كتب الكاتب محمد محسن عن ملامح الحراك في لبنان وخصوصيته
مقالات
كتب الكاتب محمد محسن عن ملامح الحراك في لبنان وخصوصيته
محمد محسن
26 تشرين الأول 2019 , 00:59 ص

لا يجوز أن يُنظر للحراك الشعبي في لبنان ، إلا من مواقع التفاعل الإيجابي
بدون أن ننسى واقع لبنان المعقد ، ومحـاولة المعسكر الخاسر الاستـثمار فيه
ولكن رياح الصَبَـا القادمة من سورية ، والمقاومة سيمدان له خشبة الخلاص

جاء الملمح الأول للتحرك الشعبي في لبنان ، مختلفاً عن ما سبقه من تحركات ، بعد عام / 2005 / ، فلأول مرة يأت التحرك عابراً للطوائف والمذاهب ، ومتجاوزاً ساحتي / 8 / آذار و / 14 / آذار ، وهذا يعني أنه لا يشبه زمن التهيئة ، ولا زمن تفجير ( الربيع العربي الأسود ) .
والملمح الثاني : بالرغم من مشروعيته ، وعفويته ، وشموليته ، وطول زمن انتشاره .
تتناوشه ثلاثة مخاطر :
1 ـــ بالرغم من مرور أكثر من اسبوع على انطلاقته ، لم يتمكن من فرز قيادة جادة ، موثوق بها ، تنسق أهدافه ، وتضع برنامج مطالبه ، ويكون لها صلاحية الحوار مع الحكومة ورموزها .
2ـــ من هنا يمكن أن تأخذه الغوغاء ، إلى مواقع لا وطنية ، تخدم من حيث النتيجة أعداء الوطن ، لأن الغوغاء لاعقل لها سوى عقل القطيع ، ويصعب حينها على الدولة اعادة الأمن إلى نصابه إلا بالقوة ، وهذا ما لا تريده القوى الوطنية .
3ــــ صحيح أن معسكر العدوان قد خسر الكثير من مواقعه في لبنان ، ولكن يزال هناك بعض استطالاته الحاقدة ، المتربصة ، ستحاول توظيف التحرك ، واستثماره ، واعتباره فرصة لتحقيق بعض من غاياتها أقلها ، شد عصب منتسبيها ، الذين وصلوا إلى حالة اليأس ، والقنوط ، وخربطة الواقع ، ومنع القوى المنتصرة ، من استثمار انتصارها ( كجنبلاط ، وجعجع ، والجميل ) .
4 ــــ عندما يطرح سياسي ما ، أو حزب ما ، مشروع برنامج سياسي ـــ اقتصادي ـــ اجتماعي ، أعلى بكثير مما يستوعبه الواقع ، قد تتسبب هذه المواقف غالباً في تعقيد الواقع ، بدلاً من البحث عن حلول واقعية له ، وهذا لا يسيء للحل فحسب ، بل يعطي المبرر ، والفسحة ، لقوى الاعاقة ، صاحبة المصلحة ببقاء الواقع كما هو ، أو دفعه نحو الاشتباك والتعقيد ، آخذة الحراك الشعبي الوطني المشروع ، إلى خارج مقاصده ، ومصالحه .
لا أشك للحظة بمقاصد وغايات كل من المناضلين الثلاثة ، ( الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ، والمناضل شربل نحاس ، والعروبي الصامد والصادق نجاح واكيم ) ، الذين لم يطالبوا فقط بإسقاط الحكومة ، وتسريح البرلمان ، بل طالبوا [ بالدولة المدنية ] ، نعم لقد رفعوا سقف المطالب عالياً جداً ، متناسين الواقع الاجتماعي اللبناني المعقد جداً .
فلنفترض تحقيق المطلبين الأول والثاني جدلاً ، فالتغيير سيكون جزئياً ولا يمكن أن يكون جذرياً ، لأن الانتخاب سيعيد نفس الوجوه إلى الندوة البرلمانية ، مع تغيير لن يكون نوعياً بكل تأكيد .
لأن الظروف التي يعيش فيها لبنان على وجه الخصوص ، والمنطقة كلها على وجه العموم ، والتي يمكن اعتبارها مرحلة التخفف من التبعية الغربية ، سياسياً ـــ واقتصادياً ، وعدم الوصول إلى مرحلة الخلاص الكلي ، لأن النقلة النوعية لاتزال تحبو ، لذلك سيبقى الواقع يعيد انتاج نفسه ، مع تعديلات طفيفة ، كما قلنا غير جوهرية .
................فكيف بطرح شعار [ الدولة المدنية ] ؟؟؟؟؟؟
لذلك نعود فنؤكد على عدم نسيان ، أو تجاهل [ المناصفة الطائفية ] و [ والمحاصصة المذهبية ] ، وهاتين المسألتين وبكل موضوعية من المستحيل تجاوزهما في هذه المرحلة ، فمحاولة تجاوزهما الآن تعني حرباً أهلية لامحالة ، لأن الكتلة الوطنية المسيحية لن تتنازل عن المناصفة التي كفلها لها الدستور ، وستعتبر ذلك مساً بوضعها التاريخي ، وكذلك سيكون موقف المذهبيات الاسلامية .

لذلك أجد أن طرح شعار ( الدولة المدنية ) الآن رغم مشروعيته ، لايزال مبكراً ، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الواقع اللبناني كما بينت .
لذلك نجمل ونقول :
بالرغم من أن ملامح التحرك الشعبي العفوي الذي يتصف بها هذا التحرك ، والتي ألمحنا إليها ، والمخاطر التي قد تتأت بسببها ، وعليها ، قد تلحق ضرراً مادياً ومعنوياً بلبنان ، كان يمكن تفاديه ، لو أقدمت الحكومة على اتخاذ اجراء هو الأهم .
ألا وهو تشكيل هيئة قضائية مشهود لها بالنزاهة ، واعطائها كامل الصلاحية ، في فتح جميع الملفات للذين أفسدوا ، وسرقوا ، منذ عام / 1993 / وحتى الآن ، لأن هذا الاجراء وحده الكفيل بتبريد الشارع واراحته .
ولكن لهذا الاجراء الحاسم عقبتين اثنتين :
ــــ لأنه سيطال بعض رموز السلطة الآن .
ــــ ولأن المفتي ( دريان ) قد اعتبر فتح ملف السنيورة خط أحمر ، مما أوقف اندفاعة حزب الله في هذا المنحى .
ولكن ومن خلال ما أوردته ، سيخرج لبنان من هذا المأزق منتصراً من حيث النتيجة ، وسيضيق الخناق على العملاء الثلاثة ، وسيحملهم الشعب مسؤولية جميع المواقف ، التي تجرح عفوية التحرك ، ونبل مقاصده .
أما خلاص لبنان وخروجه من المحاصصة الطائفية ، وصولاً إلى الدولة المدنية ، شأنه شأن جميع دول المنطقة .
فهو رَهنٌ بتحقيق الانتصار الناجز في سورية ، وعودة الهدوء والاستقرار إلى المنطقة .
عندها فقط يمكن أن نفكر بالدولة المدنية ، وبسيادة القانون .

المصدر: وكالات+إضاءات