في العام 1993 تمّ في واشنطن توقيع أول إتفاقية بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني والتي تضمنت ماعُرف بإعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي "المشهور تحت اسم اتفاق أوسلو 1"، وفي 28 أيلول 1995 وقّع الطرفان في مدينة "طابا" المصرية اتفاق أوسلو 2. ومن المعروف أنّ تلك الإتفاقيات نصّت على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي شريك للكيان الغاصب في ترتيبات الوضع النهائي بخصوص قضايا المستوطنات والحدود والقدس ومسألة التواجد العسكري الصهيوني في الأراضي المحتلة عام1967 وحق الفلسطينيين اللاجئين بالعودة .
تلك الإتفاقيات والتي كان احد مهندسيها في أوسلو محمود عبّاس الرئيس الفلسطيني الحالي لم يتحقق منها اي مكسب فعلي للشعب الفلسطيني الذي يضحي منذ ما قبل العام 1948 لأجل أن يكون له الحق كباقي الشعوب في العيش بحرية وكرامة على أرضه، وما تحقق كان إقامة سلطة في مبنى المقاطعة في "رام الله" أقل من سلطة أي بلديّة صهيونية، والرابح الوحيد هو الكيان الغاصب في جميع المجالات ولا سيّما :
_ إعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة الكيان الصهيوني دون أي مقابل.
_ التنسيق الأمني بين أجهزة مخابرات منظمة التحرير الفلسطينية وأجهزة مخابرات الصهاينة،
والذي كان من نتائجه زجّ مئات المناضلين الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية ،إضافةً إلى إحباط عشرات العمليات العسكريةالفدائية ضد الجنود والمستوطنات الصهيونية.
1: رسالة من ياسر عرفات إلى رئيس الوزراء رابين
- 9 سبتمبر 1993
- اسحاق رابين
- السيد رئيس الوزراء,
- إن توقيع إعلان المبادئ يمثل حقبة جديدة ... أود أن أؤكد التزامات منظمة التحرير الفلسطينية التالية: تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في الوجود في سلام وأمن. منظمة التحرير الفلسطينية تقبل قراري مجلس الأمن 242 و 338. تلتزم منظمة التحرير الفلسطينية ... بحل سلمي للصراع بين الجانبين وتعلن أن جميع القضايا المعلقة المتعلقة بالوضع الدائم ستحل عن طريق المفاوضات ... منظمة التحرير الفلسطينية ونبذ استخدام الإرهاب وغيره من أعمال العنف وستتحمل المسؤولية على جميع عناصر وموظفي منظمة التحرير الفلسطينية من أجل ضمان امتثالهم ومنع الانتهاكات والانضباط للمخالفين ... تؤكد منظمة التحرير الفلسطينية أن مواد العهد الفلسطيني التي تحرم إسرائيل من حقها في الوجود وأن أحكام العهد التي لا تتفق مع التزامات هذه الرسالة أصبحت الآن غير صالحة ولم تعد صالحة. بناء على ذلك تتعهد منظمة التحرير الفلسطينية بأن تقدم إلى المجلس الوطني الفلسطيني الموافقة الرسمية على التغييرات اللازمة فيما يتعلق بالعهد الفلسطيني.
- بإخلاص،
- ياسر عرفات
- الرئيس: منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد ما يزيد على ربع قرن وكلّما تقدّم الزمن على اتفاقية اوسلو تهاوت تلك الاتفاقية لتصبح مجرّد اتفاقية أمنية مخابراتية فقط لا غير ، ولولا أن التنسيق الأمني جاء لمصلحة الكيان المُحتل لتخلّى عنه الصهاينة ، ناهيك عن إغتيال "أبو عمّار" ، ومزيد من إرتماء غالبية قيادات المقاطعة في أحضان جلاّدي الشعب الفلسطيني، ومزيد من الإنقسامات الفلسطينية الداخلية، وانفصال قطاع غزّة عن السلطة الذي عمّق الشرخ بين أصحاب القضية الواحدة، واستغلال الصهاينة وغالبية حكّام الأعراب المتصهينين للإنقسامات لزرع بذور الفتنة والعداء بين القيادات الفلسطينية التي غرق بعضها في الإستسلام في "رام الله" بينما تألق الآخرون في قطاع غزّة في مقاومة الإحتلال.
- هل بالإمكان التخلص من جميع الصفقات ومن الإحتلال؟
نعم، هناك طريق واضح واحد ووحيد يتمثّل بالآتي:
أوّلا:
1- توحيد الصفّ الفلسطيني فعلاً لا قولاً وتنفيذ وتثبيت ما جاء على لسان السيّدين إسماعيل هنية ومحمود عبّاس مع حفظ الألقاب في الإتصال الذي جرى بينهما غداة إعلان (صفعة القرن)، ووجوب تجاوز جميع الخلافات الصغيرة والكبيرة وتشكيل إدارة موّحدة للقطاع والضفّة تحت اسم حكومة أو غرفة طوارئ أو أي مُسمّى آخر يتجاوز الأنانيات والشخصانية تعمل على وضع خطّة متكاملة لإدارة الشؤون الفلسطينية في الداخل والخارج ، وتعمل على إعادة تفعيل طاقات واستنهاض همم الشعب الفلسطيني من جديد ، كما تعمل على استنهاض طاقات الشعب العربي لمساندة القضية الفلسطينية بالأفعال ولا تكفي التظاهرات والشعارات الطنّانة التي لا تُسمِن ولا تُغنِ من جوع، ومن المؤكد أن أحرار الأمّتين العربية والإسلامية عندما يرون صدق القيادات الفلسطينية وتوّحدّهم وأنّهم جادّون في العمل على تحرير أراضيهم ، حينها لا بُدّ وأنّ التأييد الكلامي سيتحوّل الى مساندة فعلية وفي جميع المجالات.
2-إيقاف وإلغاء التنسيق الأمني مع الصهاينة
واعتقال جميع من يُشك فيه على أنّ له علاقة مع الإستخبارات الصهيونية وخاصةً أولئك الذين ساهموا وبشكل فعّال في اعتقال وتسليم وقتل مجاهدين فلسطينيين مقاومين للإحتلال على مرّ السنوات الماضية .
3- تفعيل الإنتفاضة لتتحوّل إلى ثورة ضد الإحتلال تستنزف قواه العسكرية والإقتصادية وتحوّيل حياة المستوطنين إلى جحيم مما قد يُجبرهم على الرحيل بعد فقدهم الأمن والأمان.
4- تشكيل قيادة عسكرية سرّية على غرار القيادات العسكريّة في قطاع غزّة يكون جهدها في تشكيل خلايا فدائية وتفعيل العمل العسكري المقاوم ضد قطعان الجنود والمستوطنين الصهاينة أينما وجدوا ، والصمود مهما كانت الصعوبات.
ثانياً:
كيف يمكن نجاح الأنتفاضة والمقاومة بكامل اشكالها و من سيدعم هكذا انتفاضة مدنية وعسكرية مع كل ما سيترتب على ذلك من ضحايا ومن تضحيات ؟
سؤال مشروع وطبيعي جدّاً والجواب عليه واضح :
الدولة التي دعمت الشعب الفلسطيني منذ أكثر ثلاثين سنة سياسياً ومالياً وعسكريّاً والتي أعلنت بكل وضوح أن فلسطين كامل فلسطين يجب أن تعود لأهلها والتي كان لها الدور الفعال في انتصارات المقاومة في قطاع غزّة من خلال تأمين جميع أشكال مقوّمات الصمود والإنتصار في جميع المواجهات مع الكيان الغاصب بحيث أصبح الصهاينة يخشون المواجهة مع المقاومين في القطاع المحاصر .
نعم، الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ومنذ تأسيسها اعتبرت أن من واجبها ليس دعم وتأمين مقومات صمود وانتصار الشعب الفلسطيني وإنّما عليها واجب شرعي ديني تجاه تحرير فلسطين ،هي الدولة الوحيدة القادرة على تأمين الدعم الكامل للفلسطينيين في الضفة الغربية كما دعمت ولا زالت تدعم الفلسطينيين في قطاع غزّة، بينما غالبية الحكّام الأعراب المتصهينين يتسابقون ليس فق للتطبيع مع الكيان الغاصب وإنّما يتآمرون في السرّ والعلانية مع جميع من يعمل لإنهاء القضيّة الفلسطينية وإلغائها من الوجود.
إيران وبالرغم من الحصار المرير والعقوبات القاسية ضدّها من ما يُسمى المجتمع الدولي وبالرغم من تآمر حكام دويلات ومحميّات لخليج العربي ضدّها وجعلها عدوّة العرب، على الرغم من ذلك إلا أنّها قدّمت التضحيات الجسام على طريق فلسطين وكان آخرها اغتيال فائد فيلق القدس الحاج قاسم سليماني غدراً وهي لا تُخفِ أن هدفها النهائي هو القضاء على الإحتلال الصهيوني وتحرير كامل فلسطين،
لذا فما على القيادات الفلسطينية المخلصة إلا أن تُبادر الى توحيد الكلمة والصفّ في مواجهة ما يحيكه الأمريكيون والصهاينة والأعراب لتصفية القضية الفلسطينية وحينها ستجد أن إيران ستقدّم وتؤمّن جميع مقوّمات الصمود والإنتصار ، وكذلك سيفعل جميع أحرار العرب والعالم.
وتحرير جنوب لبنان عام 2000 بعد أكثر من 22 سنةً من الإحتلال الذي بدأ منذ (1978) وكذلك انتصار عام 2006 ومعارك غزّة المتتالية خير دليل على أن الحقّ لا يضيع طالما وراءه من يقاتل لأجله.