كتب الأستاذ حليم خاتون
ربما لا يعرف الكثيرون بروس لي ولم يشاهدوا أفلامه قبل الحرب..
كان بروس لي مشهوراََ على أنه بطل العالم في الكاراتيه... وفي هذه اللعبة القتالية يتدرب اللاعب المقاتل ليس فقط على فنون القتال الجسدي دفاعا وهجوماََ؛ يتدرب أيضاً على التميز بالصبر، على السيطرة على الغضب، وخصوصاََ وقبل اي شيء آخر، على محاولة حلً أي خلاف بمعاملة الخصم بالحسنى وتفادي استعمال القوة قدر الإمكان...
ما يحصل مع حزب الله في لبنان، منذ زمن طويل؛ منذ ما بعد التحرير، هو صورة طبق الأصل لما كان يلاقيه بروس لي من معاملة من قِبل الكثير من الأوغاد الذين كانوا يرون سكوته على الأذى ومحاولته حل أي خلاف بالتي هي احسن مظهراً من مظاهر الضعف...
مشكلة هؤلاء الاوغاد كانت دائما أنهم لا يعودون إلى الصواب إلا بعد أن يتلقوا درساً عبر ولو تحطم عظم من عظامهم حين يحاولون توجيه لكمة إلى وجه البطل أو حتى محاولة اقتناص ضربة من الخلف...
خلال حياة الرئيس رفيق الحريري، وأثناء الوجود السوري في لبنان، لم يكن الحزب مضطراً للتعامل مع اوغادِِ رغم وجودهم دوما على الساحة...
ربما لأن كل هم الحزب يومها كان موجهاََ للتصدي لنشاطات إسرائيل وعملائها الذين كانوا أعداءََ أيضاً لسوريا...
تغيرت الأمور كثيرا مع اغتيال الحريري وبعد هذا الاغتيال...
هَدَفَ هذا الاغتيال أساساً إلى إدخال لبنان في نفق الحرب الأهلية مجددا عبر الذين خرجوا فورا إلى الشارع يحرضون مفتي الجمهورية ويعملون لتكتل سُنًي درزي مسيحي يواجه الشيعة ويحاول عزلهم وضربهم علّه ينجح في ضرب حزب الله...
كان المخطط يسعى لاستغلال العصبية بدعم مباشر من الرجعية العربية من أجل هذا الهدف...
رغم الأذى، كظم حزب الله الغيظ وقدم الكثير من التنازلات لتلافي اي انقسامات عمودية بين الطوائف...
عندما فشل اغتيال الحريري في إشعال الحرب الأهلية، قررت إسرائيل أن القيام بحرب تدميرية شاملة سوف يضعف حزب الله الى الحدً الذي سوف يسمح للنظام اللبناني القائم بالقيام بالضربة الأخيرة واعتقال قادة الحزب وإنهاء المقاومة مرة واحدة وإلى الأبد...
قد لا يصدًق البعض... لكن زنازين وسجون بُنِيَت من أجل استيعاب قادة المقاومة...
لم تطابق حسابات الحقل حسابات البيدر عند الصهاينة...
خرج حزب الله بعد ٣٣ يوما منتصراً ومكرساََ حقيقة جديدة...
لقد تم قهر الجيش الذي لا يقهر...
صُدِم الأميركيون، صُدِمت إسرائيل، صُدِم الرجعيون العرب، تفاجأ العالم...
لكن اكبر علامات الصدمة ظهرت على وجوه عملاء الغرب والرجعية العربية في لبنان...
قرر السنيورة وجنبلاط وجعجع وصبيانهم انتظار فرصة أخرى...
في الخامس من أيار سنة ٢٠٠٨، أثار وليد جنبلاط مشكلة خطوط اتصالات داخلية مستقلة عن شبكة اتصالات السلطة الرسمية سمحت لجبهة المقاومة بالبقاء بعيدا عن أعين الأميركيين...
انضم فؤاد السنيورة ومروان حمادة إلى الجوقة المطالبة بفكفكة هذه الخطوط مستندين على ميلشيات الاشتراكي وعدة مئات من المرتزقة تحت إشرافِِ من مخابرات أردنية وسعودية وأميركية وبريطانية وفرنسية...
كان جهاز الأمن في حزب الله على علم بالكثير من هذه الأمور.. في السابع من أيار، قرر حزب الله القيام بعملية سريعة لم تدم أكثر من ٢٤ ساعة انتهت بهرب معظم هؤلاء المرتزقة والعملاء من مرفأ جونية باتجاه قبرص واستسلام المليشيات المحلية بعد ضربات موجعة لم يتوقعوا قوتها قبلاََ...
وكما يحصل في الأفلام، تظاهر السنيورة وجنبلاط و١٤ آذار بالاستسلام ولجأ الجميع الى الرئيس بري للحماية من الضربة القاضية...
تدخلت الرجعية العربية وتركيا بسرعة لمحاولة إنقاذ هؤلاء العملاء عبر دعوة الجميع الى مؤتمر في الدوحة...
وقع وفد حزب الله هناك تحت ضغوط الرئيس بري الذي أراد حماية النظام القائم الذي يلائمه جداََ من جهة؛ وضغوط التيار العوني الذي كانت كل همومه محصورة في انتزاع مكاسب انتخابية رخيصة لا ترقى إلى هدف إقامة نظام وطني مدني (علماني) ينهي سلطة الطوائف في لبنان ويقيم دولة قوية عادلة... من جهة أخرى...
هكذا خلع ابو موسى الاشعري في الدوحة الشرعية الثورية عن المقاومة وجعلها جزءا من نظام خليع، وثبت عمرو ابن العاص نظام الطائف التابع للسعودية وأميركا حصراً بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان...
مرة أخرى أجل عملاء الغرب جولة مواجهة حزب الله الى موعد لاحق...
أُدخل حزب الله إلى السلطة التنفيذية أملاََ في تلويثه في عالم المال والاعمال والحكم الفاسد كما جرى تلويث غيره...
سواء عن قصد أو دون قصد، لعب حزب الله دور السجادة النظيفة التي خبأ تحتها الفاسدون كل أوساخهم...
لم يتسخ الحزب، على الأقل كمؤسسة حزبية بفساد النظام القائم...
سنة ٢٠١١، بدأت بوادر أزمة تلوح في الأفق السوري...
كان مطلوباً من لبنان، أن يلعب نفس الأدوار الوسخة التي لعبها النظام الاردني ونظام أردوغان في تركيا، والقواعد الأميركية في العراق ضد الدولة السورية...
لكن في لبنان يوجد حزب الله الذي لن يوافق على هذا التآمر ضد الدولة السورية...
لعب ميشال سليمان ومحمد نجيب ميقاتي لعبة النأي بالنفس...
تمت دعوة الجميع الى بعبدا...
لا يعرف الكثيرون أن حزب الله كان متوجساََ جداََ من الوضع السوري لأسباب مذهبية...
كان الحزب خائفاََ من التهم الجاهزة عند الرجعية العربية في حال قدم أية مساعدة للدولة السورية بسبب كون الرئيس بشار الأسد من الطائفة العلوية الكريمة...
في بعبدا، وقع ابو موسى الاشعري في نفس الفخ...
وافق حزب الله وصدق ميشال سليمان ونجيب ميقاتي أن لبنان سوف ينأى بنفسه عن الصراع في سوريا...
هكذا تدفقت حفاضات وحرامات تيار المستقبل إلى أطفال سوريا قبل أن نكتشف باخرة لطف الله إثنين يومها، وقبل أن ينفجر نيترات المرفأ الذي لم يلحق حلفاء داعش والنصرة في إيصاله عبر عرسال إلى القصير وحمص...
مرة أخرى حاول حزب الله جاهداً مع المعارضة السورية، وخاصة إخوان سوريا وحماس في دعوتهم إلى التعقل من أجل الحفاظ على الدولة السورية ذخراََ للعالم العربي والمقاومة...
لكن صعاليك الشام بدأوا بتهديد الدخول الى لبنان واقتلاع المقاومة...
ربما كان على الحزب فتح كوريدور ليصل هؤلاء إلى جنبلاط وجعجع والسنيورة، حتى يرى بعض العميان ما هو المصير الذي إنقذهم منه حزب الله...
في الاسبوع الماضي، خرج السيد للمرة الثالثة محذراً من أخذ تحقيقات المرفأ إلى حيث تخطط شيا والسعودية وبريطانيا وفرنسا...
هل هدد وفيق صفا المحقق العدلي طارق بيطار؟
عندما تصل تسريبات الى المقاومة عن تهيئة شهود زور كما فعل مارسيل غانم مع نكتة نقل النيترات إلى الجنوب ولا يحرك طارق بيطار مؤخرته للتحقيق مع المحطة والمقدم وشاهد الزور، فأن وراء الأمر سوء نية بالتأكيد...
عندما يتم اكتشاف عشرين طناََ من النيترات في البقاع لها ارتباط مع الصقر والسفارة الأميركية، ولا يعيرها القاضي اي اهتمام... هذا له معنى واحد فقط:
القاضي الذي يختفي خلف قناع انطون سعادة، لا يختلف عن فؤاد السنيورة الذي لبس قناع حركة القوميين العرب يوماً...
إصرار القاضي على عدم استدعاء اليونيفيل والتحقيق معها في باخرة النيترات الذي سوف يصل بالتأكيد إلى لطف الله ٢ وغير لطف الله ٢، يثير الكثير من الشبهات حول رجلِِ يستعمل صلاحياته لأخذ التحقيقات في اتجاهات لا تخدم الحقيقة... بقدر ما تخفي ثأراََ أو مخططاََ رسمت خيوطه في غرف سوداء في لندن وواشنطن وباريس وبرلين وواشنطن إكراما لعيون تل أبيب.
منذ متى تتحمس الكتائب والقوات لرجل ذي أصول قومية سورية!!؟؟
أم أن هذه الهوية القومية ليست إلا غطاءََ...
ما حصل أول أمس، كان مخططا له بالفعل...
حتى لو كان هناك بعض "الزعران" كما تروج الماكينة القواتية ورجل المجتمع المدني سامي امين بيار الجميل، لا يستطيع أي كان تفسير ما حدث بأنه لم يكن كميناََ محكماََ نصب للمظاهرة...
من استفز المتظاهرين ورمى عليهم الحجارة... لكي يرد بعضهم بالحجارة على الحجارة...؟
من كان انتشر بتشكيل عسكري على الاسطح مع قناصات...؟
القوات تعرف أن حزب الله الذي تلقى الرصاص على الصدور في خلدة سوف لن ينجر إلى أي استفزاز...
لكن هناك الكثيرون من الذين لا بد أن يستدعوا رفاقاََ لهم من الشياح لإخراجهم من الكمين المنصوب بإحكام...
الذي نصب الكمين وتبجح بعدها بأنه اسقط ٧ أيار ضد المسيحيين، أراد فعلا إشعال جبهة عين الرمانة الشياح...
هو لم يعد على وئام لا مع السنة ولا مع الدروز...
مشروعه السابق، مشروع بشير ل ١٠٤٥٢كلم٢... سقط...
هو يحلم اليوم بأقل من هذا بكثير...
سقوط مشروع بشير أدى إلى سقوط الجمهورية الأولى وضياع الحكم المطلق للمارونية السياسية... وهجرة واسعة للمسيحيين...
قناصات سمير جعجع أول أمس سوف تدفع عشرات الآلاف من المسيحيين إلى الهجرة...
سمير جعجع خطر فعلي كبير على الوجود المسيحي في هذا الشرق... وعلى وجه هذا الشرق الحضاري...
لو كان في رأس سمير ذرة عقل لفهم أن المشروع الأميركي إلى أفول، وأنه ليس سوى سعد حداد جديد لن يلبث أن يهرب... أو يسقط...
من هو سمير جعجع بالمقارنة مع كل من تخلت اميركا عنهم أو من سوف تتخلى عنهم...
عندما خرج سمير من السجن كان الأولى به أن يختلي في دير يصلي مستغفرا عن كل ما ارتكبت يداه من مجازر وجرائم...
سمير جعجع ليس الوحيد الذي عليه معرفة أن الزمن الاول تحول...
حُلم وصبر حزب الله لن يدوم إلى الأبد...
مشاريع التقسيم أو الكانتون لن تستطيع الصمود في وجه جرافة محور المقاومة الآتية حتماََ...
حزب الله لن يلبث أن يكتشف الطريق الأمثل لعدم الوقوع في الحرب الأهلية...
إنه مشروع الجبهة الوطنية العريضة لبناء لبنان بلد عربي وطني ديمقراطي رغم انف الحزب الشيوعي المزكوم أميركيا هذه الايام...
لا مستقبل لهذا الوطن إلا عبر هذه الجبهة...
نصيحة لجعجع وغير جعجع...
لا اميركا، ولا السعودية، ولا فرنسا ولا صبيانكم على شاشة فرنسا ٢٤ سوف يفيدونكم في شيء، لو مهما زوروا من حقائق...
الذي يكتب تاريخ لبنان ليست صوفي عمارة أو ابن شمعون أو ذلك المدعو شريف وليس هناك من علاقة للشرف به...
الذي يكتب تاريخ لبنان هي تلك السواعد التي حررت والتي دحرت إسرائيل وداعش والنصرة
نصيحة أيضا لطارق بيطار...
محاسبة الفاسدين ليس طريقها ما تدعيه انت وماري كلود نجم...
إذهب إلى اليونيفيل وانقذ لبنان وانقذ نفسك من الحفرة التي وقعت فيها...
حزب الله آت لا محالة...
وهذه المرة ليست مظاهرة من مئات أو حتى ألوف...
حزب الله آتِِ في جبهة وطنية عريضة سوف تكنس اميركا وكل من يشد على مشد اميركا، فاحرص على أن لا تكون مع الوسخ الذي فوق السجادة لأن الكنس سوف يكون من فوق... ومن تحت هذه المرة...