الأحزمة الأمنية أو المناطق الآمنه هي نتاج (العبقرية) السياسية الصهيونية ولأن أردوغان تلميذ نجيب لمعلميه في مدرسة الكيان الصهيوني, قرر منذ بدء الحرب الكونية على سوريا, انشاء منطقة آمنة, بهدف احتلال مناطق هامة من الشمال والشمال الشرقي السوري لتحقيق توسع يتحول لميدان رماية للطائرات الاسرائيلية فيما بعد, كما حال الأرض والسماء التركية وفق الاتفاقات المبرمة بين تركيا والكيان, ايران تُدرك أن الأمن في الإقليم لا يتجزأ لذلك عارضت العدوان التركي على سوريا, كما سقط حزام أمني الكيان في جنوب لبنان وبعد ذلك في الجنوب السوري, سيسقط في الشمال السوري, نترك لكم مقال الدكتور حكم أمهز لما فيه من إضاءة على الموقف الإيراني من العدوان التركي على الأراضي السورية.
إضاءات
كتب د حكم أمهز طهران
إيران والهجوم التركي على شمال سورية
عندما يستخدم الاعلام الإيراني مصطلح الاعتداء التركي على شمال سورية، ندرك مباشرة حجم المخاوف لدى طهران من مخاطر عملية التوغل العسكرية التركية. لأن الإيراني لا ينظر الى الامن في المنطقة من منظور جزئي بل من منظور كلي، اي ان أمن المنطقة من امن إيران والعكس صحيح، لذا نجده دوماً حريصاً على طرح المبادرات العامة لا الجزئية، مثل، مبادرة معاهدة عدم الاعتداء في ما بين دول المنطقة التي تقدم بها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ومبادرة الأمل لأمن الملاحة في الخليج الفارسي التي عرضها بعده الرئيس حسن روحاني في الامم المتحدة والهادفة الى تشكيل مجموعة من دول المنطقة تشارك فيها الامم المتحدة.
لهذا كان موقف ظريف في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الرأي الكويتية الخميس، بأن الامن الاقليمي لا يمكن تفكيكه .
من هذا المنظور تتعامل إيران مع «الاعتداء» التركي على سورية، باعتبار مهدداً للاستقرار والامن في المنطقة، ويهدد بشكل مباشر سورية وسيادتها ووحدة اراضيها، باعتبار ان الاعتداء يستهدف منطقة شرق الفرات التي تعتبر أكثر من استراتيجية، ونقطة تضارب مصالح لدول متخاصمة ومتطاحنة، وأي اهتزاز فيها من وجهة نظر إيران، يمكن ان يعرقل دور محور المقاومة، ويهدد بعودة التكفيريين والارهابيين اليها، وصولاً الى مخاوف الصدام بين الجيشين التركي والسوري. وهذا ما يريده المشروع الصهيوأميركي. لا بل ان الاخطر في الموضوع، ان طهران التي تربطها علاقات جيدة مع تركيا، بالرغم من الاختلاف بشأن الملف السوري، وتشكل معها ثلاثياً ضامناً لاجتماعات استانة مع روسيا، ليس من مصلحتها ان يتضرر اردوغان في اللعبة الأميركية المخططة للمنطقة، حتى لا يصيبه ما اصاب صدام حسين عندما اوحى الأميركيون له بقبولهم باجتياح الكويت، ثم جعلوا من ذلك مبرراً لضربه.
وقد قرأنا امس، في تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما يوحي بذلك، فهو هدد اردوغان بتهديدات غير مفهومة المقصد، فتوعّده بعقوبات مالية قاسية،، وقال مغرداً، لدينا واحد من ثلاثة خيارات: إرسال الآلاف من القوات وتحقيق نصر عسكري، ضرب تركيا بشدة من الناحية المالية وعبر فرض عقوبات، أو التوسط في اتفاق بين تركيا والأكراد! . وبعد ذلك خرج مسؤول في الخارجية الأميركية وقال إن تركيا لم تتجاوز الخط الأحمر بعد، وان ترامب كلف دبلوماسيين للتوسط بين الطرفين لوقف إطلاق النار، وتوعده بالعواقب إن تجاوز هذا الخط.
ماذا يفهم من ذلك؟ هل ترامب لم يعط الضوء الاخضر لاردوغان؟، ام أنه يجعل من الهجوم مبرراً لتوجيه ضربة مالية قاسية لحليف استراتيجي لم يحن موعد استبداله بعد؟ بل يكتفي معه بـ فركة اذن فقط من خلال العقوبات المالية؟
ولماذ استفاق ترامب فجأة على هذه المواقف بعد ان اعلن الجمهوريون العمل على قرار لفرض عقوبات على تركيا، بحيث يواجه اردوغان ونظامه «عواقب وخيمة» بسبب الهجوم بلا رحمة على مَن وصفتهم بالحلفاء الأكراد في شمال سورية؟
هنا تدرك طهران أن من اولويات أميركا الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع تركيا، لكنها تخشى من ان تقوم واشنطن، وعلى عادتها في بيع الحلفاء والشراء بهم، بازاحة اردوغان من المشهد، والإتيان ببدائل ذات ولاء كامل لواشنطن، لا سيما أن الأخيرة متهمة بالمشاركة في الانقلاب الفاشل عليه، في العام 2016. ومصدر الخشية هو المخطط الأميركي السعودي، الهادف للقضاء على مشروع الاخوان المسلمين في العالم، لمصلحة المشروع الوهابي السعودي، فاذا ما قضي على الاخوان، تخلو الساحة السنية للوهابية.
الصراع طاحن بين مشروع الاخوان الذي يقوده حاليا اردوغان ومشروع الوهابية الذي تقوده السعودية. والكل يدرك ان رؤوس الاخوان قطعت في غير دولة، بدءاً من عزل الاخوان في مصر من الحكم وسجنهم، مروراً بإقصاء الاخوان عن المشهد التونسي، وتقييدهم في المغرب، ومحاصرتهم في غزة، وضغطهم في قطر، وصولاً الى عزل الرئيس السوداني الاخواني عمر البشير بالرغم من انحيازه أخيراً للسعودية وارسال جيشه للقتال الى جانبها في اليمن. بمعنى انه كما يقول المثل: «لم يبق من العجرمة الا هذا المسّاس». أي انه لم يبق من قادة الاخوان الفاعلين، الا اردوغان، الذي يشكل رأس حربة هذا المشروع حالياً، فاذا ما سقط اردوغان انتهى مشروع الاخوان عملياً في العالم، وتسيّد المشروع الوهابي الخادم المطيع للأميركي والاسرائيلي، هنا لا نبرئ المشروع الاخواني ايضا، لكن نضيء على صراع بين مشروعين احدهما اقرب الى الأميركي الاسرئيلي .
من هنا كانت ردة فعل الخارجية الإيرانية غاضبة مستنكرة، داعية انقرة الى وقف الهجوم فوراً وإخراج قواتها من سورية، والعمل على تنفيذ اتفاق أضنة الذي يزيل المخاوف والقلق التركي… لأن طهران تدرك حجم خطر هذه العملية على تركيا اولاً، وعلى محور المقاومة ثانياً، باعتبار ان المنطقة المستهدفة تدخل في اطار جغرافية حركة المحور الممتدة من افغانستان الى إيران فالعراق وسورية ولبنان وفلسطين.. وهو بالنسبة لها، اهم من خط الحرير الصيني الذي يمرّ في تلك المنطقة ايضاً.
ولكن لا بد ان نشير الى ان من مصلحة طهران ايضا القضاء على القوات الانفصالية الكردية في سورية باعتبارها امتداداً للانفصاليين الاكراد في الداخلي الإيراني، مع التذكير بأن إرهابيي منظمة پیجاك الكردية الإيرانية الانفصالية، يتقلدون مناصب هامة وقيادية في التنظيمات الانفصالية الكردية في الداخل السوري.. وكذلك مصلحة الرباعي التركي السوري العراقي الإيراني وحتى مع الخماسي الروسي، انهاء الفكرة الكردية بالانفصال، لكون هذا الفريق الانفصالي يعتبر اسرائيل ثانية في المنطقة، بحسب خصومه.
وتدرك إيران ايضاً ان اجتياح تركيا للاراضي السورية، سيدخلها في حرب استنزاف على غير مستوى، بما يوصلها في النهاية الى الانسحاب تحت الضغط عاجلاً أم آجلا.. ولن يحميها الحزام الامني الذي تسعى لإنشائه على الحدود على غرار الحزام الامني الاسرائيلي في لبنان الذي ضم ميليشيات انطوان لحد التي تخلى عنها الاحتلال فور اندحاره عن ارض لبنان.
ستبذل إيران قصارى جهدها، لإنهاء الاعتداء العسكري التركي بأسرع وقت، بالتعاون مع الروسي، وستحاول طمأنة اردوغان الى وضعه السياسي والانتخابي لاحقاً لأن احد اهداف التوغل تعزيز شعبيته المهتزة، وتذكيره بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي قيل بعد وقوعها، إن إيران لعبت دوراً هاماً في افشالها وإعادته الى السلطة، لان البديل كان أميركياً 100 بالمئة. وكذلك ستحاول مع روسيا وبالتنسيق مع الحكومة السورية، طمأنته، الى دوره في اي تسوية في سورية، من خلال حفظ حقوق تركيا على الحدود، وفي ضبط من يخاف منهم ويسميهم الارهابيين في الداخل السوري.
والا فان الاسرائيلي الداعم الأكبر للانفصاليين الاكراد، بدأ بتحريك الكونغرس والشارع الأميركي ضد ترامب لتحريضه على اردوغان، والتحريض خلال الحملات الانتخابية لدورة رئاسية ثانية، له أهميته الخاصة في الحسابات الداخلية الأميركية..
أيضاً ستسعى إيران الى إقناع مجلس سورية الديمقراطية ، بالعودة لحضن الدولة السورية، وتبديد هواجسه، مستفيدة من الدرس الذي تلقاه الاكراد، بتخلي أميركا عنهم وبيعهم اكثر من مرة سواء في سورية او العراق. لتؤكد لهم ان ليس هناك من حصن واقٍ لهم الا دولهم الأم، الوحيدة التي تحتضن دون ان تخوّن او تبيع أبناءها.