كتب سماحة السيد جعفر محمد حسين فضل الله على صفحته على الفيس بوك المقال التالي الذي يشخّص فيه واقع ما يجري في لبنان بكل صراحة وواقعية، وذلك بعدما شارك شخصيّا بالثياب المدنية وليس بزي رجال الدين الذي اعتدنا على رؤيته به دائماً وهو الذي كتب وتحدّث مراراً عن الفساد:
"أعرف أن المقال طويل، لكن اللحظة التاريخية حساسة؛ تحملوا القراءة للآخر!
اتصل بي أمس صديق معاتبًا على آخر تغريدة؛ فقلت له: أنا كلُّ ما أكتُب! قد يعجب بعضُ ما أكتبه أحدًا ويسخط البعض الآخر، وقد يحصل العكس.. لا أكتب لهذا الفريق أو ذاك. فقط أكتب ما أنا مقتنع به.. ولذلك صرت كالمثَل: "لا مع ستّي بخير ولا مع سيدي بخير"!
وقبل يومين اتصل بي صديقٌ آخر معترضًا على نزولي إلى ساحة التظاهر من دون الزيّ الديني، فقلتُ له:
شعوري كمواطن دفعني إلى أن أكون بين المتظاهرين، وبلباس المواطن، بلا "أستذة" على الناس في الأرض أو show off؛ لأنّ الحراك يجب أن يبقى عفويًا! وبذلك يُحرج من يجب إحراجه في كل الطوائف والمذاهب بلا استثناء! وبذلك (يميز الخبيث من الطيّب) من كل الطوائف والمذاهب وبلا استثناء!
أصلًا منذ الانتخابات وأنا أكتب أن الفساد ليس ملفًا؛ لأنّ معادلة الفساد مانعة من تفعيل أيّ ملف.. بل يحتاج الأمر إلى رديف شعبي اجتماعي، وعبرت قبل فترة بضرورة وجود "مقاومة" اجتماعية عفوية.. وما بدأ منذ أيّام فرصة حقيقيّة!
واضح عندي من البداية، أن تسييس الحراك شغلُ المتضررين في السلطة، وحرف الحراك نحو الانقسام العمودي منية الذين عندهم تجارب قتل الناس؛ تاريخيًا وبالأمس القريب!
مقتنع أن المعادلة الثلاثية للأمن التي اقتضتها ظروف المنطقة هي التي ملأت فراغ هشاشة الأنظمة التي كرستها سياسات الدول الكبرى طوال عقود ولا تزال، واستطاعت هذه المعادلة أن تحرّر الأرض وما تزال قادرة.
مقتنع أيضًا أنّ هذه المعادلة نحتاجها اليوم في قضية الغذاء (بالمعنى العام وليس الخبز فقط!)؛ لأن نظامنا السياسي فاسد بكل معنى الكلمة. الشيء الناقص كان الشعب؛ الذي كان شغله أن يمجد زعماءه ويوصلهم إلى كراسيهم، وأحيانًا يبرر لهم فسادهم!
منذ أيام الشعب الذي على الأرض بكل عفويته يحقّق الطرف الثالث للمعادلة.. إذا حدا بدو ياخد الحراك لضرب الجيش (كما صنعت أمريكا في العراق بعد سقوط الطاغية) أو لضرب المقاومة، فهو يترك حركة الإصلاح للفراغ، والساحة لا تحتمل الفراغ؛ إذا لم تملأه أنت فسيملؤه غيرُك!
فيما يخصّ مسألة الفراغ هذا؛ يبقى شيء..
فكرة أن الحراك يجب أن يبقى بلا قيادة لأجل أن يبقى عفويًا، صحيح؛
لكن
لا يمكن أن يكون الإعلام هو البديل عن القيادة!
لأنّ كل وسيلة إعلامية تقوم بتركيز الصورة على ما يخدم خلفياتها السياسية (وهي ليست بالضرورة أمّ الصبي!).. وهذا بحدّ ذاته تسييس للحراك.. في وقتٍ نعرف أن الحراك على الأرض أوسع من الـ (zoom in) الذي تقوم به شاشات التلفزة على تصريحات المتظاهرين، وعندها تصبح الصورة البعيدة (zoom out) التي تعكس المشهد المهيب للشعب اللبناني، خدمة للتصريحات التي تركّز عليها أو تدفع بعض الناس في اتجاهها! إنّها لعبة الصّورة!
على الهامش، وبخصوص دور الإعلام، أمس اتّصلت إحدى القنوات الخليجية تريد مقابلة حول الحراك، فاعتذرتُ بأنّني لا أنوي الدخول على خط لعبة الإعلام في هذا الوقت!
فقلبي مع الأرض وعليها!
بالتالي، وبالعودة إلى فكرة المعادلة الثلاثية للغذاء؛ إذا لم يكن هناك من يستثمر الحراك في السياسة ليحرج من يناور من زعماء التركة البالية من الحرب الأهلية، ليدفعه إلى تحريك أول حجارة الدومينو في هذا النظام الفاسد، وهي أن الأغنياء (المصارف) يجب أن يموّلوا كلفة الخروج من الأزمة، والضرائب يجب أن يدفعها الأثرياء لا الفقراء، وأن الأموال المغصوبة والمليارات الضائعة يجب أن تعود إلى خزينة الدولة، وأن لا خطوط حمراء مذهبية أو طائفية على أيّ أحد؛ ولتبيّن المساءلة العامّة عندئذٍ "مَنْ بكى ممّن تباكى"!
باختصار: إذا لم يكن هناك من يستثمر للحراك – لا عليه – في السياسة فالمستثمرون الإقليميون والدوليون جاهزون لاستثماره، وأدواتهم هي ذاتها أدوات الفساد خلال 30 سنة..
أصلًا بدأوا بالاستثمار ويجبُ على الشعب أن لا يخلي الساحة لهم!"
وعلّق سماحته على شعار :"كلّن يعني كلّن " فكتب:
شعار #كلن_يعني_كلن إذا كان للضغط أو للتعبير عن الوجع فهو مفهوم!
لكن عندما تبدأ مسارات الحلول الفعلية، أيًا كانت، فاستمرار طرحه غش للجماهير
يشبه شعار الخوارج: لا حكم إلا لله
عندها علّق الإمام علي (ع): #كلام_حق_يراد_به_باطل!
النتيجة كانت: تمكين الفاسد من شل قدرة الصالح على الإصلاح!