.....حين قرأت هذا الاعلان عن فقدان الكلب العزيز " شوكي " والذي كلف _ الاعلان – صاحبه نصف راتب موظف ..! تذكّرت على الفور , المواطن " صابر عبد الوهّاب "
"وليكن هذا اسمه" والذي خرج من مسكنه منذ شهر ، ولم يعد بعد ..!!
...كثرت الروايات وتعددت الحجج والمقالات الصادرة من المعارف والجيران عن اسباب اختفاء المواطن "صابر" ولكن احدا منهم لم يتحرك للبحث ،او يتبرع بثمن اعلان مفقود في الصحف السعيدة..!؟
بل ان هؤلاء انفسهم يستعدون منذ الان لكل كلب ضال يمر من امامهم – ان كان على صدره بقع بيضاء ام لا..؟! فالعزيز "شوكي" لابد ان يعود لأنه كلب نادر الوجود...
يستعمل الشوكي (!!) والسكين –كما ذكر -....!
والمواطن "صابر عبد الوهاب" ايها السادة واحد من "جيل الحلم المسروق " المولودين في منتصف الخمسينيات من هذا القرن ..، درس في الخارج وعاد ليعمل في البلاد ،فاصطدم بقلة الامكانات المادية والاحباطات الإدارية ..،وتحجرت دموعه في عينيه وهو يرى والديه ينتظران ثمرة كدهم وسهرهم من اجله بدون جدوى !.
عمل في اكثر من ورشة وتوقف ... في زمن اصحاب العمل الذين يتوقفون ويوقفون حال من يريدون !! ... اتجه للنقابة ولكنها اعتذرت عن توفير فرص عمل ، وطالبته بتسديد رسوم الاشتراك ..!
قبل مدة قصيرة حصل على عقد عمل في دولة خليجية ، ولكنها عادت ورفضته لانه حاصل على شهادته من دولة شيوعية !!.. ، ويومها اقسم لي انه لا يعرف الفرق بين الشيوعية والشيعية !وانه لم يشترك في أي نشاط من أي نوع طوال سنوات دراسته....
!..، وانا اصدق المواطن "صابر"لانني اعرفه منذ سنوات الدراسة الابتدائية ...فهو من النوع الذي ينطبق عليه المثل القائل "..ماشي الحيط الحيط ويا رب الستر"!!
... .. حسنا ..، لقد تشعبنا كثيرا ..
ونعود لموضوع اختفاء المواطن "صابر" .. فقبل اسبوعين على هذا الاختفاء ..حصل على وظيفة مهندس مراقب في ورشة حكومية .. ، وكان من المفترض –ضمن وظيفته – ان يكون مشرفا على كل صغيرة وكبيرة بهــــا ، لكنه اكتشف منذ البداية ، ان المقاول المعروف يريده ان يوقع اوراقا ..ويراقب العمال فقط!!!
..، اتجه للمسؤول الحكومي الذي قام بتعيينه ، فصرخ في وجهه :
-يا اخي ما صدقنا وعيّناك ..، جاي تعمل فيها ابوعلي !! أي هو في ناس لاقية شغل ... احمد ربك!!!
-ولكنها سرقة ؟!
- آه ..انتم شباب هذه الايام بس شاطرين تتهموا غيركم ! هذا اكبر مقاول في البلد ..
، وبلاش افكار البلاد اللي علّمتك !!
... تسائل صابر عن افكار هذه البلاد ... وبينه وبين نفسه ردد غضبا:
-ولكنها سرقة !!
... ....
عاد صباح اليوم التالي الى عمله ... ،صاحب العمل نظر اليه نظرة شزراء :
-رحت تشكي علينا يا شاطر .. روّح ما في عنّا شغل !!
... .. اتقدت عينا صابر ،كور قبضتهه متجها صوبه .. تراءت امام عينيه صورة
والديه والانتظار ..،... صورة الحبيبة التي وعدها بالزواج بعد تحسن الحال ..، شدد قبضته اكثر ... . راى صورة مسؤول تلفزيوني "!" يتحدث عن انتهاء مشكلة البطالة
..!، مسؤول آخر يتحدث عن امتياز مقاولي البلاد على غيرهم من البلدان المجاورة وتفانيهم في خدمة بلدهم ...، صورة مسؤول آخر يصرخ بان شبابنا لا يرضون بكل الاعمال التي توكل اليهم ،.. نائب سابق ،كان مسؤولا ، يخاطب مرشحيه بانه سيطلب اعادة القانون من اين له "!" هذا ؟!
شدد صابر قبضته اكثر وعالج المقاول بلكمه حادة طرحته ارضا ...، فتجمع حوله مستخدموا المقاول الكبير حيث قاموا بضربه جميعا ...، حضرت الشرطة، واتجهو جميعا للمخفر وهناك رجحت كفّة المقاول الكبير وشهوده الجاهزين ..، ..واصبح صابر متهما ...!!
بعد ايام خرج صابر من المخفر لا يلوي على شئ!
.. اخر مرة شوهد فيها صابر على سفح احد الجبال العالية .. ينظر للاسفل والى المدى البعيد بعينين جاحظتين ..، اما والد صابر العجوز فما زال يبحث عنه في بيوت اصدقائه ومعارفه !! .......
ملحوظة: بعد انتهاء هذه المقالة عثر على الكلب "شوكي" بحالة جيدة ... وقد سارع الطبيب البيطري بوضعه في حجر صحي خاص" يشبه ذاك الذي تستخدمه وكالة (ناسا) الامريكيه بعد عودة رواد الفضاء الى الارض ..
حتى يتاكد تماما من خلوه من أي نكد!!
ياسر أ. دودين
مارس -1990-عمان
