مقال هام يلقي الضوء على تعقيدات المشهد في ادلب السورية, فقلما تجتمع بمنطقة صغيرة المساحة نسبيا كل تلك العقد المتشابكة بين مصالح الدول ورهانات الابتزاز، لكنها كذلك في إدلب. ولأن إدلب قد حوت ما يمكن تسميته إحدى الحروب العالمية الصغرى، طالما أن الرئيس ترامب هو الذي مهد الطريق لهذه التسمية عندما هاجم مستشاره للأمن القومي السابق جون بولتن بأنه كان يمهد لحرب عالمية سادسة، إذا فإدلب هي إحدى الحروب العالمية الصغرى التي عناها ترامب...وهذا ما يفسر كل التشابك الدولي في هذه المنطقة السورية من أميركا وروسيا الى تركيا وايران وصولا الى إسرائيل، ولذلك ففي ادلب ستُرسم خطوطا مهمة ليس لمستقبل سورية فقط وانما لمستقبل صارع المحورين.
إدلب هي أيضاً الخزان السكاني والانتقالي لكل المجموعات الاثنية ، ابتداء من الحالة التركمانية التركية إلى التركمانية التركستانية الصينية الايغورية إلى التركمانيات الروسية وغيرها تحت عناوين متعددة، ولكن كلها كانت تحتمل إعادة إنتاج سلسلة لا متناهية من الحروب تبدأ من إدلب ولا تنتهي بمنطقة غرب الصين، اي و بالمعنى التاريخي إعادة إنتاج كل العامل الطائفي الذي أشعل الحرب ليصب في خانة القاطرة الاثنية التي تستديمها و لا يمكن أن تنهيها.......
أما الدول الأوروبية فقد كانت الأكثر ترقباً بفعل الابتزاز التركي من قبل أردوغان والذي تحول في سابقة عالمية إلى بازار علني يقوم فيه رئيس دولة بتهديد دول يتحالف معها بأكثر من حلف مثل حلف الناتو والاتفاقات العديدة التفضيلية لتركيا مع الاتحاد الأوروبي، بتهديد هذه الدول الأوربية نفسها بإرسال موجات هائلة من المهاجرين إليها وهو يعني أيضاً ضمن كلامه إرسال إرهابيين مدربين دربوا على الحرب السورية وكانت إدلب نفسها التي نتحدث عنها ذلك المعسكر الهائل الذي حوى كل أنواع مختبرات التجريب والتدريب الضخمة والقتال أيضاً لهذه المجموعات لمختلف السناريوهات القائمة و المحتملة ، و باستعراض أنواع و أعداد الفصائل المسلحة الموجودة في إدلب إضافة إلى حركة النزوح التي حصلت نتيجة التسويات و جلها ذهب إلى ادلب نجد ما يلي :
أهم الفصائل المتواجدة في ادلب:
1- الفصائل المسلحة في بداية الحرب:
· فصائل( الجيش الحر) سيطرت على سراقب ومعرة النعمان وقسم من جبل الزاوية.
· هيئة تحرير الشام سيطرت على مدينة ادلب والمعبر والمناطق المحيطة به, وعلى خان شيخون وأريحا وجسر الشغور, والريف الشمالي والقسم الأكبر من الريف الجنوبي.
2- الفصائل المسلحة المتواجدة في ادلب في الفترة الأخيرة :
· حركة أحرار الشام الإسلامية : ويبلغ تعداد مقاتليها 15 ألف مقاتل, وتشرف على معبر باب الهوى واعتبرت "حركة أحرار الشام" إحدى فصائل( المعارضة المعتدلة) وذلك باتجاه أربع فصائل إسلامية سورية وهي كتائب أحرار الشام وحركة الفجر الإسلامية وجماعة الطليعة الإسلامية وكتائب الإيمان المقاتلة, فيما بعد انضوى تحت راية حركة أحرار الشام كل من جيش الإسلام قطاع ادلب وألوية صقور الشام وكتائب ثوار الشام والجبهة الشامية "قطاع حلب الغربي" وجيش المجاهدين هو أحد فصائل( الجيش الحر) وجميعها تقاتل ضد جبهة "فتح الشام".
· فيلق الشام : يبلغ تعداده 8 آلاف مقاتل ويتبع بشكل جزئي (للجيش الحر) وه تحالف يضم جماعات إسلامية معارضة تشكلت من أجل تعزيز قوة الإسلاميين المعتدلين في الصراع المسلح في سورية, تم تشكيل التحالف من 19 مجموعة مختلفة, كان بعضها ينتسب سابقاً ل جماعة الإخوان المسلمين السورية وهيئة دروع الثورة.
· . جيش المجاهدين: عددهم التقريبي ألف مقاتل ويحمل راية الجيش الحر إلى جانب رايته, وهو ائتلاف يضم مجموعات إسلامية تم تشكيله لمحاربة تنظيم داعش
· . فرسان الحق : وهو تنظيم تشكل عام 2012و يقدر عدد مقاتليه بحوالي ألفي مقاتل وهو فصيل من (الجيش الحر) ومتواجد في كفرنبل. 5. صقور الجبل: وهو فصيل من (الجيش الحر) , ويقدر عدد المقاتلين فيه بحوالي ألفي مقاتل , تلقوا تدريبات من الولايات المتحدة وينشط هذا الفصيل في محافظة ادلب. 6. فصيل تجمع فاستقم كما أمرت : يضم ألفي مقاتل ويحمل راية (الجيش الحر) بالإضافة لرايته.
· . صقور الشام: بحدود 6 آلاف مقاتل , قاتل هذا الفصيل إلى جانب (الجيش الحر.)
· جيش السنة: ويبلغ عدد المقاتلين في هذا الفصيل ألفي مقاتل , متواجدين بريف حلب الغربي وبريف ادلب.
· تنظيم فتح الشام: "النصرة سابقاً" ويبلغ تعداد مقاتليه 6 آلاف مقاتل , بعضهم أجانب من جنسيات غربية وعربية , ولها أربعة مكاتب : مكتب المقاتلين, ومكتب الحسبة "مسؤول عن اللباس الشرعي- التدخين –إغلاق المحلات أثناء الصلاة " ومعظم أفراد هذا المكتب من جنسيات غير سورية.
· لواء الحق: فصيل يضم حوالي ألفي مقاتل متواجدين في سراقب بريف ادلب وهو مقرب من تنظيم فتح الشام.
· فصيل جند الأقصى : يضم ألف مقاتل انضم مؤخراً لتنظيم فتح الشام وهو مقرب من تنظيم داعش, المجلس الإسلامي و يضم قرابة 40 هيئة ورابطة إسلامية من أهل السنة والجماعة في الداخل والخارج, ومن ضمنها الهيئات الشرعية لأكبر الفصائل الإسلامية في سورية, ويترأسه الشيخ أسامة الرفاعي.
3 - الفصائل المسلحة التي تم ترحيلها إلى ادلب:
تم ترحيل مسلحي داريا من ريف دمشق بتعداد 1400 مسلح والمعضمية بما يقارب 1000 مسلح وقدسيا والهامة 2000 مسلح وبالاضافة للمئات من حي الوعر في حمص والقدم والعسالي بريف دمشق, ليصبح مجموع من تم ترحيلهم إلى ادلب ما يقارب 6000 مسلح بالإضافة لعائلاتهم, أما في الغوطة الشرقية فإن أكثر من 38 ألف مسلح وعائلاتهم خرجوا من جوبر وزملكا وعربين وعين ترما, عبر ممر عربين الى ادلب خلال هذه العملية.
وزارة الدفاع الروسية أعلنت من جهتها أنه تم نقل أكثر من 5000 مسلح وعائلاتهم من مدينة حرستا ودوما جنوب الغوطة الشرقية بريف دمشق إلى ادلب شمال سورية ,ومن ثم تم ترحيلهم من مختلف الفصائل المسلحة الذين يتبعون لتيارين بارزين هما: الوهابيون والإخوان المسلمون, وقد حملوا خلافاتهم العقائدية معهم الى ادلب, وهذا أدى الى زيادة الخلاف هناك بين الفصائل المتناحرة.
كل هذا قد خلق في إدلب قدرا هائلا من التعقيد فقد كانت أجهزة الدول الأوروبية الأمنية تتعاطى مع تهديداته بالجدية والحذر والمناوشة أحياناً لكي تحسب أفعالها وتتحسب لما يمكن أن يأتي إليها من مخاطر ، مع شعور عام لديها بالعجز من سياساتها التي أخذتها هي اتجاه الحرب في سورية خلال كل الأعوام المنصرمة، ولكنها غير قادرة وفق بنيتها السياسية أن تتراجع بسبب القدر الكبير من التنازلات المستحقة اتجاهها و التي لا تحتمل إلى الآن أن تأخذها، أو أن الساسة الأوروبيون أنفسهم ليسوا على قدر المستوى لأخذ مثل هكذا خطوات. إذا وانطلاقاً من إدلب المختبر إلى إسطنبول، إلى أوروبا المستقر، يكمن كل هذا القدر من التعقيد في المشهد. أما إذا أردنا سبر كنه السياسة الروسية وبما أننا نتحدث عن إدلب وتعقيداتها فقد يكون الوقت قد حان عند الحديث عن منطقة خفض التصعيد الرابعة الناجمة عن اتفاقات استانة وهي إدلب، أن نقول بأن الرئيس بوتين يستكمل حقيقةً عملية تغيير كبرى لنظامه السياسي الروسي الداخلي انطلاقاً من الحرب المعقدة في حلفه مع سورية، و من يريد معرفة ما يتضمنه هذا الكلام عليه أن يدرس العلاقة بين روسيا والغرب و كيف تغيرت على مسرح المختبر الحربي السوري بدءا من الدبلوماسية الروسية و التصدي في مجلس الأمن و رفع الفيتو المتكرر، إلى تطوير السلاح و اختباره في المعركة و إثبات وجوده حتى بيعه لحلفاء الغرب بدءا من منظومة اس 400 و ليس انتهاءا بالمنظومات الفردية. وعلى هذه الأرض التي شهدت إحدى الحروب العالمية المصغرة أو المستترة كما عناها الرئيس ترامب في حديثه السابق، او اننا أحببنا أن نستنتج كلامه على هذا النحو فقد شهدنا في الأعوام الأخيرة نوعاً فريداً من الحرب العسكرية التي ترافقت بارتدادات سياسية غريبة الانعكاسات تمثلت في الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية ومواقع المقاومة فيها و ترافقت جُلها بحديث أخذ كل أنواع التأويلات بماهية موقف روسيا من هذه الاعتداءات وذهب البعض بعيداً في التفسيرات دوناً عن تلفيق أخبار حتى عن صدامات بين قوات حليفي سورية الروسي والإيراني، تأكدت كذبها كلها .
الخلاصة :
وصلنا الآن في إدلب إلى مايشبه حالة ظهور كل الممثلين على خشبة المسرح بعد اللقاء العلني والذي أعلنته وكالة الأنباء السورية سانا بين رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك و رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان، بما يعنيه هذا اللقاء الذي أعقب زيارة الرئيس بوتين الشهيرة إلى دمشق ثم اسطنبول، ثم بداية حسم المعركة عسكرياً، وعسكرياً جداً، في تحول أخذ صفة - الخيار - لسلسلة طويلة من الاجتماعات الماراتونية في أستانة وسوتشي مع كل مارافقها من رسم للخرائط العسكرية التي كرست كل أنواع وجود الأضاد من قوات سورية ورديفة لها وحليفة، بالإضافة إلى نقاط مراقبة تركية بل وجيش تركي حقيقي في مناطق جغرافية متجاورة. إن الحسم العسكري ها هنا يحمل أكثر معاني الحسم السياسي لأن المشاريع التي رُكبت غربياً لإلهاء سورية بمحيط لا ينتهي من الحروب الداخلية بتكريس وجود أكبر تعدد و تنوع من- الفصائل الجهادية - والتي بدورها أرادت وضعاً شبه محمي بصيغة ترعاها تركية في إدلب وتحافظ على حالة اللااستقرار فيها. هذه الحالة بالذات هي التي تشجع إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية لإعلان صفقات في هذا القرن و ليس صفقة واحدة بسبب الحالة الراهنة على الأرض في سورية، و هنا في إدلب الآن تتم التهيئة لحدوث تغييرات جيوسياسية في المنطقة كلها، ما يهيئ أن يجعل منطق التفاوض القائم حالياً طرحاً من الماضي ويخلق متغيرات لابد أن تحدث ليس لتسوية الوضع في سورية على طريقة جنيف وغيرها وإنما بوضع ملامح منطقة جديدة كلياً في العامين القادمين لاتشبه بأي حال منطق العودة إلى الوراء.
الكاتب
دمشق- طارق الأحمد باحث وسياسي.



