إمحاولات الزعيم الإسرائيلي "نتنياهو" المدان للالتفاف على المأزق السياسي الذي تورط فيه من خلال معاهدة دفاعية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة الفلسطينيين والعرب الآخرين ستكون كارثيةً على المصلحة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية.
إن المشكلة سوف تتفاقم إذا ضمّت إسرائيل ما تبقى من الضفة الغربية المحتلة . حيث أن مشروع الضم المقترح لوادي الأردن و شمال البحر الميت لا يعني موت حل الدولتين فحسب، بل من المحتمل أيضاً أن يلغي معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة عام 1994.
و قد تكون زيارة نتنياهو المفاجئة إلى لشبونة بتاريخ 4 ديسمبر للقاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والاقتراح العام الذي تلا ذلك لمعاهدة دفاع مشتركة، أدى إلى تعقيد الشرق الأوسط المتقلب بالفعل، وسيؤدي لتدمير العلاقات الاستراتيجية الأمريكية مع حلفائها العرب .
حيث قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن العلاقة الحالية بين الأردن وإسرائيل في أدنى مستوياتها على الإطلاق . فمنذ أكثر من عامين ، رفض الملك تلقي أي مكالماتٍ هاتفية من نتنياهو . وهو يتهم الزعيم الإسرائيلي اليميني بانتهاكه المتكرر للتفاهم الذي تم التوصل إليه في عام 2014 ، و الذي تعهد فيه كلٍ من إسرائيل والأردن بالحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى في القدس المحتلة .
كما اتفق الزعيمان على أن موقع التراث العالمي لليونسكو هو ملكٌ للمسلمين للصلاة فيه ، وهو ملكٌ للجميع ليزوروه . وعلى الرغم من التفاهم الذي توسط فيه وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري، يواصل المتطرفون اليهود القيام بزياراتٍ استفزازية إلى المكان للصلاة، بينما يدعون إلى تدمير المسجد وإعادة بناء معبدين يهوديين يزعمون انهما كانا في العصور القديمة .
و قد قال مسؤولو الشرطة الإسرائيلية في شهر أغسطس الماضي، أن السماح لليهود بدخول المنطقة كان بدعمٍ من كبار المسؤولين السياسيين . وأن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يتولى معالجة القضايا الحساسة المتعلقة بالأقصى .
ولن تقتصر مشكلات إسرائيل والولايات المتحدة على الفلسطينيين و الأردن إذا ما تقدما باتفاقٍ دفاعي مشترك . فجميع أعضاء جامعة الدول العربية الـ 23 ملزمون قانوناً بحماية دولة فلسطين وأي دولةٍ عضو أخرى إذا تعرضت لهجوم عسكري .
أما بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية المؤقتة والرئيس الأمريكي الذي يواجه المساءلة القانونية المحتملة ، فالنظر في مثل هذا الاتفاق الاستراتيجي هو حماقةٌ محضة فلأكثر من عقدٍ من الزمان ، حظي نتنياهو بثقة ودعم غالبية أعضاء الكنيست لكنه لم يتمكن من تمرير مثل هذا الاتفاق الدفاعي أو ضم المزيد من الأراضي المحتلة إلى إسرائيل .
نتنياهو يناور أثناء وجوده في حكومةٍ انتقالية خاصة بعد إدانةته بتهم جنائية مما يفقده المعنى الأخلاقي بينما يقوم بمحاولةٍ أنانية وهو المحاصر وذلك لإظهار أنه مختلفٌ عن جميع خصومه السياسيين ،نتنياهو لم يفعل شيئ لتعزيز السلام مع الفلسطينيين مما ستعرض جهوده لتحسين العلاقات مع بعض الدول العربية المعتدلة للخطر .
كما و قد أدانت المملكة العربية السعودية ودولٌ عربية أخرى تعهد نتنياهو بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وشددت على الالتزام بخطة السلام العربية التي تدعو جميع الدول العربية والإسلامية الـ 57 إلى إقامة علاقاتٍ طبيعية مع إسرائيل إذا وافقت على الانسحاب من أراضٍ لدول عربية سيطرت عليها عام 1967، وعلى ضرورة ايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين .
قد تم إنحياز السياسة الخارجية الأمريكية لإسرائيل على مر السنين السابقة، ولم تتوقف واشنطن عن مساعدة إسرائيل منذ نشأتها وحتى اللحظة .
في عام 2016 ، وقعت إدارة أوباما على اتفاقيةٍ مدتها 10 سنوات بقيمة 38 مليار دولار لدعم إسرائيل بمنحٍ عسكرية و مدنية . فأمريكا تقدم لإسرائيل أفضل معداتها العسكرية والولايات المتحدة ملتزمةٌ بالحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري على جيرانها العرب .
كما أن معاهدة الدفاع المشتركة الأمريكية-الإسرائيلية المقترحة ليست أكثر من هدية سياسية لزعيمٍ إسرائيليٍ مأزوم, فهو متهمٍ جنائياً ولا يستطيع الحصول على الدعم من شعبه وهو يعاني للبقاء في منصبه كرئيسٍ للوزراء . لذلك فهذا الاتفاق خطير وغير مجدٍ، ولكن فكرة مناقشته, هي جزءٌ من فعلٍ فاسد لا يخدم المصالح الإسرائيلية أو الأمريكية ، بل فقط يمثل مصلحة لرئيس الوزراء نتنياهو .
الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان ثابتاً في إعلان دعمه لمفاوضات السلام ، ورفضه التام لأي مقاومةٍ مسلحةٍ ضد الاحتلال الاسرائلي . حيث حافظت السلطة الفلسطينية على تنسيقها الأمني مع إسرائيل على الرغم من الفجوة السياسية الهائلة التي تفصل الفلسطينيين عن المحتلين الإسرائيليين ، كما يتجلى ذلك في تخلي الفلسطينيين علناً عن اتفاقيات أوسلو . فأي محاولةٍ أو حتى ظهور محاولةٍ لمناقشة تحالف عسكريٍ أمريكي-إسرائيلي ، سيكون عملاً آخر من أعمال دعاة الحروب التي لا يريدها أحدٌ في الشرق الأوسط .
و يجب على واشنطن أن تنضم إلى الفلسطينيين ومعظم الإسرائيليين وبقية العالم في الضغط من أجل التوصل إلى حلٍ سلمي وعادل للقضية الفلسطينية قائم على حل الدولتين مع قيام دولة فلسطينية ديمقراطية في حدود 4 يونيو 1967 إلى جانب إسرائيل ، يتعايش فيهما الشعبين بسلامٍ و أمان .



