تعود العلاقة التاريخية بين الأكراد والكيان الصهيوني إلى ما قبل تأسيس دولة الكيان الغاصب عام 1948 ،حيث أن جذورها بدأت عام 1943.
في العام 1931 كان للوكالة اليهودية مندوباً في بغداد يدعى "روڤين شيلوا" يعمل تحت غطاء الصحافة، وقد قام بزيارات عدّة إلى شمال العراق وأقام صداقة مع عدد من قيادات الأكراد، ومن خلاله نسجت تلك القيادات علاقات متينة مع قيادات الوكالة اليهودية.
وبعد إغتصاب فلسطين وقيام دولة الصهاينة أنشأ جهاز الموساد الصهيوني فرعاً له في شمال العراق، وفي حقبة الستينات من القرن العشرين تطورت العلاقة لتترسّخ وتصبح اتفاقيات بين الطرفين بموجبها أرسل جيش الإحتلال الصهيوني مجموعة من الضباط في إختصاصات متعددة إلى شمال العراق عملوا على تدريب المقاتلين الأكراد التابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة " مصطفى البرزاني" تحت ذريعة منع التهديد العسكري الذي قد ينشأ ضد الصهاينة في فلسطين من قبل الجيش العراقي ، وقد أطلقوا على عمليات التدريب اسم
" خارفاد" أي "السجادة".
وفي تلك الفترة عينها قام الموساد الصهيوني بعدة عمليات تخريبية ضد اليهود العراقيين لإيهامهم بأنهم مهددون وبالتالي ليتم تهريبهم إلى فلسطين .
في منتصف الستينات من القرن الماضي إلتقى نائب وزير الحرب الصهيوني حينها "شيمون بيريز" سرّاً بأحد قادة الأكراد المدعو"علي بدرخان" الذي كان قد تعاون مع الصهاينة منذ الأربعينات ، وفي الستينات أيضاً قام الزعيم الكردي مصطفى البرزاني بزيارة الكيان الصهيوني مرتين والتقى بالقيادات السياسية والعسكرية الصهيونية في "تل أبيب" وقدّم الصهاينة للأكراد مساعدات عسكرية ومالية كانت تُنقل عبر الحدود الإيرانية العراقية وذلك في زمن حُكم الشاه لإيران ، وفي العام 1966 دخل الوزير الصهيوني "لوڤا ألياف"عبر تلك الحدود وقدّم للأكراد مستشفى ميداني .
وشارك قادة عسكريون صهاينة في التخطيط للعمليات العسكرية التي كان يقوم بها الأكراد وساعدوهم على الإنتصار الذي حققوه على الجيش العراقي عند جبل "هندارين" في نفس العام ،كما أقدم الأكراد في آب 1966 على تأمين فرار الطيّار العسكري العراقي "منير روفا" بطائرة "ميغ" إلى الكيان الصهيوني.
في العام 1967 تزايدت المساعدات الصهيونية للأكراد في جميع المجالات لا سيّما العسكرية والمالية عبر الملحق العسكري الصهيوني في سفارة الكيان في طهران المدعو "يعقوب نمرودي".
في أيلول من العام 1967 زار زعيم الأكراد حينها مصطفى البرزاني تل أبيب وقدّم هديّة لوزير الحرب الصهيوني الشهير "موشي دايان" والهدية عبارة عن خنجر صناعة كردية وهنّأه على انتصاره ضد العرب في حزيران 1967.
عندما وقعت حرب تشرين الأوّل 1973 بين العرب والصهاينة طالب الصهاينة الأكراد بشن هجوم ضد الجيش العراقي في شمال العراق لتخفيف الضغط عن جبهة الجولان السورية حيث كان يشارك الجيش العراقي في القتال ، لكن وزير الخارجية الأميركي حينها "هنري كيسنجر" نصحهم بعدم القيام بذلك.
وقد أكّد الكاتب الأمريكي "إدموند جاريب" في كتابه "القضية الكردية في العراق" على أن جهاز المخابرات الإيراني في زمن الشاه "الساڤاك" وجهاز المخابرات الصهيوني "الموساد" قد تعاونا في إنشاء جهاز مخابرات كردي هام مهمته جمع المعلومات عن الحكومة والجيش العراقي وتقديمها للصهاينة والإيرانيين .
وفي 29 أيلول 1981 إعترف رئيس وزراء الكيان الصهيوني حينها "مناحيم بيغين" بأن الصهاينة قدّموا مساعدات هامة للأكراد.
بعد وفاة "مصطفى البرزاني "وتولي ابنه "مسعود البرزاني" زعامة الحزب الوطني الكردي توسّعت العلاقات مع الصهاينة الذي أنشأوا مقرات مخابراتية لهم في المناطق الكردية تم الاستيلاد على بعضها بعد الهجوم الذي شنّه الجيش العراقي على "أربيل "في تسعينات القرن الماضي وتبيّن أنّ بعض هذه المقرات هي عبارة عن مكاتب تجسُس صهيونية .
بعد إحتلال الأمريكيين للعراق في نيسان العام 2003 أصبحت العلاقات الكردية الصهيونية والأمريكية أكثر وضوحاً حيث أقيمت مقرات ورُفِعت الأعلام الصهيونية في المناطق الكردية واستقبلت القيادات الكردية العديد من الوفود الصهيونية وأقيمت لهم مهرجانات واستقبالات حاشدة وألقيت خطابات الترحيب وتم افتتاح مكاتب تجارية وسياحية بين الطرفين، ولم يعد يُخفي كلا الطرفين تلك العلاقات .
ويسعى الصهاينة من خلال تلك العلاقة على مساعدة الأكراد في تحقيق حلمهم في إقامة كيان كردي انفصالي في شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا وجنوب تركيا يكون مرادفاً وحليفاً للكيان العنصري الصهيوني في فلسطين .
والغريب ليس مدّ الصهاينة يد المساعدة للأكراد إنّما المُستغرب جدّاً أن لا يتعلّم الأكراد ولا سيّما
قياداتهم من خلال تجاربهم وتجارب غيرهم من شعوب المنطقة وحتى في العالم من أن الأمريكيين والصهاينة يتخلّون عن حلفائهم عند أول مُفترق يشعرون فيه بأنّ مصالحهم أصبحت في خطر وأنّهم من الأفضل لهم الإنسحاب وترك عملاءهم فريسة سهلة في يد أعدائهم .
وما يجري في هذه الأيّام في شرق الفرات في سوريا أكبر دليل على أن ليس للأكراد إلا أن يعيشوا في أوطانهم ضمن وحدة الكيانات الجغرافية وأن يتخلوا عن أفكارهم الإنفصالية إلى الأبد لأنّه لن يُسمح لهم بإقامة دولتهم الخاصّة في المناطق التي يقيمون فيها مهما طال الزمن ومهما كان الثمن وتجاربهم عبر التاريخ خير شاهد على ذلك.