المشهد اللبناني في الأسبوع الثالث
- الانهيار يتسارع والمصارف ترفض طلبات بسحب 7 مليارات دولار لتحويلها إلى الخارج.
- مذكرات استدعاء لبعض رموز الفساد للقضاء.
- مساعٍ لتشكيل حكومة يسعى اليها رموز من الطبقة السياسية التقليدية قبل الولوج في الاستشارات النيابية الملزمة.
- هل يتمّ وضع تشريع لمنع تحويل الأموال؟
- مظااهرات طلاب الجامعات والمدارس بارقة امل جديدة.
ملخص المشهد الشعبي والرسمي في لبنان في سطور.
ردود الفعل على الأحداث الجارية تناولتها الصحف اللبنانية الصادرة صبيحة اليوم من بيروت مشيرة لدخول لبنان في مرحلة أزمة مالية بالغة الخطورة، بدا أن الانهيار أخذ يتسارع والمصارف رفضت طلب المودعين الكبار بسحب أموالهم بالدولار لتحويلها للخارج، هذا في وقت أخذ الشارع يصحح مساره في الضغط بقوة على محاسبة الفاسدين مطالبًا بإسترجاع الأموال المنهوبة من أملاك عامة (بحرية وغيرها) بدلاً من قطع الطرقات، مع انتقال القضاء إلى التحرك نحو ملفات الفساد واستدعاء الفاسدين.
أشارت صحيفة "الأخبار" التي رأت أنه لم يعد ينفع الكلام المُنمّق عن «تجنّب الانهيار» الاقتصادي. لا يوجد أمامنا سوى مؤشرات سلبية، لمسار انحداري بدأ يتسارع منذ الـ2016. الهندسات المالية كانت البداية، لتُستكمل مع الإجراءات التقشّفية وأزمة الدولار، وأخيراً طلب جمعية المصارف سنّ قانون لتشريع القيود على التحويلات المصرفية («كابيتال كونترول»). إنّها الأزمة الشاملة التي أنهت أكذوبة «الاقتصاد الحر»، ولا ينفع معها سوى حلول تُصيب بنية النموذج الاقتصادي.
دخل لبنان مرحلة بالغة الخطورة من الناحية المالية. أمس، استسلمت المصارف أمام حاكم مصرف لبنان لعجزها عن تلبية طلبات المودعين الكبار، بتحويل نحو سبعة مليارات دولار إلى الخارج. سلامة الذي كان أبلغ المصارف قراراً شفهياً بمنع التحويلات إلا لحاجات محددة وبسقوف متدنية، لم يعد يقدر على ضبط الأمر. صحيح أن سقف التحويلات خلال أيام عودة المصارف إلى العمل لم يتجاوز إلى الآن سقف 700 مليون دولار، إلا أن رسائل خطيرة وردت إلى المصارف جعلت سلامة ينتقل إلى «الخطة ب».
منذ عودة المصارف إلى العمل، لجأت إلى سياسة إقناع الزبائن بعدم تحويل مبالغ كبيرة إلى الخارج. وعملت على تسهيل التحويلات التي تعالج أموراً شخصية أو تربوية أو صحية. لكنها رفضت أي تحويلات ذات طابع تجاري. وأبلغت كل من طلب كسر وديعته قبل الاستحقاق، أنه لا يمكنه فعل ذلك بحسب القانون، أما من استحقّت ودائعه، فكانت الإغراءات تتركز على رفع الفوائد التي وصلت إلى 15 بالمئة. لكن ذلك لم ينفع مع مودعين كبار، هدّدوا باللجوء إلى القضاء في لبنان والعالم ضد المصارف باعتبارها تحتجز أموالهم عنوةً وخلافاً لمبدأ حرية التحويل، وهو ما أثار ذعر المصارف التي توجهت إلى سلامة طالبة التدخل.
حاكم المصرف المركزي قال إنه لا يمكنه المبادرة إلى أي خطوة «تهدد مصالح لبنان وودائعه وأملاكه خارج لبنان». لذلك، أجرى مشاورات سياسية، ثم طلب من جمعية المصارف التوجه إلى الرؤساء الثلاثة لطلب إقرار اقتراح قانون عاجل في أول جلسة نيابية، يسمح للمصارف بعدم إجراء أي تحويلات إلى الخارج، وبعدم منح الزبائن ودائعهم حين يطلبون الحصول عليها. هذا الاقتراح نقله رئيس الجمعية سليم صفير، أمس، إلى الرئيس نبيه بري الذي وعد بالعمل سريعاً على الأمر بعد التشاور مع الكتل النيابية.
سلامة، الذي يريد تحقيق هذه الخطوة، يُبدي في الوقت عينه خشية كبيرة من انعكاساتها. ذلك أن المصارف سيكون في مقدورها منع أي تحويلات مع عدم الخشية من رفع دعاوى ضدها، لكن الاقتصاد في لبنان سيتعرض لضربة كبيرة. ستتراجع التحويلات إليه، كما ستضعف القدرة على الاستيراد، وهو الأمر الذي بدأ فعلياً بعد قرار المصارف وقف كل التسهيلات المصرفية للتجار الكبار، الذين يدرسون طريقة مختلفة للاستيراد، وربما يكون الأمر عبر مسارب تهريب أبرزها سوريا.
عملياً، دخل لبنان مرحلة الاقتصاد الموجّه في هذه المرحلة على الأقل. وبينما يدبّ الذعر في الأوساط المصرفية والمالية والتجارية، فإن الخشية تمدّدت صوب الشركات التي تهدد بالتوقف عن العمل وبدء صرف الموظفين لديها، أو التوقف عن دفع الرواتب. فيما تواصلت الاتصالات السياسية على وقع استمرار التحركات والتظاهرات في الشارع.
برّي الذي وعد بعرض اقتراح القانون الجديد على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأسبوع المقبل، لا يضمن حصول الاقتراح على تصويت الغالبية، خصوصاً أن قوى كثيرة باشرت الاتصالات لمنع إقراره كونه يزيد من المخاطر الاقتصادية والمالية في البلاد. لكن هذه القوى تعتقد أنه يمكن تجنب هذا الخيار من خلال تعجيل الاتصالات بشأن تأليف حكومة جديدة وفق مواصفات «تحد من غضب الغرب» على لبنان، وتسمح بمعاودة النشاط الاقتصادي بشكل طبيعي.
"البناء": مشاورات بيت الوسط رسمت الخيارات... وبرّي يدخل على الخط لتكنوسياسية برئاسة الحريري
بدورها صحيفة "البناء" لفتت الى أن الاجتماع الثاني بين رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل أنهى التداول في الخيارات للحكومة الجديدة، وبدا أن خيار حكومة برئاسة شخصية يُسمّيها الحريري ويغيب عنها الوزراء البارزون في الحكومة السابقة، أو أغلبهم إن لم يكن جميعهم، وتحترم نتائج الانتخابات النيابية بتوازناتها، وتحفظ التمثيل للقوى المشاركة بالتسوية السياسية، ما يعني أرجحية استبعاد القوات اللبنانية عنها. وفيما رحّب الحريري بهذا الخيار وفقاً لمصادر متابعة رجّحت المصادر أن يكون خياره الأمثل هو ما عبر عنه في رسائله المشفّرة بعد الاستقالة، لضمان بقائه في رئاسة الحكومة دون تمثيل سياسي بارز لسائر الأطراف، ما يعني تحديداً استبعاد الوزير باسيل، الذي أكد للحريري عدم رغبته بالمشاركة في الحكومة الجديدة، داعياً لخروج الصف الأول من هذه الحكومة وتركها لمختصّين يلتزمون بالخيارات الأساسية العريضة للقوى الكبرى، لكنهم يتقنون العمل على ملفاتهم. ووفقاً للمصادر فإن قبول الحريري بعرض باسيل لا يعبّر عن حقيقة رغبته. وهذا ما جعل رئيس المجلس النيابي نبيه بري يدخل على خط المباحثات السياسية بطرح صيغة حكومة برئاسة الحريري تضمّ ثلاثة وزراء سياديين إضافة للحريري، يمثلون القوى الرئيسيّة، ويكون باقي الوزراء من ذوي الاختصاص والوجوه الجديدة، التي تسمّيها القوى المعنية بتشكيل الحكومة ومنها الحراك الشعبي.
المصادر المتابعة وصفت التطوّرات بالإيجابية، خصوصاً على إيقاع التصحيح الذي قام به الحراك الشعبي لمساره، وانتقال القضاء إلى التحرك على ملفات الفساد، فابتعاد الحراك الشعبي عن خيار الضغط بقطع الطرقات أعاد إنعاشه كقوة شعبية ومَنَع الانفكاك من حوله، كما جعل فرص تلاقيه مع المقاومة أكبر، وبَرَز التركيز الاحتجاجي على عناوين ملفات الفساد منسجماً مع التحرك القضائي، الذي برز باستدعاء الوزيرين محمد شقير وجمال الجراح، وتحديد موعد للرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة في ملف الـ 11 مليار دولار الضائعة في قطع حساب الموازنة.
وعلمت البناء أن اللقاءات والاتصالات التي تحصل تناقش الصيغ والاقتراحات ولم يتمّ التوصل الى أي حل نهائي حتى الآن والامر يتطلب وقتاً ولا يبدو في الأفق تأليف حكومة جديدة لاعتبارات عدة .
وتؤكد أوساط سياسية لقناة أو تي في ان مقترح باسيل ليس للمزايدة ولا للعرقلة، بل للبحث عن حلّ يواكب رئيس الجمهورية، الذي يستفيد من الوقت الذي يمنحه إياه الدستور، ليستكمل حلقة التشاور غير الملزمة قبل الاستشارات النيابية الملزمة، تسهيلاً للتفاهم، ليس فقط على مسألة رئاسة الحكومة، بل على وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، كي لا نبقى طويلاً في النفق الذي أدخلتنا فيه الاستقالة المفاجئة وغير المنسّقة لرئيس الحكومة .
وردت الأوساط نفسها على دعوة رئيس القوات سمير جعجع تشكيل حكومة مختصين بالقول: المؤسف أن رئيس القوات يعرف تماماً ماذا يقول، فهو يخطط للدفع بالبلاد نحو المجهول، بممارسة تصعيد مستمر حتى لا تتشكل أي حكومة، لتستفحل الأزمة أكثر فأكثر .
وإذ لوحظ اليوم توقف عملية قطع الطرقات باستثناء منطقة العبدة في عكار التي قطعت امام المرور لبعض الوقت ثم تمّ فتح مسرب للسيارات، تواصلت الاعتصامات الشعبية متخذة منحى إقفال بعض المؤسسات والقطاعات الرسمية ومنع العمل فيها في بيروت وصيدا والنبطية وبعلبك، وراشيا، كمصرف لبنان وشركتي «تاتش وألفا» للهاتف الخلوي ومصالح المياه والكهرباء والضمان وأوجيرو. فيما جرى تنفيذ اعتصام امام قصر العدل في بيروت وامام مبنى الضريبة على القيمة المضافة. وكان لافتاً إشراك طلاب المدارس في الاعتصامات، علماً ان هؤلاء لم يبلغوا مستوى النضج السياسي، حيث قاطع الطلاب في العديد من مدارس بيروت وصيدا والبقاع الغربي وفي الجامعات الخاصة الدروس، ونزلوا في تظاهرات ونفّذوا اعتصامات منها اعتصام مركزي امام وزارة التربية.
ودخل المتظاهرون الى الأملاك البحرية التي كانت مغلقة أمام المواطنين في الإيدن باي، وإذ حصل إشكال بين المتظاهرين، نفت حركة أمل ما اوردته قناة الجديد عن تصادم بين مناصري الحركة والمتظاهرين أمام فندق الإيدن باي .
وشهد المسار القضائي أمس، تطوّراً بارزاً تمثل بجملة استدعاءات قضائية لمسؤولين سياسيين كانوا نافذين في السلطة وأبرزهم الرئيس فؤاد السنيورة وموظفون إداريون آخرون، وقرّر النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، الاستماع إلى إفادة السنيورة، حول موضوع صرف مبلغ 11 مليار دولار عندما كان رئيساً للحكومة بين عامي 2006 و2008.
"النهار": ثورة الطلاب
أما صحيفة "النهار"، اعتبرت أن خروج تلامذة المدارس وطلاب الجامعات في مختلف المناطق اللبنانية أمس من صفوفهم الى الساحات في تظاهرات عفوية جماعية ضد السلطة الفاسدة، والمشهد أعطى روحاً للثورة وزخماً وتحفيزاً للاستمرار حتى تحقيق المطالب التي رفعها اللبنانيون المنتفضون لإنقاذ البلد من الفساد، وبحسب النهار, أن هذا هو السلاح الجديد السلمي والفاعل للانتفاضة يخرج من القمقم، وها هم طلاب الجامعات وتلامذة المدارس يذكرون اللبنانيين بأنهم خزان الثورة وروحها، وإن كانت تحركاتهم تحتاج الى تراكم تجارب. لكن قوتهم في عفويتهم، وليست في قرار كما كان يحصل في الماضي. اختاروا الانتساب الى الانتفاضة بوعي وحماسة وتفعيلها، فيشكلون خط الدفاع الأخير عنها للوصول الى دولة علمانية عادلة، وهذا جزء أيضاً من مطالبهم التعليمية في المناهج وفي التعليم.