّ موقف لا تكمن فى إعلانه بل فى تأصيله ! و هذا ما سوف أشرحه فيما هو قادم من نقاط :
١) من المؤكد ان تأييدي لِإيران لا يرجع لسبب ( عرقى)، فأنا لست فارسياً يبحث عن بقايا "المدائن " ! او يحِنُّ الى قصور "كسرى " ! ..
كما إنه من المستحيل أن يكون السبب "مذهبياً " ...وأنا، بكل وضوح، لست شيعيا ارفع شعارات "الولاية" يوم الغدير!...ثم. أُلوِّحُ براية "الثارات" فى ذكرى كربلاء ! ..
و إن كان هذا لا ينفى تقديرى لحضارة فارس ! وشغفى بتاريخ الشيعه ..! .
٢) اننى من المؤمنين بأن توصيف الصراع بيننا و بين اسرائيل عبارة عن صِدام حول الوجود و ليس نزاعاً على الحدود! ...
و بالتالى، لا بد أن ينتهى بفَناءطرف و بقاء آخر ! واليقينى ان العالم العربى أكبر من أن يَتِمَّ ابتلاعُه ! كما ان الشعب الفلسطينى أعمق من أن يكتمل اقتلاعه ! ..
و هذا معناه أنّ (إزالة ) إسرائيل حتمية، مهما بدا الهدف اليوم بعيداً و صعبا ! ... فإسرائيل، كما هو معروف،تستندفى بقائها على قوة السلاح، و ليس على شرعية القبول! ...
والسلاح وحده لا يضمن مستقبلا ! و لايصون وطنا!... لِأنّه قادر على فرض الأمر الواقع فقط، بغض النظر عن اتِّساقه مع حقائق التاريخ واحكام القانون ! و ذلك الواقع متغير؛ فمثلما لم يكن حاضراً بالامس! قد لا يكون موجوداً غدا !! ... و لقد قالها بوضوح المفكر اليهودى الشهير ( يوري أڤنيري ) في كتابه" Israel without zionism :《لا بد أن تُطِلَّ إسرائيلُ على الماضى، لتعرف أنّه لا يوجد كيانٌ راهنَ على القوةوحدها إلّا انتهى و تبخر من فوق الخرائط !! 》
٣) ان الرئيس السادات قرر فى لحظة ما ان حرب اكتوبر تشرين ١٩٧٣ هى آخر الحروب مع اسرائيل !! ...ثم سار وحده على طريق طويل وموحش نحو السلام المنفرد .. و هذا ما كانت تريده"تل افيف" بالضبط منذ البداية، و أقصد 《 عزل مصر عن الشام ! 》 و لقد تحقّق ذلك _جغرافيا _ عام ١٩٤٨ بنيران البنادق ! ثم اكتمل _ سياسياً _ عام ١٩٧٩ بأوهام السلام !!! .
٤) إنّ اللحظه التى خرجت فيها مصر من ميدان الصراع ..دخلت بها إيران الى حلبةالمواجهه ! ..لتوقد ضوءاً كان قد انطفأ ! وتُحيِي أملاًكان قد مات!فأنا أستطيع القول: إنّ تأثير مشهد هبوط السادات (بمبادرته )على مطار بن غوريون قد تلاشى بنزول الخمينى
(بعمامته) على مطار مهر آباد !!! ...
فى المشهد الاول كانت مصر تدخل عصر " الغيبه " ! و بالثانى كانت إيران تبدأ زمن " العوده " ..!! .
٥) لقد استندت شرعية الثوره الإسلاميه على أنّها أطاحت بشاه ايران«شرطى الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة» على حد تعبير الرئيس كارتر للأمبراطورة ( فرح ) بقصر ( نيافاران ) ليلة رأس السنه عام ١٩٧٧،حينما كان يراقصها تحت انعكاس الشموع! و على أنغام الموسيقى! ... فكثيرون من أبناء جيلى لا يعرفون كيف كانت طبيعة العلاقه بين إيران من جانب وأمريكا و إسرائيل من جانب آخر ! و دعونى أنقل لكم محضر جلسة بالكرياه، بين جنرال ( عزرا وايزمان ) و جنرال ( حسن توفانيان ) لكي أُعطى إشارةً على شكل تلك العلاقات...
-"جنرال وايزمان:
إنّني أُريد إبلاغ الشاه عدة أُمور :
_ اسرائيل ترى إيران حليفها الاستراتيجى بالمنطقة
_ اسرائيل ستمد إيران بصواريخ ( أرض _ أرض ) بعيدة المدى !
_ إسرائيل ليس لديها مانع فى أن تضع إيران محتوى (ذَرّي ) على رؤوس الصواريخ !
بل سوف أُذَكِّرُكم أيضاً بما قاله ممثل الموساد لسنوات طويلة، فى طهران، جنرال (يعقوف نمرودى):
«سوف يأتى يوم أروي ما فعلته تل أڤيف من أجل الشاه!... صدِّقونى، وقتها لن تشعروا بالمفاجأه! و لكن سوف تصيبكم الصدمه»!!!
٦) حينما أسقط " آية الله الخمينى" نظام (الطاووس) و أَسّس نظام (الفقيه)، كان لابد أن تستند سياسته الخارجيه على امرين:الاول:عداء كامل للولايات المتحده!...
والثاني : رفض شامل لِإسرائيل !
لأنّه بغير ذلك ستتماثل المواقف ويتشابه الرجال ! ... وتصبح الثورة عبارة عن تغيير لأشخاص ! وليست تبديلا لسياسات ! .. ولهذا لم يكن غريباً أن يكون شعارُ الخمينى بالأساس«ال.م.وت لأمريكا».
٧) طوال الأربعين سنةً الماضيه كان الهدف الرئيسي للولايات المتحدة واسرائيل، في هذه المنطقة هو إسقاط النظام القائم بإيران ... فى البداية حرّكوا ( صدام حسين ) و فشلوا ! ... ثم راهنوا على العقوبات وأخفقوا ! .. ثم فكروا فى ضربه مباشرة وتراجعوا!...لتتحول إيران، مع الوقت، إلى عقدة مثل عقدة Gordyos ! في الأساطير الاغريقية، حيث إنّ محاولة فكها خطر!و قرار تركها أخطر ..!! .
٨) إنّ إيران لم تكتفي طوال تلك العقود بمراكمة قوتها وتطوير قدراتها ..و لكنها نظرت إلى ما وراء الحدود ! لتؤيد و تسلح كل من كان مستعدا لمواجهة اسرائيل ..من حزب الله و من الحوثيين حتى الجهاد الإسلامي..لتصبح صداعاً بعقل واشنطن وتل أڤيف ..صداع لا علاج له ! و لا حل معه !! .
_ ببساطة: إنّ موقفي من إيران يرجع إلى أنّها تمارس الدور المصريّ في الستينات، و لكن بصورةٍ اكثر وعياً و فهما ! وبطريقةٍ أقلَّ تهوُّراً واندفاعا ! ... حيث الوقوف ضد السياسة الأمريكية ! و ردع الغطرسة الإسرائيلية! ومحاولة إيجاد توازن قوى في منطقة شديدة الحساسية !!! ..و لهذا أتعجّبُ، بعد كل ذلك من سؤال:«لماذا انت مع إيران»؟! ... بكل وضوح، لأنّ عقلي و ضميري لا يسمحانِ لي أن أكون«على(ضدّ) إيران!»