... اطلّ صباح يوم جديد..نهض من فراش اصابه الملل... ، نظر الى بطن زوجته الـحامل بقربه-وهو المنظر الوحيد الـذي تغير في دنياه منذ خمسة عشر عاما عاشها عازبا -... ، ذهب الى الحمام ،غسل حزنه اليومي عن وجهه .. ، شرب فنجان قهوته السوداء، وقرا عناوين الصحف السوداء..!
..ارتدى ثيابه بسرعة مستمعا الى تأوهات زوجته و شكواها التي مازالت ترددها منذ اشهر الزواج الاولى عن عيشته وفقره ونكده !! .. ، بينه وبين نفسه لعن الزواج ، ولعن اليوم الذي تزوج فيه ... ! ..
...صفق الباب خلفه وخرج للريح والمطر... .
... ...
خلال انتطاره بمحطة الركاب ، رشقته سيارة مسرعة تحمل مسؤولا
حكوميا ... ، واخيرا جاءت الحافلة وصعد اليها ...
في الطريق طالعته اعلانات النواب المرشحين للمجلس النيابي الجديد ... ، تصفح احد الواقفين في الحافلة امامه صحيفة لاحظ على احدى صفحاتها عناوينا تتحدث عن رياح التغيير الديموقراطية ،ومجلس النواب الجديد والمرشحين واعلاناتهم ... ، وعلى الصفحة المقابلة مقالة عن غور باتشوف .. ، للحظة تخيل ان "غورباتشوف " هو مرشح الدائرة الثانية ..؟! ، او دائرة البادية !ابتسم .. ..ثم قرا اعلانا عن فقدان كلب !!مصمص شفتيه ..نزل من الحافلة وتوجه الى مكان عمله ..
... ..
اثناء تواجده بمكان عمله سمع زملاءه يتحدثون عن سعر سلعة يومية ارتفع ثلاث مرات متتالية . . . ، تذكر حديث المسؤول الكبير عن الضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه من التجار زيادة الاسعار ...!! باحثا عن سلة المهملات ،ليلقي ببعض الاوراق اليها ، تذكر حديثا لم يفهمه لمسؤول سابق –اصبح مذيعا مقررا في التلفزيون * عن سلة المهملات !!..قطب جبينه وبحث عن واجبات اخرى من العمل ليدفن بها حزنه اليومي !!
.....بعد نهاية الفترة الاولى من عمله ،خرج لتناول بعض الفطائر من محل قريب ...، وقبل ان يهم بتناول الفطيرة ارتسمت امام عينيه قافلة من صهاريج النضح محملة بالسمن !!*...،ترك الفطيرة مكانها وعاد لمكان عمله !!
وفي طريق عودته رآى في احد اكشاك الصحف،صحيفتين امريكيتين،
غلاف الاولى" لكورازون اكينو" والثانية"لبونازير بوتو"... ..، فكر للحظة انه ربما تود أمريكـا فرض النساء حاكمات علــى شعوب العالم الثالث
...، لعن النساء والزواج مرة اخرى ..ولعن امريكـا مرات !! ولعن حكام العالم الثالث عشرات المرات !!.. ..
قبل انتهاء عمله بدقائق ،جاءه هاتف مستعجل بأن حماته المصون
نقلت زوجته المصون –ايضا- الى المستشفى في حالة طارئة!.. وحين سأل عن اسم المستشفى ،رّد احد زملائه نادبا حظه ،بأن عليه ان يدفع ما قدامه وما وراءه لهذا المستشفى ،.؟! لأن المستشفى المذكور كما قال ..،له بنك بنفس الاسم وربما سيكون له فندق بنفس الاسم !!.. وكما اردف محدثه ان المستشفى ذاك يتعامل بالدين الحنيف و شهادة ان لا اله الا الله !! لذا فان فاتورة حساب الكفار من امثاله ستكون عسيرة!!.
...خرج من عمله مسرعا ..عد الدريهمات القليلة التي بين يديه قائلا
: لا بد من المجازفة !.. واشار لاحدى سيارات الاجرة لتقله على وجه السرعة للمستشفى ....، قبل وصوله بقليل فضل ان يتوقف به السائق شارعا مقابلا لبناية المستشفى لان الوصول به امام البناية يتطلب دورة كاملة تكلف ضعف المسافة من اشارات المرور والجسور والمطبات !! لذلك فضل عبور الشرع سيرا فدريهماته القليلة الباقية بالكاد تكفيه العودة !!
..... ...
عبر الشارع بسرعة ...طافت امام عينيه صور واحاديث زملائه في العمل..، يافطات المرشحين ، الاعلانات التبشيرية بالمد الديموقراطي... ، زوجته الحامل ...، وجه حماته القبيح ..، لكنه لم ير صورة وليده بين الصور ...،
بل ارتسمت امام عينيه فجأة فاتورة المستشفى .. !!
.. سمع صوتا..، نظر خلفه، شاهد جسما متحركا يتّجه اليه بسرعه ،وصوتا لعينا يشبه الحطام طاف به عاليا ...وسقط.. ..
...على ارض الشارع شاهد الذين هرعوا للمكان جثة رجل نحيل يخنق احدى قبضتيه ...، وبعد فتحها ، تبين انه لا يحمل شيئا سوى القهر.....!!
ياسر اكرم دودين
عمان-مارس-1986
(*)وزير سابق اصبح يقدم يقدم برنامجا اسبوعيا عن الاقتصاد والمال..
(*)فضيحة هزت المجتمع الاردني وتتلخص في تسريب اطنان من السمن
القادمه عبر البواخر الى احدى الول المجاورة الى السوق الاردنيه عن طريق
تهريبها في صهاريج النضح مما تسبب في حالات تسمم كثيـرة ....